عرض مشاركة واحدة
قديم 10-28-2010, 05:21 PM
المشاركة 3
عبدالسلام حمزة
كاتب وأديب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


بذور المقالة في الآداب الشرقية القديمة :

ظهرت بذور الأدب المقالي , بأنواعه المختلفة , في الآداب القديمة قبل القرن السادس عشر , وهذا الأمر ليس مظنة الاستغراب , فالمقالة في حقيقتها ,

شأن سائر فنون الأدب الأخرى , تقوم على ملاحظة الحياة وتدبر ظواهرها وتأمل معانيها , وهذه ظاهرة نفسية رافقت الإنسان منذظهوره على وجه الأرض ,

إذ هي مركبة في طبيعته , بل هي جوهر جبلّته التي فُطر عليها .

وقد عبر عنها منذ فجر التاريخ في تهاويل السحر ورسوم الكهوف , ووجدت في أحاديثه ومسامراته قبل عهد التدوين متنفسا ً ومراحا ً .

وأصبح من عادة هذا الإنسان المتأمل فيما بعد , أن يدون نتيجة تأملاته وخاطراته على صورة ساذجة تتسم بالبساطة والعفوية دون أن يشق على نفسه

في خلق قالب فني محدد , أو لعله لم يكن من الفطنة والحذق بحيث يتيسر له ذلك .

وهذا ما نجده في أمثال الأمم وجوامع كلمها , وللعرب حظ عظيم منها يرجع إلى عهود موغلة في القدم وعليها يعتمد الباحثون في دراسة تطورهم العقلي ,

والمرتبة التي بلغوها في تمرسهم بالحياة واختبارهم لها وتأملهم معانيها . ثم إن لها فائدة أخرى في نظر الباحثين ,

فهي تختلف عن الشعر بصدورها في الأكثر عن عامة أبناء الشعب وأوباشهم , بينما يصدر الشعر عن طبقة ترتفع بعقليتها عن متسوى العوام ,

وتلتمس لفنها ألوانا ً من الصقل والتهذيب , لا يأبه لها أصحاب الأمثال الذين اعتادوا أن يلقو بها في المناسبات التي تعرض لهم ,

تعبيرا ً ساذجا ً سريعا ً عن إحساس فطري تلقائي . وهذا هو شأن الأمم جمعاء في أطوار بداوتها .

والمثل قريب بطبيعة وضعه وصياغته من فن المقالة , التي أراد لها مونتين أن تكون صورة صادقة عن أحساسه بالحياة وتأمله لها , لا يلحقها أن تشذيب أو تصنع .

وخير صورة نقع عليها لمثل هذه الحكم الشعبية , ما نجده في بعض أسفار العهد القديم , وخاصة في أسفار الحكمة وهي :

( الأمثال ) و( الجامعة ) و( سفر يشوع بن سيراخ ) فهذه الأسفار الثلاثة , توضح لنا المراحل الثلاث , التي تجتازها الملاحظات العابرة ,

حتى تغدو نوعا ً من الأدب المقالي .

ففي المرحلة الأولى تظهر على صورة الأمثال والأقوال السائرة , وجوامع الكلم التي لا تنتظمها وحدة شاملة , وفي المرحلة الثانية تستقطب هذه الأمثال والحكم ,

حول فكرة واحدة , هي فكرة الملك والجاهل , وهذه الفكرة الموحدة أو الموضوع العام , هي البداية الحقيقية لفكرة وضع عنوان لكل مقالة .

وفي المرحلة الثالثة , نجد أن هذه الأمثال التي دارت حول فكرة واحدة , قد اتسع نطاقها حتى شملت مجموعة من الأفكار التي تنتظمها وحدة موضوعية ,

فأصبح المثل الموجز المركز موضوعا ً عاما ً يتيح للكاتب أن يجيل قلمه في حديث مسهب , وأن يفيض في عرض أفكاره وبسط نظراته ,

وهنا نقع على الصورة الموجزة للمقالة الحديثة .

ويعكس لنا الأدب الصيني القديم الذي يدور حول الموضوعات الدينية والفلفسية مثل هذه المراحل أيضا ًوخاصة في الأقوال المأثورة التي تُنسب إلى كونفوشيوش

( حوالي 500 ق . م ) وكذلك آثار تسي زي في ذلك العهد ثم كتابات منشيوس ( حوالي 300 ق . م ) أكبر أتباع كونفوشيوس ,

وخاصة في تلك الفصول التي كتبها عن الحب الكوني . ثم في تعاليم لا ووتس , في أوائل القرن السابع بعد الميلاد التي ضمنها كتابه ( الطريق ) .

وللحديث بقية إن شاء الله ...