عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
3764
 
رغد نصيف
من آل منابر ثقافية

رغد نصيف is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
41

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Apr 2015

الاقامة

رقم العضوية
13769
04-11-2015, 11:10 PM
المشاركة 1
04-11-2015, 11:10 PM
المشاركة 1
افتراضي أحلام على حبال المشنقة

(أحلام على حبال المشنقة)
قصة حقيقة كتبتها تلبية لطلب من صاحبها، نزعة التغيير حفزته على أن يحتفظ بتجرته على ورق كي لا يكرر أخطائه و ليلثم جراح و يغير من حاله
القصة بتاريخ 2014
كُتبت بتاريخ شباط 2015



لها ما مد اليراع من شعر و أدب
لها حتى يفنى الحب في قلبي
لها بحجم الوجع المركون في روحي
لها بعدد الكوابيس التي تحاصرني
لها رغم الألم و الدموع
لها عند الفرح و السرور
لها قلبا و قالباً جمعا و تفصيلا
لها ثم لها و لها وحدها حبيبتي.

(1)
أحلام مؤجلة


كنت أملك حفنة أحلام مؤجلة إلى إشعار أخر!

الأيام كالرمل أخذت تنسحب من بين أناملي و أنا أراقبها عن قرب تُرى هل أملك كل شيء؟ أي شيء ربما ما أملكه.. و أنا في غمرة أفكاري التقت نظراتي بنظراتها الباحثة عن حب يغتسل بطهر الدمع يهديها شعاعا من أمل, هي الأمل و كل الشيء الذي كنت أتحدث عنه, معها تحدث المعجزات ينقلب قلبي جنياً يرتل شعره على مسامعها, و صوتي ساعي البريد, الأوصال التي جمعتنا ما أظنها ستقطع يوماً و أن بقعة منفية من هذه الأرض ستشهد حباً كحبنا, هي الحب.

هذا العام لم يكن عادياً و لم يمر كزائر قريب أنه غريب سيأخذ معه ذكريات سنوات من لقاء و حنين و أشواق جمعتها عِقداً أزين بها مخيلة حبيبتي, سأتركها مع السنة الأخيرة من دراستها التي اختارتها لأجلي لأنني طالب للفن, اختارت طريقاً يربطها بي على مدار اليوم فما أكتفت مني يوماً و لا أنا اكتفيت, في يومنا الأخير معاً و أنا أشارف على الحصول على نتيجتي, كنت مشغولاً بها أمشط معها طرقات الكُلية و أحدثها عن مستقبلنا المزهر وقتها ازدحمت الأفكار في عقلي الباطن و ما استطعت أن أخبرها أنها السعادة الأبدية و التفاصيل التي أحلم بها, يبدو على محياها الضجر إلا أن فرحتها بنجاحي طاغية جل ما أتمناه أن أغزل لها من وهج أحلامنا بيتاً زينته عطرها و كفى.


و أنا أوصد أخر أبواب الدراسة و أفتح نافذتي كي أطل على العالم الخارجي, بعيداً عن فرشاتي و ألواني عن كلماتي و أوراقي إلا أني لهول ما رأيت بعدها لم افتح هذه النافذة على أرض الوطن و سمائه. خلف النافذة لم يكن وطني بخير, يتألم بشدة يلقي بروحه على الطرقات تسحقه عجلات السيارات تمر من فوقه أقدام السفاحين و الضحايا و لا أحدهم يشعر بالأخر, كان أشبه بعجوز أولاده ينتظرون وفاته ليفوزوا بالورث الوفير, لم يكن في أيامه الأخيرة مرت به أيام أقسى, من العجب إنهم ينتظرون استسلامه, إلا يعلمون إذا ما مات الوطن شُرد شعبه!!


من المؤلم أن يفتح الرضيع عينيه على فقدان أمه, و هكذا أنا فقدت وطناً و أنا الذي أحضرت معي فرشاتي كي أرسم طائراً حراً, سرعان ما أصابه سهم الواقع و أدماه و لم يبقي في روحي ذرة أمل.


في الصوب الأخر أنتشر مرض حديث الظهور, إلا أنه نسخة مطورة من ترهيب قديم و أخذ يعيث فساداً بلا رقيب, لم يكن يفرق من منارة مسجد و أجراس كنيسة إلا أنه ثابت الخطى متمسك بهلال القبة ظناً منه أنه يُحسن عملا, لم يكن يعلم أنه ينتمي إلى مملكة الشيطان و زاده النار, و كمواطن عراقي كنت أحترق بتلك النيران لم تمس جسدي إلا إنها احتلت طباعي انزعاجي الدائم و رفضي للحال لم تكن باليد حيلة.
كلما خرجت إلى الشوارع سيرة واحدة تجمع الأهالي إلا و هي (تنظيم داعش) و جرائمه البشعة و تغلغله في صفوفنا الغير رصينة, مختصر يعز عليَّ ذكره (الدولة الإسلامية في العراق و الشام) غير أن في لغتنا العربية لا نملك اختصار جملة بأحرف بداية الكلمات أنه نظام له وجود في اللغة الإنكليزية و يا عجبي مما يحدث و سيحدث!!


ممتد بين أحلامي ناصعة البياض تحفها أزهار السلام, و بين واقع منسلخ من جنهم, عزمت الرحيل أن أرحل و لن أعود و قطعت وعداً جريئاً مؤلماً و فورياً, عزمت السفر إلى تركيا و أن تكون محطة لانتقالي إلى بلد أخر لعلني أرى فيه الحياة بيضاء كالثلوج زاهية كألوان قوس قزح.


حجزت التذكرة و حزمت أمتعتي غداً السفر, ليلتها لم أنمْ ألاف الأفكار أحاطتني من ذكريات الطفولة و ضحكات أصدقائي و رحلاتي مع أهلي, إلا أن حماساً غريباً يجتاحني لم يترك للحنين موضعاً يستغله و يطيل مكوثه بين ثنايا الروح, راحل و السلام.


ليلتها حدثت حبيبتي أخبرتها عن أشواقي, سافرنا بأحاديثنا عن أيامنا السابقة و وعدتها أننا سنكون معاً في واقع أجمل, يعز عليها فراقي عدة أيام بحجة السياحة في تركيا فماذا ستفعلين يا حبيبة لو أخبرتك بواقع الأمر و مغزاه, سأخبرك لاحقاً.


صباحاً ودعت أهلي و ذهبت إلى المطار, عدة ساعات من الانتظار مضت سريعاً و أنا هائم بأحلامي, وحده السفر يشعرك بالغربة التحول من حال إلى حال و كانت الطائرة المتجهة إلى تركيا ورقة الحظ بالنسبة لي, على أجنحتها علقت أمنيات عديدة و في عجلاتها سحقت حاضراً لا أتمناه لي و لحبيبتي كنتً أنانياً بعض الشيء بحق وطني, تركته خلفي يحتضر و لم أنظر أبدا, صوبت نظراتي إلى المستقبل.


حطت الطائرة و عيناني تشعان أملا أن القادم أجمل و كأنني وجدت ضالتي, إلا أن سلسلة الصدمات التي تأتي من حيث لا نحتسب هي أخبار القدر الذي نهرب منه فنجده ينتظرنا في الجهة الأخرى لا مهرب من العذاب, قدمت لجوء عن طريق منظمة اللاجئين و كان الرد قاسياً بقسوة الظروف التي أخرجتني من داري حددوا لي موعداً بعد 5 سنوات من الآن و أن أمكث في مدينه تدعى (سامسون) و أستقر إلى وقت إجراء المقابلة.


البدايات مزينة و مليئة بالحماس تتقبل التجربة و المجازفة (سامسون) منطقة ساحلية تطل على البحر الأسود ذات طبيعة جميلة أستقر وضعي مع عدة أشخاص سرعان ما حالت الظروف دون البقاء معهم.


أن تكذب و تثير الشكوك أعلم أنك تصاحب ناراً تفاجئك باحتراق بغير أوانه, حبيبتي اتصلت بي عدة مرات كنا لا نزال على وعد الحب إلا أن شكاً ما تسلل إلى قلبها هذه هي حبيبتي التي اخترتها كيف ظننت أن امراً يخصني يخفى عليها, مستمر في إخبارها أنني سائح هنا و الخلل في حجز تذكرة الطيران و أن الخطوط بين العراق و تركيا تعاني من وعكة لبرهة من الزمن ولا استطيع العودة الآن.




(2)
الرحيل إلى المجهول



وقتها استأجرت شقة مع صديق و عدة أشخاص, شاءت الظروف أن تطرق بالنا فكرة التهريب إلى أوربا بطريقة غير شريعة الطرق المختصرة تستهوي الهواة أمثالنا أصحاب الحماس, لماذا ننتظر و تضيع سنوات من أعمارنا, بدأت بالبحث في متصفحات الإنترنت عن أسماء المهربين و كيفية الوصول إليهم و إلى أين .


ها نحن نرتحل من سامسون إلى إسطنبول (بالباص).. خلال الطريق متعت نظري بالطبيعة بالظروف التي تحيط بنا, وطني ترابي المراس لا شيء من هذا القبيل يحدث فيه, كل شيء في العراق يبث الحُزن, لكنه حزن جميل أروع من الفرح نفسه.


و من محطة أخرى في اسطنبول حجزنا التذاكر إلى (أدرنه) المنطقة الحدودية بين بلغاريا و اليونان, أدرنه كانت غاية بالجمال تتراقص بين الحضارة و التجديد شيء منها أوحى لنا بحياة أخرى و نحن كنا نظنها في المنفى لم تكن جميع الحدود مهجورة كحدود وطني!, أحد الأشخاص معنا جاءه اتصال من عائلته يبلغه العودة شيء من الخوف و التوجس سكن قلبه و أرتحل في تلك اللحظة لم أكن اتأمل إلى أن أكمل هذه الطريق التي اخترتها.


أستقر بنا الأمر في البداية في رحاب فندق قديم جدرانه هشة و كأنه قطعة ستهوى إلى الأرض في أي لحظة, إلا أنه كان يجمع بين السوريين و المهربين الذي يرحلون الأشخاص إلى بلغاريا, اتصلت بوالدتي و أخبرتها أني بحاجة إلى 2500 دولار و أنني حصلت على فيزا رسمية إلى بلغاريا و ليس عن طريق التهريب , مضت عدة أيام و نحن مازلنا على قيد أن تصل عائلة ارتحلت قَبلنا إلا أنهم عادوا معذبين بسبب طبيعة الغابات و تم القبض عليهم من قبل الجيش البلغاري, قررنا بعدها أن نغير مسار رحلتنا الى السفر من خلال البحر عن طريق أزمير, رغم الخوف و الصعوبة إلا أن ما من طريق أخر كان لابد أن نكمل.


بعد أن وصلنا إلى أزمير كنت قد اتفقت مسبقا عن طريق الانترنت مع مهربين اثنين احدهم عراقي والأخر سوري لمواصلة رحلتي إلى اليونان فقابلت أولا المهرب العراقي وبعدها السوري وتم الاتفاق مع الأخير على السفر إلى اليونان عبر البحر أنا و الذين كانوا معي في هذه الرحلة و كان الاستعداد للسفر أن نحضر معنا حقيبة واحدة تحوي جميع أغراضنا أضافه إلى سترات نجاة, فطريق البحر صعب و يكفينا أن نصل بأرواحنا إلى الضفة الأخرى متخلين عن كل شيء.

وحده الانتظار كان له النصيب الأوفر في رحلتي العقيمة التي لم تلد لي فرحة إلى هذه الساعة مذبذب بين القلق و موت المشاعر التي كانت تربطني بحبيبتي, لا لم يكن موتاً كان شيئاً أخر قريب إلى الإهمال و الانشغال, و بعد عدة ساعات أخبرونا تم تأجيل الرحلة إلى يوم أخر, عدنا إلى الفندق و باتت الحياة مجرد فوضى لم أكن أنا ذاتي في تلك الأيام بل شخص محصور بين عملية التهريب و مستقبل مجهول. تم الاتفاق أن ننقل عن طريق (سيارات التكسي).. إلى النقطة القريبة من انطلاق القارب إلى جزيرة يونانية تدعى (كيوس), سارت بنا السيارات بطرق خطرة و سرعة فائقة و كنا على حافة الموت تارة و في منحدرات الحياة و أقساها ألما تارة أخرى.



(3)
البحر من أمامكم
و الظلمات خلفكم


ها نحن نصل إلى جبل و منعطف و كان علينا أن نغادر السيارات و ننزل راجلين في منحدر مخيف, حتى أن شاشة هاتفي تكسرت لأني انزلقت عند النزول من المنحدر نحو الأسفل إلا انه مازال على قيد العمل, أخبرونا أن نغلف أمتعتنا بأكياس كي لا تصاب بالبلل و تتلف, ثم أتت الصدمة أن القارب صغير جداً لا يستوعب أوزاننا, في البداية كنا جميعنا على متنه و يبدو أنه شارف على الغرق ما أن تجاوزنا العشرة أمتار حتى صوب نحونا ضوء قوي ظنناهم الشرطة عدنا من حيث انطلقنا, أتى أحد الذين صوبوا نحونا الضوء ورحل بالقارب ساورنا الشك و بعد أن أتصلنا بالمهرب أخبرنا أنهم لصوص ولا يعرفهم وكانوا قريبين عنا فأخبرنا أن علينا أن نحدثهم و نخبرهم أن بلادنا في حرب ونحن بحاجة هذا القارب, أعدنا القارب و انقسمنا إلى نصفين جماعة تنوي العودة و أخرى المضي قدماً, كنت من الماضين إلى المستقبل كيف لي أن أعود بعد كل هذا.


ما أن قررنا الذهاب بالقارب إلى وجهتنا, مضينا مئة متر ثم قام أحدهم بالضغط على مقبض البنزين لم يحتمل و توقفت الماكنة و توقفنا, ثم حاولنا أعادته للعمل إلا أنه ما لبث حتى أنقطع الخيط و معه قُطع الأمل عدنا نجذف إلى الضفة و استلقينا متعبين متألمين, فإذا بها الشرطة تأتي لتأخذنا, وقتها لم نكن نملك أنا و صديقي أي مستمسكات كنا قد أرسلناها سابقا إلى أهالينا في بغداد وكنت احمل فقط ورقة منظمة اللاجئين مزقتها و رميت بها بسبب خوفي من الشرطة وإنهم لو وجدوها معي سيقومون بحبسي ثم ترحيلي إلى العراق, وها أنا أخلو من كل شيء إلا حلمي.


أخذتنا الشرطة و كنت أعتبر الأمر عادياً, ثم حجزونا في سيارتهم وذهبوا يبحثوا عن المهربين وبعدها بمده زمنيه قليله أتوا ومعهم عدد من الأشخاص كانت لديهم نية الهرب إلى اليونان , قسمونا الشرطة إلى مجاميع واخذوا ينقلونا بسياراتهم وظننا أنهم سيأخذوننا إلى مركز الشرطة فسارت بنا السيارات و نقلونا إلى منطقة مقطوعة بعيده عن البحر و أخبرونا اننا سنمكث هنا حتى الصباح و ثم نعود إلى أزمير .

(4)
الغربة عجوز شمطاء
بذكريات ممسوخة



وقتها كنت غريبا عن نفسي و روحي لم أعد أنا أعرف من أنا و لا مرآتي ترى ذات الوجه التي اعتادته, روحي غريبة كل شيء غريب.


عند عودتنا إلى أزمير قررنا أن نستأجر غرفه في الفندق وان نرتاح بها من صعوبة اليوم الذي مضى .

عادت فكرة التهريب تنمو من جديد كغصن وليد لشجرة أحلامنا, أعدنا الاتفاق مع المهرب العراقي الذي قابلناه أول مره واخبرنا إن الرحلة ستنطلق في مساء اليوم التالي , وفي مساء اليوم التالي سارت بنا السيارات و الطريق لم تكن خطرة إلا إنني فَعلت (gps) برنامج للكشف عن الموضع الذي نحن فيه و النقاط القريبة منا و إذا بها اقرب جزيرة من نقطة الانطلاق هي جزيرة ساموس العسكرية (وهي جزيرة يونانيه عسكريه اخبرونا سابقا أن لا نذهب إليها لأنه يتم فيها الحبس لمده أسبوع أو أكثر للسورين, والعراقيين يتم حبسهم وترحيلهم إلى العراق أما باقي الجزر فتكون بلا حبس ). أتصلنا بالمهرب فأنكر إننا متجهون إلى جزيرة ساموس واخبرنا أننا متجهون إلى جزيرة أخرى.


أكملنا طريقنا مشياً في الظلام و ما بين صعود و نزول و منحدرات و هناك أدركنا إننا فعلا متوجهون إلى جزيرة ساموس فقررنا أن نعود أدراجنا إلا أن جماعه المهرب قاموا بتهديدنا تحت السلاح واخبرونا أننا ذاهبون إلى جزيرة أخرى وسنمكث فيها 4 أيام ولن نطيل المكوث فلم يكن أمامنا إلا المضي قدمنا .


قبل أن ابدأ هذه المرحلة أخبرت حبيبتي بحقيقة الأمراثقلتها الدموع و أنقلب قلبي إلى ملجئ للألم و كأن السماء أمطرت هماً كل شيء شاحب صوتها و حالتي إلا أني أخبرتها إن القادم أفضل و كل ما أفعله من أجلنا و حبنا يستحق كل هذا يستحق روحي مقابلاً له و لها.


كانت الرحلة إلى ساموس مخيفه و دب شيء من الرعب في الأرواح , الخطة كالأتي قارب يتم ملئه بالهواء طوله 7م مكون من 12 حجره وكان عددنا 45 شخص وكان من ضمن الأشخاص نساء وأطفال ويكون السائق شخص من بيننا اخبرنا المهرب عندما نصل إلى المياه الإقليمية اليونانية (ويكون دخولها بعد انطلاقنا بساعة ونصف الساعة ) علينا بثقب الحجرتين من أمام القارب كي يوحى مشهد غرقنا للخفر في المياه الإقليمية اليونانية وحينها ينقلونا إلى اليونان دون أن يقوموا بسحبنا وإرجاعنا إلى الإقليم التركي وتسليمنا إلى خفر السواحل التركي عندما يكون القارب سليم .


البحر يبكي الصخر أن تلاطم أمواجه و عبثه شقي و متعب, أخذنا بسبب شده الظلام وانعكاس أضواء النجوم في البحر نرى أشباحاً, و كأنه البحر خارج الزمن و الحقائق يصور لنا من الحياة اموراً لا تشبه واقعها بين بيوت قائمة عل سراب و جبال صخرية تحدق بنا و سفن أمامنا من العدم, البحر يثير الجنون و به لوعة الضياع.


رحلة كهذه كانت خارج حدود المعقول أنها في حسبان الكوابيس و تلك الأفلام التي إستهوت أصحاب القلوب القوية, وقتها كنت أنا لا اسلم أمري لعيني خدعتني هي الأخرى الكون يتآمر عليَّ, لماذا يحدث كل هذا!


بعد ساعتين من انطلاق القارب رأينا من بعيد شئ يقترب نحونا واختلط الأمر علينا هل هو حقيقة أم سراب شاهدنا وأدركنا إن شيئاً ما يقترب منا أكثر فأكثر و اذا به (بارجة عسكرية يونانية) والأخرى قارب سريع وهو (خفر يوناني) أصبح صراع داخلي يعتمل في أعماقنا بين مؤيد لثقب القارب وبين معارض له , بين عويل النساء و صراخ الأطفال فاقوا البحر بصخبه, قمنا بثقب أغلب الحجرات وكان أكثر مما يتطلب لتمثيل الغرق فقام القارب بالغرق وأصبح البحر يتلاعب بنا بأمواجه و كنا على وشك الغرق والموت بردا وكان وقت الغرق مع بداية ظهور خيوط الفجر .


و أنا يا حسرتي على حالي بين البرد و عمق البحر و التساؤلات و العبث بالأقدار محاط بعواقب وخيمة بمفردات غريبة و بأيام لم أعد لها كل شيء بل عبث بروحي و أوهمتني حتى الأيام التي كنت أنتظرها وجدتها تنتظرني مع هجران جميل.


وصل خفر وكان يحوم حولنا واخذوا يلتقطون لنا الصور, كنت عائما فوق البحر أستقبل الحزن غرقاً و موتاً متشبثاً بغصن ممتد صَورَ لي حياة وردية حينما رأيت العلم اليوناني على قارب خفر السواحل يقربني خطوة نحو حلمي المجهول, حملوا بعدها النساء أولا و الأطفال ثم نحن وأخذونا إلى الجزيرة و في مركز الشرطة تأكدنا أننا على جزيرة ساموس وكانت صدمة موجعة و لا نعلم ما هي الخطوة القادمة ترى هل من خطوة أخرى أم أن الحلم انتهى؟!



(5)
المقابلات مصير أخر


و هم يجهزونا للمقابلة لم أكن أعلم هل هم يجردونا من كل شئ إلا من هوية سأسرقها مستقبلاً, أخذوا الأحزمة و الحقائب والهواتف و كل ما يخصنا كنت لا املك إلا رقماً شاءت الأقدار أن يكون (26) و صديقي رقمه (25) .


المقابلة لغرض فصل المواطن السوري عن غيره, و أخبروني أشخاص أن أدعي أني من (دير الزور) منطقة سورية لهجتها قريبة من لهجتنا العراقية و استحالت الأمور لتستقر أن المقابلة ستتم مع عراقية فتاة دون الثلاث عقود وتأملت فيها الخير, دعوت الله أن يحنن قلبها و تنقذني بل تنقلني إلى مرحلة أخرى.


المقابلة كانت معها تطرح الأسئلة و سقطتُ في الفخ بين لهجة مصرية لأني عشت فتره في مصر وأخرى عراقية ثم ادعاء أني سوري الجنسية, كشفت أمري إلا أن دعواتي استجابت رغم أن كان معها شخص أمريكي يقيم الوضع و لحسن حظي ختمت أسمي بلقب (سوري) و مرت هذه المرحلة على سلام إلى حد ما.



السجون حقيقة الأفلام أخذونا إلى منطقة أخرى و فيها سجن, لم أكن أعلم أن حريتي ستصادر هكذا يا وجع الأيام, سجن يتسع ل 200 سجين و حمل في جوفه 800 كيف له استيعاب كل هذه الأنفاس و الأحزان ما تفطرت جدرانه, ألم يحن قلب أصحابه على كُتل اللحم التي تملأ المكان, لكنه مروض على تقبل الأخر مجرد من المشاعر لو كان له قلب لنبض لأولائك الذين ملئوا جدرانه بالأماني و الأشعار, يحوي على أناس من أقطار شتى أفغانستان و إيران و باكستان و الأغلبية من سوريا. مستلقين على الأرض الخارجية ما من مكان يحتويهم و يستوعب أحزانهم الكُبرى, ترى إلى أين سيأخذهم القدر و أنا ماذا أفعل, البرد تسلل إلى عظامي لم أرتد شيئا يقيني كل هذا و حقيبتي أبتلعها البحر, الأكثر هماً الطعام الذي لا يثبت في الجوف أنه أقل من أن نأكل و أكبر من أن ندعي التعفف, كنا بين ضالتين.


عندما يصبح سماع صوت الأحبة مقيد , تدرك ما هي الحرية في السجن كانت هنالك قاطعين في داخل كل منهما هاتف, اتصلت بحبيبتي و كأن نبضة فرح عادت تسري في قلبها و قلبي طمأنتها و طلبت هاتف أهلي فهاتفي في حوزتهم الان, و كان لابد أن أطمئن عليهم و هكذا أخبرتهم أنني في اليونان و كل شيء بخير.




الأيام في السجن ضيقة مؤلمة و قصيرة مدى طويلة عمر إنها اقرب إلى المرض البطيء في الجسد السليم تفتك به رويدا حتى تسقطه أرضا, أخذ الوقت ينهش في ذاكرتي يعيث فوضى في روحي كل شيء ضدي المكان و الزمان و أصبحت أتحرك كالدمى وفق أوامر تذكر, بعض الأسماء كانت لها حصة وفيرة من الحرية عندما تنطق ثم ينقلون إلى الميناء يبتاعون تذكرة إلى أثنا, حلما هذا كان يراودني و حاجتي إلى الحرية تتضخم.

حان وقت العشاء و معه حدث أمر مريب علمنا فيما بعد أن إيرانيين يدعون أنهم من الأفغان وقد كشف أمرهم فحاولوا الهرب , اليونان لم تكن سوى نقطة عبور جسر الأحلام و وقت استراحة قصير جداً مقارنة بأعمارنا و الاحلام, تمنح إقامة 6 أشهر للسوري و شهر للأفغاني أما العراقي فلا مأوى له سوى العودة إلى الوطن هكذا تحتم الحكومة العراقية و تفرض.



في الليل كانت الحياة تبدو أكثر طرافة وجهها السمح يتصور في ملامح البائسين أمثالنا كانت العاطفة تنمو على أنغام الغناء و أصوات كلها شجن تغني للفرح, ترى أي فرح هذا إلا أنه الزمن كنا نعاتبه و نحتال عليه حتى ينقضي, كنا نثير الصخب في السجن حتى يلفظنا كلمة حرة خارج قضبانه, أخبرونا أن لا نحتج على سوء المعاملة, ظنوا غنائنا احتجاج!! جل ما كان يثير أعصابي و يرهقني بوجود المقابلة الثانية التي تثبت أنني سوري أم عراقي, من الوجع أن تكون جل أمنياتك أن تتخلص من هويتك و كأنها نقمة و كأنها الشيء البخس الذي يربطك بعالم لا تريده لا هو و لا تفاصيله, هنالك شخص كحالتي و تم كشفه و قيل أن الأسئلة على مستوى من الصعوبة أنهم يسألون عن خريطة سوريا و النشيد و المناطق أخذ قلبي ينبض بسرعة و كلي مضطرب لم أكن مستعداً للعودة وكانت مرّ على حبسي 4 أيام.


(6)
يحدث أن تأتي المعجزة عاجزة عن تحقيق أمنياتنا


في اليوم التالي ذاعوا أسمائنا و غرقنا أنا و صديقي وعدد من الأشخاص في أمواج الفرح لا نعرف كيف سنمارس حرياتنا و كيف سيغدو الغد أجمل, أخذتنا سيارات الشرطة وكان وقت الغروب إلى الميناء و كل ظننا أننا سنبحر إلى أثنا أحرار .

يالها من رحلة منكوبة وجدت نفسي على ظهر (بارجة عسكرية) و كأنني أحلم كل شيء من حولي تلاشى لماذا يحدث كل هذا! جميع المجاميع الذين سبقونا محجوزين هنا على متن باخرة كبيرة مع أناس بأجسام ضخمة و أسلحة و نحن لا حول و لا قوة لنا .

ربطوا أيدينا بأيدِ أخرى و لم أكن أملك إلا الامتثال, رفيقي في هذه الرحلة مواطن أفغاني كنا نتقاسم الوجع أم نضاعفه لا أعلم فشعوري قابل للتأويل و كأنه أحجية أو كابوس حل عليّ في ليلة سوداء, جثونا على الأرض و لم تكن رحيمة كأم رؤوم اليوم هي مجرد قطعة صلبة كقلوب من عليها و باردة جداً كأن الحديد تصلب عمقه و أصبح وجوده عديم الرحمة بنا, ما ضرني أن الأفغاني كثير الاستعمال للحمام تبدو عليه أثار مرض السُكري, و الحمامات كانت لا تقل سوء عن كل هذا, متنقلة و كان علي أن أنتظره في كل مرة فهو رفيقي في هذه الرحلة. رفيقي لم يطل الانتظار حتى وضع حذائه تحت رأسه و أتخذه فراشا له, أما أنا أخذت أكابر و أتحايل على المكان و الظرف قاومت الوقت إلا أنني مرهق حد الهلاك كان لابد لي استند على شيء و أن كان مجرد حذاء, ما أن وضعته حتى شعرت أن جسدي رمى بثقله على شيء ما, وقتها كانت أحذيتنا أكثر رأفة بنا من جميع الدول الأوربية و حقوق الإنسان التي لم أذق طعمها لا في وطني و لا هنا, يبدو أنها مجرد فاصل أعلاني ممول سرعان ما يذهب مفعوله و تترك لنا الوحشة تنهش في مخيلتنا و حياتنا الكثير.


سرقتني الأفكار هي الأخرى تتآمر على قلبي و روحي التي أختل توازنها و بدأت تتساقط كأوراق الخريف أمنياتنا كانت الصورة الأخرى لروحي و خسرت الاثنين معاً, خسرت نفسي في كل مرحلة تركت جزء مني يرتاع في حقول الموت حتى فنى و نفيت.


الأسئلة كثيرة إلى أين ماذا يحدث و ما الزمن الذي قضيناه و سنقضيه هنا, فككنا اسر أيدينا دون علمهم شيء من الحرية لامس قلبي و استقر في روحي الفقيرة لكل شيء.

بعد رحلة طويلة لا نعلم سببها و لا نتائجها وصلنا بحدود الغروب, ثم نقلونا بسيارات للشرطة, كأقفاص أحاطت بنا من كل جانب لا نسمع سوى صفير الإنذار و سيارات تعدو خلف بعضها و نحن كمجرمين حق عليهم عذاب السجن و كأننا ارتكبنا جميع معاصي أهل الأرض, و كنت المجرم بحق نفسي و سيد القرار الذي جعلني استقر في هكذا وضع مريب. المناطق المهجورة نفحات من حرية مفقودة في منطقة شبه مهجورة و على أرض مزينة بالحصى أمرونا أن نجلس عليها ما أوجع أن تأمر بالعذاب ثم تنفذ خوفاً من عذاب أخر حتى أنت تجهله, ثم علمنا أننا في أثينا و علينا الانتظار.. ترى ماذا ننتظر؟!


,,وَ أَتَكحلُ بِكَ لأنكَ عَزائيَ الأَسودْ,!!

https://www.facebook.com/pages/Ragha...5084772?ref=hl