عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2011, 01:15 PM
المشاركة 195
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي

المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (29)




على ثَراكَ سَلامُ




في إحياء ذكرى شاعر العاصي
المرحوم بدر الدين الحامد






أَشرقْ فأنتَ على الزمانِ تَمامُ
وانشرْ ضياءكَ فاالقريضُ ظلامُ


واعصرْ كرومكَ في الدنانِ قصائداً
تصحو بها جامٌ وتسكر جامُ


واملأْ كؤوسَ الشاربينَ فإنَّهم
عشقوا خمورَ المُلهَمينَ فهاموا


لولاكَ ما جرتِ الحروفُ على فمي
شعراً تَهيمُ بسحرهِ الأفهامُ


أنا ما عرفتُ الشعرَ إلا حينما
هبَّتْ على أجيالِنا أنسامُ


* * *

يا " بدرُ " ألسنةُ القريضِ فصيحةٌ
لا يَعتريها اللَّبسُ والإيهامُ


كنتَ المُحلِّقَ كالسحابِ بأُفْقِنا
ولكَ البروقُ على الزمانِ تًُشامُ


للهِ صوتُكَ .. ما يزالُ بمسمعي
يحدو الجلاءَ وتخفقُ الأعلامُ


والأرضُ من فرحٍ تُزغردُ والسما
تزهو وآياتُ القريضِ مُدامُ


والشعُب كلُّ الشعبِ يهتفُ عالياً
إنَّا بلغْنا ثأرَنا يا شامُ


* * *

يا " بدرُ " ما بالُ الدَّوائرِ* في الحِمى
خرِستْ فلا شدوٌ ولا أنغامُ


أين العذارى الحالمات وأين مَنْ
عشقوا الجمالَ فأقعدوا وأقاموا


ومجالس الأُنسِ التي كلِفتْ بها
هذي الضفافُ ونهرها البسَّامُ


في صُحبةٍ ملكوا النفوسَ وضمَّهم
عِقدٌ يُنضِّدُهُ هوىً ووئامُ


فنجيبُ* يشدو والبلابلُ تنتشي
والزهرُ حولَ المنتدى أكمامُ


وعلى الضفافِ عرائسٌ مَجلوَّةٌ
وعلى الغصونِ المائساتِ حمامُ


في جنَّةٍ صاغَ الإلهُ جمالَها
لا شاعرٌ فحلٌ ولا رسَّامُ


ما بينَ دَهْشَتِها* وبِشْرِيَّاتِها*
يصفو الشرابُ وتسكرُ الأحلامُ


ورياضها حبِّي تُبادلُني الهوى
ونسيمُها بين الرُّبا نمَّامُ


عاشتْ على مرِّ العصورِ أبيَّةً
يزهو بها الأخوالُ والأعمامُ


إنِّي أُقدِّسُها وأعشقُ تربَها
فعليكِ يا رمزَ الفداءِ سلامُ


* * *

يا " بدرُ " أوتارُ القريضِ تقطَّعتْ
لمَّا تَطاولَ خارصٌ رجَّامُ


جاروا على ألقِ الأصيلِ فأظلموا
ومضوا إلى ليلِ الدَّخيلِ وناموا


يتقيَّؤونَ على الطُّروسِ وينبري
قلمٌ يباركُ قيأَهمْ هدَّامُ


تَعبوا على مُهَجِ السطورِ وأتعبوا
لا الوحيُ يسعفُهمْ ولا الإلهامُ


أمَّا قصائدهم فليتكَ سامعٌ
لا شاعرٌ فيهم ولا نظَّامُ


هم عُصبةٌ كفرتْ بإرثِ جدودِها
فكأنَّهم في هَذرهم أعجامُ


تتسلَّقُ الأبراجَ وهي كسيحةٌ
لا الجسمُ يحملُها ولا الأقدامُ


فتعودُ للأوكارِ تنعقُ في الدجى
وصدى النعيقِ الكفرُ والآثامُ


* * *

يا " بدرُ " كَمْ كَبَتِ الجيادُ وكم نبا
في الساحِ من بعدِ الجلاءِ حُسامُ


والعَبْشميُّونَ الذين عرفتَهم
ماذا أقولُ وهل هناكَ كلامُ ؟


كانوا إذا نارُ الجراحِ تضرَّمتْ
صلّوا على ألقِ الجراحِ وصاموا


واستعذَبوا طعمَ الشهادةِ في الوغى
ودمُ الفداءِ على الصدورِ وسامُ


خطّوا بأسفارِ الجهادِ ملاحماً
بدمائها تتعطَّرُ الآلامُ


* * *

يا " بدرُ " في كَبِدي الجراحُ تقرَّحتْ
ويكادُ يحملُني لها استسلامُ


أحيا ليالي الهمِّ أُحرِقُ أدمعي
تغتالني الأوهامُ والأسقامُ


وكأنَّني ما عادَ يُلهبُ جمرتي
من بينِ أكوامِ الرمادِ ضِرامُ


لا صاحبٌ أشكو إليهِ ولا أَخٌ
فبعيدُهم وقريبهم شتَّامُ


يتصيَّدونَ إذا هفوتُ خطيئةً
وعليَّ من أخطائهمْ أكوامُ


والعفوُ عندي شيمةٌ أسمو بها
والغدرُ عندهُمُ هوىً ومَرامُ


* * *

يا " بدرُ " هَبْ لي منكَ لفتةَ ناصحٍ
فعلى جميعِ مَقاطعي استفهامُ


شعبٌ يُشرَّدُ في العراءِ ومَوطنٌ
في ظِلِّ ألويةِ السلامِ يضامُ


والغدرُ ينشرُ كالغُرابِ جناحَهُ
وجناحه التأبيدُ والإعدامُ


حتى أتى تشرينُ والتهبَ الثَّرى
وتحطَّمتْ في زحفِنا الأرقامُ


فنسورُنا في الجوِّ تحصدُ جمعَهم
وغرابُهم تحت النسورِ حُطامُ


شقَّتْ جحافلُنا الظلامَ فأشرقتْ
شمسٌ لها فوقَ الشآمِ دوامُ


* * *

يا " بدرُ " قد عَصفَ النوى وتقطَّعتْ
من بعد ملحمةِ الفِدا أرحامُ


شعبٌ بأرض الرافدينِ مُجوَّعٌ
تغتالُه الأعرابُ والأعجامُ


جاروا عليهِ وأرهقوهُ وما جنى
ذنباً ولكنْ ذنبهُ الحُكَّامُ


* * *

يا " بدرُ " ملحمةُ النضالِ طويلةٌ
يحدو كتائبَ زحفِها ضِرغامُ


عصرٌ به الدُّولُ العظامُ تقاسمتْ
وعلى القسائمِ صُفَّتِ الأزلامُ


فتفجَّرتْ هِمَمُ الطفولةِ عندما
سقطَ الكمِّيُ وحُطِّمَ الصَّمصامُ


* * *

قُمْ شاهدِ الأطفالَ من كَبِدِ اللظى
أحجارُهم بأكفِّهم ألغامُ


يرمونَ بالحَجَرِ الوريِّ كتائباً
فتُزمجرُ الوديانُ والآكامُ


ومُلثَّمونَ يخافُ برقَ عيونهم
تحتَ اللثامِ مُخاتِلٌ حاخامُ


يتنافسونَ على الشهادةِ كلَّما
عزَّ الفِدا والبذلُ والإقدامُ


* * *

يا " بدرُ " عفوكَ ما تلوتُ قصيدةً
إلا تثاءبَ حاسدٌ لوَّامُ


ومضى يعاتبُني ويزعمُ أنَّهُ
باسمِ الأُخوَّةِ ناصحٌ خدَّامُ


فإذا استوى العملاقُ في وثباتِهِ
بالحاسدينَ فكلُّهم أقزامُ


* * *

يا " بدرُ " في صدري تموتُ قصائدٌ
تبكي على إشراقِها الأقلامُ


عبثاً أحاولُ أنْ أشدَّ خيوطَها
للنورِ فهْيَ على الظلامِ حرامُ


فاغفرْ إذا جَمحَ القريضُ وعقَّني
فالصمتُ أدهى والخُطوبُ جِسامُ


يا " بدرُ " فاتِحتي لروحكِ كلَّما
ظهرَ الهلالُ على ثراكَ سلامُ






1991



*الدوائر ... النواعير المشهورة في حماة
*نجيب ... هو المُغنِّي نجيب زين الدين
*الدهشة ... اسم ناعورة قرب مسجد أبي الفداء
*البشريات ... نواعير معروفة بجمالها