عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2013, 09:17 AM
المشاركة 30
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع....فضل الحضاره إلإسلاميه على النهضة الأوربية ...بقلم الدكتور رضا العطار

اما في مجال سياسة التسامح العقائديفي الأندلس فقد منح المسلمون العرب الحرية الكاملة لليهود والنصارى لممارسة طقوسهم الدينية واصبح في مقدورهم مشاركة المسلمين في الحياة الإجتماعية والسياسية، فعاشوا حياة رغيدة مستقرة ظهر منهم اطباء ومهندسون وتجار بارزون، وكان لبعضهم مناصب في ادارة الدولة وفي الجيش، ولم يكن تزاوجهم مع المسلمين قليلا، فأُم الخليفة عبد الرحمن الثالث كانت نصرانية، كان النصارى مسرورين لسياسة الإعتدال التي اتبعها المسلمون حيالهمحتى انهم عقدوا مؤتمرهم عام 782 في العاصمة قرطبة وان احد القساوسة الذي تخرج من جامعة قرطبة الإسلامية قد وصل الى عرش البابوية.

وامتد التسامح الإسلامي ليشمل اليهود ايضا حيث برز الكثير منهم على الساحة العربية وحصلوا على مناصب حكومية مهمة مثل حسداي بن سيرون وزير الخليفة في قرطبة وصموئيل وزير سلطان غرناطة والفيلسوف سليمان بن جابيرول واللاهوتي يهودا هلفي ومن الشعراء مرسي بن ميمون، ويشهد التاريخ ان العصر الذهبي لليهود في اسبانيا قد حضي على فرصة التلاحم مع حضارة المسلمين، بدرجة انها كانت تفرز انضج الثمار واحلاها.
بقى اليهود منذ البدايات اوفياء لرسالة دينهم العالمية، ولم يتوقعوا يوما ما ان يفاجئوا في الصهيونية خيانة للعقيدة اليهودية وتنكرا لتقاليدها الروحية – فقد جاء في قرار المؤتمر العالمي الذي ختم اعماله في مدينة بال في سويسرا عام 1897 ليهود الأمريكيتين بدعوة الحاخام الأكبر – مايروايز – مايلي:
(يستنكر اعضاء المؤتمر كل الإستنكار اية مبادرة ترمي الى اقامة دولة يهودية، ان اهداف الدين اليهودي ليست سياسية ولا قومية وانما هي اهداف ترمي الى نشر السلام والمحبة في ملكوت الله بين البشر)، هذا ما يقوله الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي. (11)
وحسبي ان المفارقة تكاد ان لا تصدق، عندما نقارن سعة التضاد بين النوازع العدائية لمسيحي اسبانيا بعد عام 1492 وليهود اسرائيل هذا اليوم وبين النزعة الإنسانية السمحاء للمسلمين الذين فتحوا لهم الباب على مصراعيه لممارسة طقوسهم بكل حرية وساووهم في الحقوق والواجبات، وبشهادة التاريخ كان اليهود في حينها محرومين كلية من هذه المغانم في الدول الأوروبية الأخرى. ومن المؤسف حقا ان يقابل اليهود والنصارى مشاعر المسلمين الكريمة هذه بمشاعر الحقد والكراهية، فرد مسيحي اسبانيا للجميل كان قد اتسم بجرائم القتل والحرق والغرق والتهجير القسري لمواطنيهم العرب المسلمين. ورد يهود اسرائيل تمثل في اغتصاب ارض فلسطين العربية وتشريد وقتل شعبها .
ظني ان النوازع الإنسانية الغريزية الفاعلة عند هؤلاء القوم كانت قد اصيبت بشلل حسي اخلاقي حتى يسمحوا لأنفسهم من اقتراف مثل هذه الفواجع ضد الإنسانية.

ان المسلمين العرب الذين حقنوا الأوروبين بنور الثقافة طيلة ثمانية قرون متتالية بهدف اخراجهم من ظلمات الجهل والخرافة وايصالهم الى دنيا العلم والمعرفة يكافئون هذه الرعاية الحميدة بمواقف اتصفت بمنتهى الهمجية. فقد نكثت حكومة الإسبان بالعهود والمواثيق التي قطعوها على انفسهم للحفاظ على ارواح المسلمين واحترام مقدساتهم، وانقلبوا الى وحوش كاسرة بعد انتهاء الحرب، فقد ارغموا المسلمين على ركوب سفن غير صالحة للإبحار دفعوا بها بإتجاه سواحل شمال افريقية فغرق اكثر من مئة الف انسان في عرض البحر. واستعملوا معهم اقسى صنوف الإضطهاد، كان لزاما على المسلمين ان يتركوا ابواب منازلهم مفتوحة ليل نهار تحت اعين المخبرين لكيلا يمارسوا طقوسهم العبادية كما منعوا إطلاق اسماء اسلامية على اولادهم وإلا تعرضوا الى عقوبة الإعدام.
لقد شهدت الساحات العامة في المدن الكبيرة مثل قرطبة وغرناطة واشبيلية احتفالات اسبوعية يحرق فيها المسلمون احياء والى جانبهم كتبهم التعليمية والتهذيبية، هذا ما يرويه المؤرخ سخيطه. (12)
يخبرنا التاريخ ان عدد المواطنين العرب والمسلمين الذين شردتهم حكومة اسبانيا كان يفوق ثلاثة ملايين انسان، التجأ معظمهم الى الممالك الشرقية كتركيا والشام ومصر ودول شمال افريقيا وجزر البحر المتوسط واقلهم وجدوا الملاذ في امريكا الجنوبية.
رثاء للشعب الإسباني على حرمانه من منافع هذه الشريحه الواعية من الشعب الذي كانت له الإمامة الثقافية والصناعية الرائدة، كانت نتائج هذه الإبادة مروعة حيث هبطت مستوى الحضارة الى اسفل الدركات، يكفي تصور حجم الكارثة لو علمنا ان عدد سكان العاصة قرطبة الذي كان يفوق على المليون نسمة هبط الى اربعين الفا.
ان هذه البلاد التي اضاءت العالم ايام العرب غدت مظلمة خاوية خالية من مدرسة واحدة لتدريس علم الرياضيات او الفيزياء او الطبيعيات، فقد اضحت المكتبات التي كانت بالأمس تزخر بكتب الثقافات اضحت اليوم تعرض كتبا تنفث سموم التعصب الديني المقيت.
نعم ان ما حصل في اسبانيا بين الإسلام والمسيحية من تضادد دموي كان من صنع اوروبي محض يهدف الى تحقيق اغراض خبيثة. (13)

كانت معظم بلدان اوروبا حتى نهايات القرن الخامس عشر في حالة من البدائية والهمجية، فقد كانت حياتهم اقرب الى حياة سكان الأدغال، وذلك في الوقت الذي كانت دولة الإسلام في الأندلس تعيش ابهى واعز ايام مجدها الحضاري يتسلم الخليفة هشام في العاصمة قرطبة رسالة من ملك انكلترا يلتمس فيها نذرا من الثقافة العربية وهذا نص الرسالة:
من جورج الثاني ملك انكلترا والغال (فرنسا) والسويد والنرويج الى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث:
بعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء اثركم لنشر نور العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من اربعة اركلن.
وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات اشراف انكلترا
ارجو ان يكونوا موضع عناية عظمتكم وتحت حماية حاشيتكم الكريمة التي ستشرف على تعليمهن.
وقد ارفقت مع الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل ارجوا التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع جورج
نص الرسالة الجوابية:
بسم الله الرحمن الرحيم ... الحمد لله رب العالمين ... الصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد :
الى ملك انكلترا وايكوسيا واسكندنافيا الأجل:
لقد اطلعت على التماسكم، فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من ارباب الشأن وعليه فإننا نعلمكم بأنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي. اما هديتكم فقد تلقيتها بسرور وبالمقابل ابعث اليكم بغالي الطنافس الأندلسية وهي من صنع ابنائنا هدية احضرتكم وبها المغزى لإلتفاتتنا ومحبتنا والسلام.
خليفة رسول الله في ديار الأندلس هشام (14)
يلاحظ القارئ الكريم اعتراف ملك انكلترا بعظمة دولة الإسلام وحضارته الجليلة الى جانب وصف مملكته كونها محاطة بالجهل من اركانها الأربعة . وفي الوقت الذي نلمس مشاعر التذلل في اسلوب الملك – لاحظ التوقيع – نستقبل اسلوب الخليفة متجليا في الإعتداد بالنفس وبشموخ سيادة العدل والقانون .
اقول متسائلا كيف لا يأسف المسلمون على وقوع منجزاتهم الحضارية في ايدي الأوروبيين الذين انقلبوا الى ضواري يفتكون بالمسلمين سرعان ما سقطت غرناطة عام 1492 ؟