الموضوع: سمـاء الشـرق
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
4170
 
خولة الراشد
كاتبة وأديبـة سعـوديـة

خولة الراشد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
32

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Jul 2012

الاقامة

رقم العضوية
11346
11-21-2012, 02:19 AM
المشاركة 1
11-21-2012, 02:19 AM
المشاركة 1
افتراضي سمـاء الشـرق
ســـماء الــشرق
______________




كنتُ في جلسة حميّمية ،كانت الأشياء تتراقص بين ورقة وقلم ، وكأن أسطر عقلي مفردات ذهبيّة تتدلّى من الغصون.. وتتلوّن باختلاف الفصول والذكريات
إذْ بمُحسن يقف من أمامي ، طأطأتُ رأسي ، وأنا أنظُر إليه خلْسة ، كنت أتصنّع الحياء ، حتى هَمسْتُ له بكلمتين : لحْظة...... لحْظة من فضلك لا.. تتحرّك .. أحضرتُ أربعة كراس متفرقة ، تأخذ أركاناً متباعدة .جررتها بيدي ، جلستُ على أحَدْها وطلبتُ من (النادل )إحضار كُرسي له وكأني في لحظة انتظار.
- قلت :
(مُحسن) أراكَ مشحونا بالذكريات .
قاطعني باسْتنكار..! وحاجبه الأيسر يعلو إلى خطوط جبينه وهو يبتلع ما تبقّي من أنفاسه
-قال بكل دهشة :
واوْ ...أتعرفين اسمي أيضاً ..!
-قلت له بثقة :
أجل.. وأراك الآن تريد مني المزيد من الإيضاحْ.
لم أدعه يُجيب بنعم، تابعتُ حديثي العشوائي:
ـ وقلت له بحماس :
أنا أيضاً مشحونة بالذكريات..
سأكشف...عن أوراقي و كلماتي القديمة، سأكتب المزيد عن ذكريات أَحبّ اليّ من كل أحْبارِ الحروف وأقرب الى نفسي، سأبدأ من كلمة( كنتُ.)...
مَدَدْتُ يديْ.. ثم رفعت أوراقي ليراها ويقرأها بوضوح ...لا أعلم لم أردتُ أن أُطْلعه على أوراقي الخاصة بي...!
- تابعت :
..(كنتُ) في ميوعة الزّهرة، أُحبّ الجمال.. في أحلى الأشْياء، في النايْ، في الربابةْ، أعشقُ الناي إلى حدّ الجنون، فالناي صوت نفَس العازف، هو ألمُه المباشرْ، لا يمرّ على وَترْ ويقْرع طبلا.ً. أحبّ المَطر منذ الطفولة ...أنا عاشقة للحرف، كانت عيني أوسع من واقعها، ومن أجل الجمال ..كنتُ ..أحب أن أرتدي له فستاني الأحْمر الطويل . ما أجمله وهو يزحف على عتبة الباب...
هل تصدق يا مُحسن.. أن حبيبي
(أطلق لي يوما عصفوراً كتب على جناحيه أربعة وصاياي)،
حملق بعينيه وهو بين دهشة،وبين ابتسامة صفراء . اقترب من مقعدي ..عندما بدأت أصفُ جمالها
حسناء القَدّ ..وجهها دائري.. ... واسعة العَينينْ ...وخدَّاها وَرْدِيّانْ، ولكنه لم يعثر بين السطور على اسمها ..فقط قرأ حلمه ، قرأ.. أنها نجمةٌ في سماء الخيال ،،وأنها طاهرة الروح والجمال، حتى بدا ضوء الكلمات.. يُزهر ويورق من شعاع عيْنيْه ومن شعر يُضئ المعتمات ...
صمتَ القلم، بنظرة منه وأغلقت أهدابي ، ثم ارتَخت أناملي ،ووقع مني القلم بعد أن كنت أشدّ عليه وأجرُّ به السطور...
أخيرا نطَق بعد أن قارنَ بين كلماتي ..وبين روحي.. ومظهري... قال :
من أنت ؟ وكيف أجلسُ معكِ وأعلمُ عنكِ الكثير ،ولم يسبق لي لُقياك؟
- قال : لقد تشوقت بأن أعرفكِ أكثر ..وأكثر !
عرفته بنفسي: اسمي (شادن) ..وأسْكن في حارة الشوق . بدأتُ أتلعثم ،وأرتعش ، وأنا أحرّك شفتي .. ضممتها ثم أطلقت حريتها ..وأنا أنظر للأعلى وعينايْ تلاحق زوايا المكان، وتلتقط ما تبقى من ذكريات
أردت بذلك أن أحْمُله ... لعالم عجيب ..إلى عالم الأساطير . وبابتسامة هادئة قلت له وأناملي كانت تعانق يدي ، ويدي تتكئ على ذقني :

- تخيل يا مُحسن .. سمعتُ يوما من جدّتي عن (مصباح علاء الدين)، فصرتُ مصباح نفسي !
-ضحك محسن بنبرة متعالية تصل لآخر الشارع ...يبدو أنه بدأ يميل إليّ...حينها أسندتُ كلماتي على أنفاسه، واتخذتُ لي موقعاً في حياة محسن.
محسن من سوريا ..ولكنه يعيش منذ عشرة أعوام في الخليج، مُرهف الحسّ ـطيب القلب، لا ينبس بكلمة ولا يجرح بأي حرف ، طيب الخلق شيمته الصير ، يعامل الإنسان كما نفسه ، هذا ما تداولته الألسنة ،لا يمر بأحدهم إلا بادره التحية ، أسمر اللون ،طويل القد، بشوش الطلّة، يافع البنيان، منزوي في لحظات الجنون ، هاجس الانطواء يُحرك وِشاح الرّغبات التي لا تحْظى بكمالها المنشود سوى في مثل هذه
الأمكنة ، كان ينفرد بلباسه المائل إلى الصُحبة الأجنبية ، محسن لا يميل للأدب ولا للشعر،ولكنه قارئ مُثقف ، يعشق الموسيقى والرسم ، وهو يعمل محاسباُ في إحدى الشركات .
عدتُ إلى نفسي وإلى أوراقي ... كنت أكتبُ ما أريد بحرية ..ولا أُصْدر حبْري ..
يومها كتبتُ ....عن وطنه ..وألمي ...
عندما تمرّدت الثورة على ( سماء الشرق ) الرصاصية وعلى حواجز تمنع توهّجي، أصغيت
(لصوت الإنسان) بداخلي، وقطعتُ صفحة ألصقت عليها أسماء الشهداء،
شعرتُ بدمعة ( مُحسن ) وهي تعتصر بداخله .كانت التفاتة وسط هذه الانفعالات .... تتناثر على الكلمات.... بدأتْ دموعي تنحدر كالورد على صفحتي الوردية الناعسة.... قطرات ندى تبلل وجنتي و ... دموع متدفقة ... كان القمر يكشف خبء الليل .... وينقل لنا رسائل الحالمين . سألته :
- من أين أبدأ ..هل نبكي الذكريات ؟ ..أم الحروب الأهلية؟.. أم الثورة. أم المجهول..!
لكن هدوءه كاد يقتلني ...!
أجاب : آه ..يا (شادن ) كم من صوت لا نسمعه، وكم من صوت نسمعه فلا نَعيه، ولا نحلّ أسراره ، فالسموات وما فيها من رعود وبروق وسحب وما إلى ذلك، والأرض وما عليها من جبال، وتلال، وأشجار، ونباتات، وأشياء وأحياء متنوّعة لا نعرف أكثرها، وما فيها من بحار، وأنهار،....لا نعرف الكثير عنها... فنحن الغائبون الحاضرون ...!
فجرى في خاطره شعور غامض بالحنين واللهفة، وتساءل عن أنواع الحياة التي يحياها أولائك الناس الذين لا يعرفهم لكنهم يسكنون في روح الذكرى ويرتعون في ظلال الزمن المحيط به ..!
أطلق نفسا تخالطه تنهيدة ثم أردف : ما هو الحل، أين المفر، وكيف تكون النجاة؟
لقد دخل عقله في دوامة حلزونية لانهائية، وشعر بأن فراغا غريبا يسكن ذهنه وصدره .
تبنّيت فكرة النهوض من العتمة... يا لها من معيشة .. هذا الكون ضياع ، وقهر ..وظلم...ودماء
حساباتي كانت في الموقع الخاطئ أو بالأحرى لم يتركني (مُحسن ) أن أستدلّ إلى كلماتي بشكل صحيح، .. يدأتُ أشعر أني امرأة ..ثرثارة.. مُزعجة ...
تساءلت بين نفسي ..ونفسي : أتُراني جرحت مشاعره ، كنت أحسّ بتأنيب ضمير يُمَزّقْ دَواخِلي ...هكذا فهمت من نظراته اليائسة . نطقتُ بجرأة :
- تحمّلني يا ( مُحسن ) .
ثم صمتُّ ... وتذكرتُّ أن الرجال يبكون دمعاً ودماً ..... لكنّهم يبكون بصمت.... يبكون دموعاً تجففها حرارة القلب.. .....وكأني يذلك أحاول أن أواسي نفسي
فوجئتْ به وهو يجرّ نفساً عميقا ويغمض عيْنيه محاولاً أن يجمع تركيزه المبعثر في نقطة واحدة. ولكن التركيز يأبى عليه، ولما شعر بأن محاولته تبوء بالفشل ،
بدأ يروي لي مئات السنين منذ احتلال فلسطين .. و في نظراته بؤس شديد، استمرّ يتطلـّع إلى وجهي لخمس دقائق كزمن، فيلسوف يستطلع.. ما وراء نظرة امرأة قلـّما يجد مثلها بين نساء مررن بحياته، نعم هذا ما كشفْتُ عنه ومن أنفاسه المتلاحقة ونظراته لي...
بدأت أفهمه
نطق (محسن) : آه.. يا (شادن) ..
فنبض قلبي و، كأني لأول مرة أسمع اسمي
كان اسمي له وقع موسيقيّ في نبرات صوته.. با ليته دوما يناديني لقد عشقت اسمي ..
أردف قائلا :لا أعلم يا( شادن) كيف ارتحت لكيانكِ ، وروحكِ الطاهرة ،ومعكِ أشعر بأني منطلق دون أيْ حواجز واسمك له مذاق خاص ومميز وإشراق في حياتي ،لكنه لم يفصح عن لوعته وحبه ،فقط قال :أنا معجب بك . يا ليته يعشقني..
ابتسمت شادن ..!
عدتُ بحماس أكتب مذكراتي ..عدتُ للكلمات الحالمات .... لكنها تبعثرت ... تطايرت .... من ذاكرتي
لم أعد أستطيع التركيز شعرتُ أن طيفه يحاول استجماع نبضات قلبي من جديد هو هادئ ساكن .... لكن يمور منه بركان في أعماقه
وأنا روح تبدأ رحلتها بالمسير إليه. .. أحاول لملمة شتاته .... كمن يجمع أوراقاً تناثرت أمام عاصفة ...
روايته أخذتني إلى مأساته إلى (ظلم الإنسان) .. إلى سماء الشرق ..لمست فيه القهر وكأنه يسعى جاهدا لدفن ذاته في (مقبرة النسيان) ليحكم قفلها فلا يراها حتى في الأحلام .فهمتُ منه أن هنالك حزنا يهرب منه و أن ذاك الحزن كان من خلال مئات السنين، لا أعلم ربما تكون اللحظة تعد سنين ! ربما حزنه فراق ! أو لهفة التلاقي مع محبوب غائب من سنين ! قد يكون ولع به حب يؤنسه في الضيق!
صرت أحمل أشجانه ، وأوسّع مساحات صَدره المغْموم ، فأشعلها بخفة أوراقي لتتوارى عند حافة الشوق..
أعلم أن النسيان مستحيل، لذا تابعتُ أوراقي وأنا أعلم أن الكلام كان ينبض من قلب يعتصر وجعا .
وتنفست تنفس الصعداء ، وأيقنت حقا أن كلامي قد وصله بعد جهد جهيد ، وصارت السعادة تــدنــو مني والفرحة تطاردني .
حاول ( مُحسن ) أن يبحث عن حلمه فلاحت في عينيه ابتسامة مَرحة ، وظهرت على شفتي ابتسامة بهيجة خجولة ،تمنيت لو أكون هي !
قال: شادن أنت حنونة .. هلاّ شرحت ِ لي ما سرّ الكراسي الأ ربعة !
قلت : إنهم (لشادن) (ومحسن )إ و(ذكرياتي..مع حروفي)
والرابع : (عنوان قصتي سماء الشرق)
لقد فاض بى القهر من قلّة حيلتي ، فلم أَجْرؤ على مواجهته
يا - الله - ماذا أقول ؟ عدتُ به لكلمة ( كُنت ) ..عدتُ لنفسي ..!

***************************

تحيتي وتقديري للجميع..
أتمنى أن تعجبكم ...
لكم مني أجمل صباح ..وأحلى الأمسيات ..وأشواق وأمطار,,, وسماء زرقاء ..وغيوم بيضاء
لكم راحة البال... والأمان...
ولي رضاكم.. وجمال روحكم.. وقصص تعلو إلى...( سماء الشرق).........

خولة الراشد