عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-2013, 05:07 PM
المشاركة 936
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية-15 - الزيني بركاتلـ جمال الغيطانيمصر


- يتخذ جمال الغيطاني الشكل التاريخي نمطا للإبداع و التخييل لسد الثغرات ومساءلة الواقعوالبحث عن الأسباب و النتائج بالغوص في أعماق الزمن واستقراء لحظات التاريخ و نبشأغواره العميقة واستنطاق ملامح الخارجية.

- ترتكز الرواية ذات العنونة الشخوصية على الزيني بركات باعتباره شخصية مركزية تحوم حولها الشخصيات الأخرى وتلتقي عندهاالأحداث المتشابكة لتصوغ بنية روائية متوترة .

- يحمل عنوان الرواية مفارقة بين الشعار الاسمي (الزينيبركات) و الممارسة الفعلية .

- بني المتن الروائي على سبع سرادقات و مقدمة و خاتمة. والسرادق هو المكان الذي تعقد فيه الحفلات مثل خيمة يجمع فيها الناس، وهذا إن دلعلى شيء فإنما يدل على التركيب السينمائي لهذه الرواية ، إذ يمكن توزيعها إلى سبعمناظر مشهدية أو فصول درامية إما أنها متعلقة بالمكان (كوم الجارح في السرادقالسابع ) أو الشخوص (ظهور الزيني بركات في السرادق الثاني و السرادق الأول والسرادق الرابع ) أو الأحداث (انعقاد مؤتمر البصاصين في القاهرة في السرادق الخامس ...

- تبلغ عدد صفحات الرواية مائتين و سبعا و ثمانين (287) صفحة من الحجم المتوسط. و يتبين لنا أن الغيطاني لم يقسم روايته إلى فصول ، بلاختار السرادقات بمثابة لوحات فنية مستقلة يمكن بسهولة تقطيعها و تركيبها في مونتاجروائي يخلخل السرد ويكسر خطية الزمن واستمراريته الرتيبة لخلق أفق جديد لقارئ الرواية.

- أخذ الغيطاني طريقة تقسيم المتن إلى السرادقات منابن إياس الذي وزع كتابه تاريخ مصر المشهور بـــاسم"بدائع الزهور في عجائب الدهور" حسب السرادقات .

- أما لماذا اختار الغيطاني ابن إياس دون غيره من المؤرخين لمحاكاتهو التخييل من خلال ما كتبه؟ فيرجع ذلك إلى سببين ، الأول : إن ابن إياس كان يتمتعباستقلال الرأي نظرا لأنه ميسور الحال، كما أنه لم يتقلد وظيفة من وظائف السلطنة ،كما أنه كان ينحدر من أصل جركسي ما سهل له الاتصال برجال الدولة وكبرائها.2 و الثاني : أن ابن إياس " ينفرد عنغيره من مؤرخي ذلك العصر في أنه عاش عصرين وشهد أحداث جيلين : أواخر العصر المملوكيو مستهل العصر العثماني . و كان شاهد عيان لما وقع فيهما من أحداث، و تمتد الفترةالتي أرخ وقائعها من سنة 872 م /1468هــ إلى سنة 928م/1522هــ "

- اختارالغيطاني كتاب ابن إياس للتفاعل معه حوارا ومساءلة قصد بناء تاريخ حقيقي لفهمالحاضر و ذلك بالسفر إلى قلب الزمن المملوكي لتصوير المجتمع و الإنسان و التاريخ فيعلاقة بالسلطة لمعرفة أوجه التشابه و الاختلاف بين الماضي والحاضر . ومن هنا، يسقطالمبدع الماضي على الحاضر و يقرأ الماضي بالحاضر و العكس صحيح أيضا ما دامت هناكجدلية الأزمنة و تقاطعها وظيفيا و فنيا.

- يستعير جمال الغيطانيمن ابن إياس المادة التاريخية المتعلقة بالهزيمة و معركة مرج دابق كما يأخذ منهالبنية السردية التراثية لغة و بناء و تركيبا و تفضية و تزامنا .

- يقوم التفاعلبين النصين : النص الأصلي ( كتاب ابن إياس حول تاريخ الديار المصرية )، و النصالفرعي ( الزيني بركات لجمال الغيطاني ) على المحاكاة الساخرة والباروديا والتهجينو التناص و الحوارية و المفارقة والمعارضة و السخرية و التحويل و التشربالإيديولوجي من خلال استعارة التركيب و الصيغ المسكوكة للبنية السردية التراثية .

- هو بذلك لا يعيد كتابة تاريخ مصر المملوكية بل يسائل هذا التاريخ و يبين فجواته و ثغراته و يقرأ لا شعور السلطة و خلفيات الاستبداد و يفترض الأسئلة و الأجوبة من خلال منطق الافتراض و التصور و التقدير على الرغم من حقيقة الأحداث و الشخصيات التاريخية و دقة صحة المعلومات الواردة في متن الرواية

- يختلف هذا النمط منالكتابة عن الرواية التاريخية المعروفة كما تقول سيزا قاسم في أن هذا النص : " يقيمموازاة نصية من خلال المعارضة الشكلية اللغوية للنص التاريخي، فجمال الغيطاني يحاكيقول ابن إياس التاريخي ، أي إنه لا يلجأ إلى استخدام " محتوى" تاريخي يصوغه في لغةعصره ، بل ينتقل بنصه الخاص إلى الحقبة التاريخيةالسالفة"

- ترى سامية أحمد أن"الزيني بركاترواية – لا رواية تاريخية – (....) تتناول أحداثا وقعت في عهد السلطان قنصوه الغوري.

- يصرح الغيطانيفي شهاداته أنه لم يكتب " زيني بركات" كرواية تاريخية ، و هي لم تعتبر كذلك روايةتاريخية " في كل اللغات التي ترجمت إليها هذه الرواية سواء في الروسية أم الفرنسيةأم الانگليزية، لم يعاملها أحد على أنها رواية تاريخية ، إنما عوملت على أساس أنهارواية ضد القمع و ضد قمع الإنسان في أي زمان و مكان "

- من ثم ، فرواية ( الزيني بركات ) رواية التخييل التاريخي تستعير التاريخ مادة و صياغة لتحويله إلى أسئلة و أجوبةباستقراء العلاقة الموجودة بين المتسلط والمحكوم من النواحي النفسية و الاجتماعية والإنسانية و افتراض مجموعة من العلاقات خاصة ما يتعلق بالجوانب الجنسية و الشذوذ والحب و الإجرام وزيف الدين ، و فهم النواحي الخفية عند السلاطين والأمراءوالمستبدين و نقط ضعفهم إلى غير ذلك من الأمور التي لا تذكر في التاريخ الرسمي ، ويركز عليها التاريخ الشعبي والمجتمعي على حد سواء .

- رواية "الزيني بركات" لجمال الغيطاني رواية تراثية تندرج ضمن التخييل التاريخي، وتتخذ منزمن المماليك قناعا رمزيا لإدانة حاضر الستينيات في مصر .

- وهي رواية طليعية و جديدة لبنيتها السردية التراثية التي تقوم على خلخلة البناء المنطقيوالزمني للأحداث و اللجوء إلى تعدد الرواة و الرؤى السردية والإثراء اللغويالأسلوبي لخلق رواية بوليفونية ، وتوظيف الوثائق و الخطابات السردية و عتاقةالأسلوب التراثي لخلق حداثة سردية و صوت فني متميز .

- يبدو لنا أن الغيطاني لم يكتب روايةتاريخية حرفية أو موثقة من أجل التوثيق الموضوعي، بل استحضر التاريخ ليسائله ويحاوره ويبرز نقط ضعفه و يحدد الأسباب و يشخص المظاهر ليصل إلى النتائج بطريقةجمالية و فنية رائعة