عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2013, 09:27 AM
المشاركة 28
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع....فضل الحضاره إلإسلاميه على النهضة الأوربية ...بقلم الدكتور رضا العطار


بدأت علاقة العرب مع الغرب قديما عندما اجتاحت جيوش الإسكندر المقدوني بلدان المنطقة العربية في القرن الرابع قبل الميلاد، وبعد ظهور الإسلام بدأ التماس مع الغرب يتسم بالعلاقات التجارية التي تطورت تدريجيا وتوثقت مثلما توطدت مع ممالك العجم كالفرس والأفغان والترك بعد ان اصبحت بغداد مركزا للتعايش السلمي مع القوميات المتباينة، فلم يحاول الإسلام تغيير خصائص هذه القوميات انما سعى جاهدا على بلورتها ودفعها في اتجاه التقدم الحضاري.
وبعد اتساع الإنتاج الزراعي والحرفي والثقافي في بلاد العرب وفي مقدمتها بلاد الرافدين، اخذت تباشير الحضارة الإسلامية تصل الى اوروبا عبر بوابة اسبانيا ومن ثم جزيرة صقلية واخيرا عن طريق الحروب الصليبية التي لعبت دورا كبيرا في نقل الثقافة العربية الى شعوب اوروبا.

عندما عبر طارق ابن زياد بجيشه الصغير المضيق الى اسبانيا في العام الثمانين من الفتوحات الإسلامية، استقبله سكانها المحليون وساعدوه لتحريرهم من نير سلطة القوط البرابرة، فكانوا حقا شركاء في الفتح المبين. وقد تمكن هذا القائد الفذ من انشاء دولة ظلت اثار عظمتها في العلم والعمران، قائمة ومثيرة حتى هذه اللحظة.
كان الشعب الإسباني قديما محكوما من قبل الرومان، لكن بعد سقوط روما في القرن الخامس الميلادي هجم القوط المتوحشون عليه قادمين من الشمال بشكل مجموعات بشرية همجية بعضا منها وصفت بأنها كانت من اكلة لحوم البشر واستمر الحكم القوطي العسكري قرابة مائة عام حتى طردوا على ايدي المسلمين واخرجوا من اسبانيا . (5)

يقول المؤرخ الشهير – غوستاف لوبون – كانت اسبانيا زمن القوط ذات رخاء قليل وثقافة واطئة، ولكن بعد ان دخلها العرب في القرن الثامن الميلادي حتى بدأُوا ينشرون فيها رسالة الحضارة، فأستطاعوا في اقل من مئة عام ان يحيوا خراب الأرض ويقيموا افخر المباني وينشطوا الحركة التجارية، بعدها تفرغوا الى دراسة العلوم والأداب وترجموا الكتب الأجنبية واسسوا الجامعات التي كانت وحدها الملجأ الوحيد لثقافة اوروبا لزمن طويل – وقد نمت مدينة قرطبة بسرعة حتى زاد عدد سكانها على المليون نسمة وغدت الحياة فيها متسمة بالرفاه والنعيم.
بدأ المسلمون في تأسيس حضارة متفوقة جعلت من اسبانيا اجمل واغنى البلدان الأوروبية وانشأو مدناً كبيرة مزدهرة لم يكن لها نظير على وجه الأرض، خططها مهندسون واسعو الإطلاع وشيدها بناؤون مهرة فغدت قرطبة عاصمة الأندلس مركز الثقافة لبلدان اوروبا قاطبة. كانت شوارع العاصمة تزيد على عشرة اميال طولا وقد عبدت وتمت انارتها في الوقت الذي كانت فيه شوارع لندن وباريس ترابية وعرة وكان المواطنون يشقون طريقهم اثناء الليل في الظلام الحالك بصعوبة ويغوصون عميقا في الوحل بعد هطول الأمطار (6)

يقول المؤرخ الفرنسي دريبار– نحن الأوروبيون مدينون للعرب بالحصول على اسباب الرفاه في حياتنا العامة، فالمسلمون علمونا كيف نحافظ على نظافة اجسادنا. انهم كانوا عكس الأوروبيين الذين لا يغيرون ثيابهم الا بعد ان تتسخ وتفوح منها روائح كريهة . فقد بدأنا نقلدهم في خلع ثيابنا وغسلها. كان المسلمون يلبسون الملابس النظيفة الزاهية حتى ان بعضهم كان يزينها بالأحجار الكريمة كالزمرد والياقوت والمرجان. وعرف عن قرطبة انها كانت تزخر بحماماتها الثلاثمائة، في حين كانت كنائس اوروبا تنظر الى الأستحمام كأداة كفر وخطيئة.
لقد ازدهرت العلوم والأداب والفنون تحت سماء الأندلس وتطور فن الشعر وغدا زاهيا، فتح لخيال الشعراء افاقا رحبة للعمل الخلاق واصبح الأسلوب الشعري اكثر غنىً ومتانة والأقدر على التعبير عن جمال المشاعر الإنسانية ورفاهة ورقة الأحاسيس.

لقد انكب العرب الأندلسيون على دراسة اللغة العربية، اللغة المشرقة المحبوبة، لغة القرآن الكريم والإهتمام بتراثهم الخزين الذي اورثه لهم التاريخ، فظهر منهم لغويون فطاحل الفوا العديد من الكتب في شتى مجالات الحياة وتمكنوا من ضبط القوافي والأوزان الشعرية التي مهدت الطريق لظهور شاعرات موهوبات كعائشة والغساسنة التي ملأن الأجواء العربية بعبيق قصائدهن الخالدة.
ويضيف المؤرخ الفرنسي قائلا - عندما قدم المسلمون الى اسبانيا بدوا بإستصلاح الأراضي بواسطة نظام سقاية متطور، زرعوا قصب السكر والقطن والتوت والرز والموز، وكان اصحاب الحرفة يجوبون الولايات لجمع المعلومات الزراعية ونقلها الى المزارعين في فن السقاية واستثمار التربة وحفظ المنتوج من على منابر المساجد .
لقد اقام العرب المعالم العمرانية والمعرفية في كل مكان على عكس ملوك الأقاليم الأوروبية الذين كانوا غائصين في بحر جهالتهم غير مبالين لشؤون رعاياهم.

لقد بلغت العاصمة قرطبة ايام عزالعرب درجة عالية من التقدم الثقافي فكان في كل مدينة رئيسية جامعة ومكتبة عامة، وزخرت البلاد بالمكتبات جلبت كتبها النفيسة من بغداد والإسكندرية ودمشق شملت مختلف مجالات العلم والمعرفة وكانت مكتبة العاصمة قرطبة تحوي على اكثر من نصف مليون كتاب، و نتيجة للإحتكاك الحضاري بين الشعوب انتشرت بين المجتمعات الأوروبية مفردات عربية كثيرة كالقطن والجبر والكحول والكيمياء. كما بلغت شأفة الفن عندهم حدا جعلت خليفة المسلمين يخرج بنفسه لإستقبال عالم موسيقي قدم الى البلاد زائرا.
كانت المعاهد الفنية تخرج كل عام اعدادا كبيرة من معلمي الموسيقى المهرة دليل شغف المجتمع الأندلسي بالطرب والإستماع الى الغناء الجيد. وقد عرف عن اهل قرطبة تحليهم بالأداب العامة وبالسلوك المهذب من لطف ورقة واحترام
كان طلاب العلم يتوافدون على معاهد الأندلس من قارة اسيا وافريقيا واوروبا ليرتشفوا من نهل الثقافات المتعددة وعندما كانوا يكملون دراستهم يعودوا الى اوطانهم لينشروا ما تعلموه في بلاد المسلمين.

كانت دولة الإسلام في الأندلس ترعى العلوم والأداب والفنون فكانت تكثر من انشاء المعاهد، كانت في العاصمة وحدها ثلاثة الاف مدرسة تشمل مناهجها على مختلف العلوم كالرياضيات والفلك والزراعة والفقه والجغرافيا والطب.
لقد برع العرب في علم الجغرافيا، ففي الوقت الذي كان فيه المعلمون في مدارس الأندلس يشرحون لتلامذتهم عن كروية الأرض ويصنع العالم العربي ابن يونس كرة جغرافية فضية يهديها الى روجر الثاني ملك صقلية كان الأوروبييون لا يزالون يجهلون حقيقة كروية الأرض لحين اعلن الفلكي الإيطالي غاليلو غاليلي عن اكتشافه كروية الأرض لكن بعد اكثر من خمسمائة عام.