عرض مشاركة واحدة
قديم 09-21-2010, 04:56 AM
المشاركة 79
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عقبه :
وخلَّف ثلاثة أبناء هم : عبد الرحمن وعبد الله وإبراهيم ، وله أحفاد ، والمشهور من أحفاده الآن هو الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف ، فهو عضو في مجلس هيئة كبار العلماء ، وعضو في اللجنة الثقافية الخماسية ، وهو إمام جامع الرياض الكبير وخطيبه ، كما أنه هو خطيب الحج يوم عرفة في مسجد نمرة ، وفقه الله تعالى ورحم أسلافه ، آمين .
الشيخ / سعد بن حمد بن علي بن عتيق - رحمه الله - المتوفى سنة 1349 هـ ، وهو إمام في العلم والعمل والزهد والورع ، وقد أخذ الشيخ عنه في الحديث وعلومه ، ودرس علمه في العقيدة والفقه ، وإبان دراسة الشيخ عليه ، كان ضعيفا في بدنه ، مريضا في جسده ، وكانت دروسه في جامع الرياض الكبير وهذه ترجمته مفصلة مطولة لعل فيها فوائد ودروسا وعبرا يستفيد منها من رام معرفته وحرص على ذلك :
هو الشيخ الزاهد العالم سعد بن حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد بن حميضة ، كانت مساكنهم الأولى في ( الزلفي ) ، فعُيِّن والده قاضيا في الأفلاج ، فاستقر فيه ، واتخذه له موطنا ، ثم نقل والده إلى قضاء حوطة سدير ، فولد المترجَم في بلدة ( الحلوة ) إحدى القرى التابعة لحوطة بني تميم سنة 1268 هـ ، وقيل غير ذلك ، لكن هذا هو الأصح ، والله أعلم .
نشأ المترجم في بلده ( الحلوة ) وشرع في القراءة على والده ، فلما أدرك في التوحيد والتفسير والحديث والفقه والنحو رغب في الزيادة فسافر إلى الهند سنة 1301 هـ ، فقرأ على محدث الهند الشيخ نذير حسين الدهلوي والشيخ العلامة المحقق صديق حسن خان القنوجي والشيخ شريف حسين والشيخ محمد بشير السندي والشيخ سلامة الله الهندي والشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي اليماني نزيل الهند ، وهؤلاء العلماء كلهم محققون في العقيدة محدثون مفسرون .
وقد أجازه الشيخ الأنصاري ونذير حسين ، وهكذا أقام يقرأ على هؤلاء المحدثين المفسرين المحققين في الهند تسع سنين حتى استفاد منهم فائدة كبرى فأجازوه وأثنوا عليه ثناء عطرا . ثم توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ، فوجد فيها المحدث الكبير العلامة الشيخ شعيب بن عبد الرحمن الدكالي المغربي والشيخ الفقيه العلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي والشيخ محمد بن سليمان حسب الله الهندي ، والشيخ السيد عبد الله بن محمد بن صالح الزواوي ، والشيخ أحمد أبو الخيور .
وبانكبابه على القراءة والاستفادة من هؤلاء العلماء الكبار من النجديين والحجازيين والهنديين بلغ في العلم مبلغا كبيرا ، وصار من عداد كبار العلماء المشار إليهم بالبنان ، كما ورث عن والده الغيرة الشديدة في الدين ، والصلابة في العقيدة ، فاشتهر بسعة العلم والتقى والصلاح ، وجدَّ واجتهد في نشر الدعوة السلفية ، حتى نفع الله باجتهاده وبركة دعوته خلقا كثيرا .
وسافر إلى الهند عام 1301 هـ ، وكتب تاريخ سفره في هذه الأبيات :
لاكتساب العلم سافرنا وأرجو *** أنه فتح وإقبال وبِرّ
قلت يا قلبي فأرِّخ منهما *** قال تاريخ يجيء له ( يمن أغر )
فلمَّا اطلع على هذين البيتين والده ، فأعجب بهما وكتب تحتهما بقوله :
يا إلهي لا تخيب سعيه *** أَوْلِه التوفيق حقا والظفر
واجعل العلم اللدني حظه *** أَوْلِ فهم المُنزَل والأثر
وأعطه رزقا حلالا واسعا *** كافيا حاجاته في ذا السطر
واكفه جميع محذوراته *** أيضا حادثات البر والبحر
وبعد عودته إلى بلاده ( الأفلاج ) عينه الإمام عبد الله الفيصل آل سعود في قضاء الأفلاج مكان والده في القضاء ، ثم استولى الأمير محمد بن رشيد على نجد ، فأقره على عمله ، فاستمر قاضيا حتى فتح الملك عبد العزيز آل سعود الرياض عام 1319 هـ ، واستولى على الأفلاج ، فنقله من قضاء الأفلاج إلى الرياض وجعله قاضيا في جميع قضايا البادية القريبة من الرياض أو القادمة إليه ، وجميع الدماء من القتل فما دونه من أنواع الجراحات ، واختار لتقدير الشجاج في الرأس التي دون الموضحة وهي الخمس ، التي لا تقدير فيها من الشرع بل حكومة ، اختار لتقديرها طريقة حسنة .
فقال - رحمه الله - في وصف طريقته : ( وأما ما سألت عن عادتنا في تقدير حكومة الشجاج التي دون الموضحة فالجواب :
غير خاف عليك حقيقة الحكومة وكيفيتها ، ونحن في الغالب ما نعتبر الحكومة ، لكن نتحرى ما تأخذ الجناية من اللحم الحاصل بين البشرة وبين العظم ، أعني حد الموضحة ، ثم نعرف نسبة ما أخذته الجناية من اللحم إلى أرش الجناية ، وهو نصف عشر الدية ، فإذا عرفنا أن الجناية أخذت ثلث ما بين البشرة إلى حد الموضحة ، فقيها ثلث أرش الموضحة ، وهكذا .
هذا ما ذكره بعض العلماء ، وهو حسن ، لكنه يحتاج إلى عارف بصير بالجراحات ، ولكن إذا علم الله من العبد تحري العدل والإنصاف فالله يغفر له ) . اهـ .
وكان من مزايا المترجَم أنه كثير التواضع قليل الكلام .
وقد عينه الملك عبد العزيز إماما في جامع الرياض الكبير ، وفي هذا المسجد الواسع عقد له حلقتين للتدريس ، إحداهما بعد طلوع الشمس حتى امتداد النهار ، والثانية بعد صلاة الظهر ، وكان حريصا على ما يلقيه من الدروس ، شديد التثبت لمعنى ما يقرأ عليه ، فلا يلقي درسه ولا يسمعه من الطالب حتى يراجع عليه شروحه وحواشيه ، وما قاله العلماء عليه وضبطه لغة ونحوا وصرفا ، حتى يحرر الدرس تحريرا بالغا ، وكان إذا حصل إشكال أثناء الدرس لم يتجاوزه حتى يزول ذلك الإشكال ، وربما بعث من يحضر له الكتب التي تكون مظنة ذلك .
لذا أقيل عليه الطلاب ، وحفوا به ، واستفادوا منه فوائد جليلة ، فتخرج عليه أكابر العلماء ، فمن تلاميذه الكبار سماحة الشيخ عبد الله بن حسن رئيس القضاة ، وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رئيس القضاة ، وسماحة الشيخ عمر بن حسن رئيس الهيئات للأمر بالمعروف بالمنطقتين الوسطى والشرقية ، والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم نائب رئيس المعاهد والكليات ، والشيخ محمد بن عبد اللطيف ، والشيخ سليمان بن سحمان ، والشيخ محمد بن عثمان الشامي ، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز ، والشيخ العنقري ، والشيخ عبد الله الدوسري ، والشيخ عبد العزيز بن مرشد ، والشيخ إبراهيم بن سليمان آل مبارك ، والشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك ، والشيخ عبد الرحمن بن عودان ، والأستاذ البحاثة حمد الجاسر ، والشاعر الكبير محمد بن عثيمين ، والشيخ سعود بن رشود ، والشيخ محمد بن رشيد قاضي الرس ، ثم قاضي رنية ، والشيخ عبد الله بن سعد بن جاسر التغلبي الدوسري ، وغير هؤلاء كثير من كبار علماء المملكة العربية السعودية .
كما تصدى لنشر العلم بالكتابة ، فقد بعث الرسائل والنصائح ، كما حرر الفتاوى والأجوبة على الأسئلة ، فيما لو جمعت كتاباته وفتاويه لجاءت جزءا حافلا ، ونظم مختصر المقنع حتى كاد أن يتمه ، وله رسالة سماها : " حجة التحريض تحريم الذبح للمريض " في مكتبة جامعة الرياض ، برقم ( 215 ) .
وكتاباته وفتاواه دليل على غزارة علمه ، وسعة اطلاعه ، وحسن تصوره ، وقد جمعت وطبعت في كتاب سمي " المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق " رحمه الله ، ويحوي هذا المجموع أربعين رسالة للمترجَم ، وله : نيل المراد بنظم متن الزاد .
والمترجَم في عداد كبار علماء نجد المشار إليهم ، فهو مقرب من الملك عبد العزيز ويعتمد عليه في مهام الأمور الدينية ، وهو معزز محترم عند علماء الدعوة ، فيجلونه ويقدرونه ، ويعرفون له حقه ومكانته العلمية ونشاطه في الدعوة وموالاة أهلها ، وقد ألف رسالة سماها : ( عقيدة الطائفة النجدية في توحيد الألوهية ) لا تزال مخطوطة في جامعة الرياض .
وللمترجَم شعر جيد ونظم رائق ، فله قصائد كثيرة تدل على علو منزلته في الشعر ، حتى إن من مؤلفاته : ( نظم المفاتيح ) لابن القيم ، وشرع في نظم زاد المستقنع ، ثم توفي قبل إتمامه .
وما زال على أحواله الكريمة وسجاياه ، حتى توفي في الرياض بعد أن كف بصره ، وذلك في اليوم الثالث عشر من جمادى الأولى عام 1349 هـ ، ودُفن في مقبرة العود في الرياض ، وكان قد صلي عليه في جامع الرياض ، وأم المصلين الشيخ محمد بن عبد اللطيف .
وله وصية بقلم محمد بن عبد الرحمن الشويعر في تاريخ 28 جمادى الأولى من عام 1349 هـ ، وهذا نصها .
( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأوصي من بعدي أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا ، وأن يلتزموا ما وصى به إبراهيم بنيه حيث يقول : {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } والحمد لله أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا ، كما يحب ربنا ويرضى ، وأنا الفقير إلى الله سعد بن حمد بن عتيق أمليتها آخر الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول عام 1349 هـ ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين ) .
وعلى هذا النقل تصديق من الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم وقال فيه : إنه نقلها من ورقة إملاء الشيخ سعد وعليها ختمه . تمَّ بحمد الله .
وقد بكاه الناس وأسفوا عليه ، وحزنوا لفقده وتبادلوا التعازي في موته ، لأنه محبب إلى كل قلب عزيز على كل فرد ، فالمصاب به عام والحزن عليه شامل ، وقد رثي بكثير من القصائد والرسائل ، وممن رثاه شاعر نجد الكبير الشيخ محمد بن عبد الله بن عثيمين بقصيدة منها :
أهكذا البدر تخفي نوره الحفر *** ويُفقد العلم لا عين ولا أثر
خبت مصابيح كنا نستضيء بها *** وطرحت للمغيب الأنجم الزهر
واستحكمت غربة الإسلام وانكسفت *** شمس العلوم التي يهدى بها البشر
تخرم الصالحون المقتدى بهمو *** وقام منهم مقام المبتدأ الخبر
فنح على العلم نوح الثاكلات وقل *** والهف نفسي على أهل له قبروا
لم يجعلوا سلما للمال علمهم *** بل نزهوه فلم يعلق به وضر
تلك المكارم لا تزويق أبنية *** ولا الشفوف التي تكسى بها الجدر
فَابْكِ على العَلَم الفرد الذي فخرت *** بذكر أفعاله الأخبار والسير
بحر العلوم الذي فاضت جداوله *** أضحى وقد ضمه في بطنه المدر
طوتك يا سعد أيام طوت أمما *** كانوا فبانوا وفي الماضين معتبر
إن كان شخصك قد واراه ملحده *** فعلمك الجم في الآفاق منتشر
بنى لكم حمد آل العتيق علا *** لم يبنها لكمو مال ولا خطر
لكنه العلم يسمو من يقوم به بالجهل *** على الجهول ولو من جَدُّه مضر
لكنه العلم إن كان أقوالا بلا عمل *** فليت صاحبه بالجهل منغمر
يا حامل العلم والقرآن إن لنا *** يوما تضم به الماضون والأخر
فرحم الله الراثي والمرثي وجزاهما أحسن الجزاء .

~ ويبقى الأمل ...