الموضوع
:
قصة الأميرة والوردة والطباخ
عرض مشاركة واحدة
احصائيات
الردود
6
المشاهدات
1009
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 8
المشاركات
14,144
+
التقييم
11.33
تاريخ التسجيل
Dec 2020
الاقامة
المغرب
رقم العضوية
16516
08-27-2022, 05:00 AM
المشاركة
1
08-27-2022, 05:00 AM
المشاركة
1
Tweet
قصة الأميرة والوردة والطباخ
يحكى أن الأميرة أطلت من نافذة قصرها الرخامي المهيب، فانسلت من بين أناملها العاجية الرقيقة وردة حمراء، حلقت مضيئة في سماء قاتمة، وهبطت مرفرفة فأطربت بنبضها الدافئ جوانح الساحة المستكينة لعزف رياح الزمن العابث.
استقرت الوردة أمام الطباخ فرفع رأسه، ثم أخفض بصره، كانت الأميرة ما زالت تشرق من شرفتها، مثل زهرة ندية تشذو متدثرة بأنغام الصباح.
الساحة الدائرية خالية، والوردة جذابة، والأميرة تنتظر، والطباخ حائر!
هل يتجاهل بقعة الضوء المشعة أم يصعد بها إلى أعلى القصر!
مر وقت، ولم يظهر أحد لأخذ الوردة، استرق النظر إلى وجه الأميرة، كانت ابتسامة ثغرها تطغى على لمعان ستائر شرفتها الذهبية، توقع أنها لم ولن تبعث أحدًا من أجل استرداد زهرتها، وأنها تنتظره هو ليحملها.
تفجر شعور من الزهو الرجولي الخادع، سرعان ما تبخر، وطرح مجددا سؤالا راوده منذ فترة:
أيحب طباخ مثله الأميرة؟
أدرك أن بسؤاله قدرا من الغباء، من لا يحب الأميرة! الجميع يعشقها.
لا يمكن لتلك الروح المرهفة وذلك الجمال البلوري الخلاب إلا أن يأسرا كل قلب يصادفهما، هل يستأذن نور الشمس حين يقتحم النوافذ والقلوب!
راودته رغبة عارمة أن يضم الوردة بشوق، وهم أن يحملها إلى الأعلى، لولا أن ألفى وعده لزملائه الطباخين ماثلا أمامه.
كان قد عاهدهم على البقاء برفقتهم منذ أن اقترن مصيرهم في المطبخ معا.
الأميرة تنتظر، لكن رجليه عاجزتان عن صعود أدراج القصر العالي، خاف أن يتوه في دهاليزه القرمزية الواسعة، أن يبحر في عالم لم يعتد عليه، أن يهمل مطبخه أو يفارقه فيخون زملاءه.
ماذا يتبقى له لو تمزق قميص إخلاصه!
أي ورق يخصفه عليه أمام مرآة نفسه!
أليست خيانة العهد فقدانا للذات!
اعتاد عالمه البسيط، مطبخه الحجري العتيق أسفل القصر، طريقه الواضحة المستوية إلى مسكنه المتواضع، تأخره عن دفع إيجار بيته، مصاريفه المتزايدة، وكل تلك التفاصيل الصغيرة التي ترهق جسده وأحيانا أيامه، وتؤثت بتقلبها حياته السابحة في فلك ثبات مبادئه وقناعاته.
يعرف أن الأميرة معجبة بطبخه وإخلاصه، قد تغضب منه لكنها لن تحقد عليه أبدًا، وجهها الطفولي يشع دوما بأنسام المحبة، وقلبها الملائكي لا ينبض حتما بأي ذرة من حقد أو ضغينة.
توارت الشمس، وأرخى الليل بظلال حانية، عندما تيقن أن الأميرة قد غربت عن شرفتها للحظة، تناول الوردة برفق بين أصابعه، وأخفاها بين ثيابه، ثم أسرع إلى مسكنه، وغرسها في مزهرية بغرفة نومه.
قد تبحث عنها الأميرة، لكنه لن يخبرها عنها أبدًا.
رد مع الإقتباس