عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2011, 01:12 AM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
القضية الثالثة : حكاية الدستور .. والمادة الثانية !


ونأتى الآن لقضية هى نموذج حرفي للقضايا والمعارك المفتعلة التى لا تتسبب فى شيئ إلا فى زرع الفتن فى المجتمع وزيادة الإستقطاب فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة الكاملة والوعى الساطع بمصالح وطن على حافة البناء , ولا زال ركام العصر المنقضي يفرض نفسه على الساحة ,
ومن عجائب الأمور حقيقة أن أزمة القضايا المفتعلة التى انشغل بها الناس وانشغلت بها دوائر الإعلام ـ وهو حال معظم القضايا التى تفجرت فى أشهر ما بعد الثورة ـ هى قضايا تفجرت بسبب غياب الوعى السياسي لا أكثر ولا قل ونجمت عن قلة الخبرة والتكبر على الإستعانة بالخبراء ! , وكان أكبر مثال لذلك هو السياسة القانونية للمجلس العسكري والتى أوقعته فى مآزق متعددة
وثمة سبب آخر يعود إلى ممارسة بعض التيارات لعادتها القديمة من تفجير القضايا والمعارك تافهة المعنى والمضمون سعيا إلى التكسب التى يعتمد على تفرقة المجتمع إلى طوائف , ويقبع على رأس هؤلاء التيارات الإسلامية بأنواعها فضلا على التيارات العلمانية أيضا !!
فالكل نزل إلى سوق الإستقطاب بحثا عن الشعبية والمناصرة حتى لو على حساب مصير بلد بأكمله يتشكل من جديد , وأصبح الحديث عن قضية المصير من قبيل الإستغلال لا أكثر ولا أقل مع الغياب التام للإخلاص !

وكانت أول المعارك الورقية التى لم يكن لها داع أصلا هى مسألة التعديلات الدستورية التى تمت بشكل أفرز فى مجمله نتائج سلبية تامة دون نتيجة إيجابية واحدة !

فمن حيث المعالجة القانونية والدستورية ..
ورغم أننا نعلم تماما أن المجلس العسكري ـ على عكس ما يظن البعض ـ يضم كفاءات فى مجالات مختلفة , وليس مجلسا حربيا صرفا , وإدارته لشئون البلاد تتسم بالوعى والإلتزام بالقانون والتخصص , بناء على وجود مساعد لوزير الدفاع للشئون القانونية حاصل على درجة الدكتوراة فى القانون ,
لكن ليس معنى هذا بالطبع أن يكتفي المجلس بوجهة نظر المستشار القانونى له فيما يخص الأمور القانونية والدستورية , نظرا لعدة اعتبارات أهمها أن مجالات القانون الرئيسية تتفرع إلى خمسة عشر مجالا فرعيا لكل منها متخصصون وأهل دراية , ولا يوجد خبير قانونى يستطيع أن يحيط علما بشتى فروع القانون ولو أوتى عقل وفهم الأولين والآخرين , فضلا على أن مجال القانون الدستورى ـ فى هذه المرحلة ـ أخطر من أن نتركه لمشورة عالم واحد لأن طبيعة الفقه الدستورى نفسه هى تنوع الاجتهادات فيه نظرا لأن الدساتير لا تحمل وجهة نظر شخص أو مجموعة محددة بل هى مقياس طيفي لكافة تيارات المجتمع , لأن الدستور وثيقة مبادئ مجتمعية لا مواد قانونية
كما أن الدساتير لا يصنعها أهل القانون , بل هم من يصوغونها كتابة فقط , بطريق التعبير عن المجتمع الذى يعتبر هو واضع الدستور ..
ولهذا فإن كل دستور فى العالم له ديباجة تبدأ باسم الشعب باعتباره واضع الدستور كما هو الحال فى الدستور الفرنسي والأمريكى
ولهذا ـ ومع تقديرنا الشديد للواء شاهين مساعد الوزير ـ فإن الأطروحات الدستورية التى يتبناها المجلس العسكري منذ توليه تنبئ عن اضطراب شديد بعمق الفقه الدستورى مما يحتاج معه إلى استشارات كبار فقهاء القانون الدستورى فى مصر ,
خاصة وأنهم لم يقصروا , فتحدث الدكتور فتحى فكرى , وتحدث مستشارو المحكمة الدستورية العليا وتحدث مستشارو مجلس الدولة وخبراء الفتوى والتشريع به , لكن دون أن توضع أقوالهم موضع التنفيذ رغم أنهم أهل الإختصاص
ومن التناقضات التى وقع فيها المجلس العسكري
تجربة التعديلات الدستورية التى خرج فيها الإستفتاء بـ ( نعم ) ,
وإذا بالمجلس العسكري يتخذ من الإجراءات ما يتناسب مع نتيجة ( لا ) !
فنعم للتعديلات الدستورية كان معناها ببساطة إعادة الدستور القديم مع التعديلات المطروحة , وهو ما لم يحدث وإذا بالمجلس يصدر إعلانا دستوريا يقضي بانتهاء الدستور القديم الذى تم تجميده مرحليا , ويبدأ العمل بالإعلان الدستورى المؤقت لحين وضع الدستور الجديد كما لو أن نتيجة الإستفتاء جاءت برفض التعديلات !
ولم يقم المجلس بتفسير تصرفه حتى اليوم ولا قام بشرح خطوة التعديلات التى أحيت الدستور القديم قانونا وتدخل المجلس لإماتته فعليا ؟!

وبالمثل ..
طرح المجلس العسكري تصورا للمجالس النيابية القادمة يحافظ على نسبة 50% عمال وفلاحين فى مجلس الشعب , فضلا على الإبقاء على مجلس الشورى ,
وكلا الأمرين هما من صلب بقايا نظام يوليو وتم اختراع الأمرين لفرض سيطرة الفرد على القرار والتكريس للدكتاتورية , لأن نسبة العمال والفلاحين فى مجلس منوط به التشريع ورقابة أعمال الحكومة معناه أن أعضاء البرلمان لديهم المؤهل الكاف لمناقشة أعتى الأمور السياسية التخصصية مثل مناقشة الموازنة والرقابة المالية ومناقشة مشروعات القوانين , وإقرار السياسة العامة للدولة بالتعاون مع الحكومة
فكيف يمكن أن نتصور قدرة البرلمان على ذلك وهو يضم بين أعضائه أكثر من خمسين فى المائة من الأميين ! ومن منعدمى القدرة الثقافية !!
وهو شرط لبرلمان لا يمكن أن تجده فى أى دولة فى العالم
وقد كان مفهوما من النظام السابق حرصه على الحفاظ على تلك النسبة حتى يتسنى له السيطرة عليهم وتوجيههم كيفما يحلو له , ورأينا هذا واضحا فى فضائح موازنات بطرس غالى وعجز الأعضاء عن فهمها , وفى تفويض الأعضاء للرئيس بصفقات السلاح عبر ثلاثين عاما فضلا على استمرار مد العمل بقانون الطوارئ
لكن ما الداعى لهذا الآن ,
لا سيما وأن المجلس العسكري يريد إحالة أمر الدستور الجديد للبرلمان القادم , فهل نغامر بوضع الدستور المنتظر ـ وهو ثمرة الثورة ـ بين أيدى برلمان لا يعرف بوعه من كرسوعه ؟!

وأما مسألة مجلس الشورى ..
فقد أفاض فى شرحها فقهاء القانون الدستورى مثل الدكتور فتحى فكرى [1] وشرح الغاية التى من أجلها سن السادات هذا المجلس عام 1971 م , حيث قام السادات بابتكار هذا المجلس ـ بنفس نسبة العمال والفلاحين رغم زعمه أنه مجلس للعلم والإستشارة ! ـ من أجل غاية واحدة وهى أن يحل مجلس الشورى محل ( الإتحاد الإشتراكى ) فى ملكية الصحف القومية , وذلك بعد أن تم إلغاء الإتحاد الإشتراكى والنظام الإشتراكى كله فى أيام السادات ,
ولا يوجد لهذا المجلس أى وظيفة فعلية من أى نوع ولا يملك ولاية تشريعية أو حتى استشارية ملزمة لا للحكومة ولا للبرلمان , وذلك لأن مصر لا تأخذ أصلا بنظام المجلسين المتبع فى بريطانيا والولايات المتحدة , حيث تتوزع الإختصاصات التشريعية والرقابية على مجلسين مختلفين يمثلان معا البرلمان الشعبي
فمجلس الشورى المصري لا موقع ولا محل له من الإعراب , وقد طرحه السادات ـ كما سبق القول ـ لغاية وحيدة وهى مواجهة مأزق عدم وجود هيئة تمثل المالك بالنسبة للصحف القومية التى صادرتها حكومة الثورة ,
ولما كان لا يستطيع أن يجعل الصحف القومية تابعة للحكومة ـ شكلا ـ فقد ابتكر هذا المجلس لهذا الغرض وتحول المجلس منذ إنشائه إلى مكافأة يعطيها النظام لرجاله المخلصين عبر تعيين نصف أعضائه من رئيس الجمهورية !!
فلماذا نصر على بقائه رغم ما يتكلفه من ميزانية الدولة بلا أدنى طائل ويعتبر مركزا لتجميع مراكز القوة ورعاية الفساد عبر حصانة أعضائه التى ليس لها أدنى مبرر تشريعي ,
لهذا لابد من الإستماع لخبراء القانون الدستورى لا سيما إذا أجمعوا على أمر محدد , وقد أجمعوا على ضرورة وضع دستور جديد كخطوة سابقة على الإنتخابات التشريعية , فضلا على تعديل نظام الإنتخاب بما يتناسب مع النظام الديمقراطى , وإلغاء مجلس الفاسدين المسمى بمجلس الشورى ووضع الشروط الملزمة والكافية لمن يرشح نفسه عضوا بالبرلمان حتى يستطيع أداء وظيفته على الوجه الأكمل ,


الهوامش :
[1]ـ القانون الدستورى ـ د. فتحى فكرى ـ مكتبة النهضة العربية ـ مقرر الدراسات العليا للقانون العام بجامعة القاهرة عام 2001