عرض مشاركة واحدة
قديم 11-07-2010, 09:40 AM
المشاركة 31
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وَيغْتسِلُ الجَمْرُ مِن ماءِ حَرْفِي
وَمِن وَدْقِ قافِيَتِـي المُنْـزَلِ


ويتابع الشاعر في هذا البيت وصف مشاعره وما الم به كنتيجة لتلك الحالة التي أصابته على اثر الحب والغرام الذي وقع فيه... ومن ثم ارتحاله مستوحشا على متن الضنى... بعد أن يأس من الحبيب وبعد أن لاقى منه الصدود...


فهو يسير في الطرقات تائها محترقا احتراقا شديدا كما اخبرنا في البيت السابق، كما انه يغلي من شدة الحب والشوق كما المرجل، ولكن ذلك ليس آخر المطاف وليس كل شيء...فهو يخبرنا هنا في هذا البيت بأن حب تلك الجميلة وصدودها وما نتج عن ذلك من الم وتشرد، وتيه.. كان ملهما له ففجر في ثنايا عقله وقلبه نبع الشعر ولكن أي شعر ذلك الذي تفجر؟؟؟!!!


انه الشعر الملتهب، الحار المعبر عما يجول في خاطره والذي يصل في حرارته درجة الغليان أو أعلى من ذلك بكثير كونه نابع من قلبه الذي صار كالمرجل يغلي من شدة الحب ومن احتراقه بنار الحب والشوق والحرمان!!

ولذلك حينما يفكر الجمر في الاغتسال يكون ماء حرف الشاعر الملتهب، أي أشعاره الساخنة كونها انعكاس لحاله، هو الماء المفضل عند الجمر ليغتسل فيه، وهي كناية عن شدة الحب والحرمان الذي وصل به إلى درجة الاحتراق والغليان، فانعكس ذلك على ما يقوله الشاعر من قصيد، ولذلك يلجأ الجمر لهذه الأشعار ليغتسل فيها إذا ما أراد الاغتسال كونها أكثر منه حرارة!

ولا أظن أن هناك ما هو أجمل من هذه الصورة الشعرية بالغة الجمال، فمن ناحية يشبه الشاعر أشعاره بماء ساخن بل شديد السخونة، وقد وصل إلى تلك الحالة من السخونة كونه نابع من القلب الذي شبهه الشاعر بالمرجل والذي وصل إلى درجة الغليان أو أكثر لان الشاعر نفسه كان وبفعل الحب والبعد عن الحبيبة سائرا في الطرقات تائها يحترق احتراقا...ولذلك كان هذا الشعر ماءا مناسبا لاغتسال الجمر وهو ما يشير إلى أن تلك الأشعار هي أعلى حرارة من حرارة الجمر الملتهب نارا !!!! وهي تبدو كذلك في تقديري أليس كذلك أيها المتلقي الكريم؟


ومن ناحية أخرى نجد أن الشاعر قد شخصن الجمر هنا فجعله كإنسان يغتسل وحينما يريد أن يغتسل فهو يختار كلمات الشاعر ليغتسل بها لشدة حرارتها، وربما يكون هذا الوصف والتشخيص والصورة الشعرية الملتهبة سابقه لم يسبق لأحد أن استخدمها في الشعر العربي قبل شاعرنا هنا.


ولكن ذلك ليس آخر المطاف فالشاعر يخبرنا أيضا في نفس البيت بأن ما أصابه من حب وألم الخ....بعد أن رأى تلك الجميلة جعل الشعر ينهمر من لسانه وقلبه وكأنه المطر النازل من السماء والمنهمر بغزارة شديدة (منزل)، ولا شك أن تلك الأشعار المنهمرة هي بنفس حرارة ماء حرف الشاعر لان الشاعر يخبرنا بأن الجمر إذا ما أراد أن يغتسل فهو يغتسل إما بماء حرفه وإما من أشعاره المنهمرة من السماء كالمطر الغزير.


وسر الجمال في هذا البيت يكمن في الصورة الشعرية التي هي غاية في الجمال والتي صور فيها الشاعر الجمر وكأنه يغتسل بماء شِعرِه المنهمر كالمطر وهو شديد الحرارة ولذلك كان ملائما لاغتسال الجمر وهو اشد حرارة من الجمر حتما لأنه كان قد تم تسخينه في مرجل قلب الشاعر المحب العاشق الولهان ...الذي كان يدور في الطرقات وهو تائه يحترق احتراقا ويصطلي من صدود الحبيبية وبعدها....ومن الناحية الأخرى يخبرنا الشاعر بأن ما رأى من جمال كان ملهما له فصار الشعر ينهمر من قلبه كما ينهمر المطر من السماء غزيرا بل شديد الغزارة ( الودق ) .


ولا شك أن هذا الوصف الجميل والصورة الشعرية والعمق في المعنى والقدرة على التعبير بما يجول في خاطر الشاعر من مشاعر تدفعني لان أقف من جديد لأصفق للشاعر ولكن بحرارة شديدة هذه المرة هي ربما اشد حرارة من أشعاره المنهمرة من سحابة مرجل القلب،،




يتبع،،