عرض مشاركة واحدة
قديم 09-14-2014, 01:18 PM
المشاركة 32
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ...
قراءة ايوب صابر في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر عبد اللطيف غسري:


ضِفَافُ الصَّدى تنزَاحُ.. أمْسِكْ ذُيُولهَا = إذا الصوتُمَعْنًى لِلصَّدى وَمُرَادِفُ

يعود الشاعر في هذا البيت لاستنهاض الهمة، همة نفسه الشاعرة طبعا، ونسمعه وهو يخاطب ذاته من جديد، حاثا إياها على أن تُقدم دون تردد على الكتابة الشعرية ، ومخاطبا ذاته بقوله "لا تقف هناك جامدا، وأنت تداعب حلمك، غير مدرك لسرعة مرور الزمن".

وفي هذا البيت الجميل والذي يشتمل على صورة شعرية معقدة وجميلة، نجد أن الشاعر يحث نفسه على الإسراع في العمل، والتصرف قبل أن يتلاشى صدى ما حققه من نجاحات في مجال الكتابة الشعرية، حيث شبه الشاعر صدى ما حققه من نجاح بنهر جارف، جاري، لكن الشاعر يرى ضفاف ذلك النهر من المجد والشهرة تنزاح بعيدا عنه، وفي ذلك كناية عن تلاشي صدى ما حققه من نجاح... لذلك فهو يخاطب ذاته حاثا أيها على الإمساك بذيول ما حققه من نجاح، قبل أن تتلاشى تماما كما يتلاشى الصدى.

وفي استخدام كلمة ذيولها ما يشير إلى صفة الاستعجال التي يضمنها الشاعر لهذا الشطر من البيت فهو يرى بأن توقفه عن ألكتابه جعل صدى ما حققه من نجاح يكاد يختفي وفي ذلك حثٌ على الاستعجال في التصرف والعودة إلى الكتابة، وهذا ينسجم مع حالة الاستعجال التي ضمنها الشاعر في البيت الأول من القصيدة.

ونجد أن الشاعر قدم الصدى على الصوت لان التلاشي هي صفة الصدى، الذي يقع كنتيجة للصوت، ويتلاشى تدريجيا.

ومن هنا نفهم الشطر الثاني من البيت على انه مخاطبة للذات من اجل الاستمرار في قول الشعر الجميل، الذي يمثل رفع الصوت والجهر به، مما يؤدي إلى وقوع الصدى.
وعليه فأن مخاطبة الشاعر لذاته بأن يستعجل في الإمساك بذويل الصدى قبل أن تتلاشى هي في الواقع استنهاض للهمة على الاستمرار في قول الشعر، الذي هو الصوت والذي ينتج عنه الصدى الذي يكاد أن يتلاشى.

فخوف الشاعر الذي يدعوه إلى الاستعجال في التصرف نابع في الواقع من خشيته أن يتلاشى صوته الشعري الذي ترك صدى عظيما...وذلك إذا ما استمر في الوقوف جامدا كالظل بينما الوقت يمر مسرعا.

ونجد أن لهذا البيت وقع عظيم على المتلقي، ناتج أولا من تشبيه الشاعر لصدى ما حققه من نجاح بالنهر الجارف العظيم ودليل عظمته تلك الضفاف التي كادت أن تتلاشى لأنه توقف عن الكتابة.

ثم من استخدامه لكلمات توقظ حواس المتلقي، وأهمها حاسة السمع باستخدام كلمات (الصوت و الصدى)، وفي استخدام كلمة ( امسك ) إيقاظ لحاسة اللمس عند المتلقي. وفي الشطر الأول تشخيص لضفاف النهر وكأنه كائن له ذيل. وفي استخدام كلمات ( الصوت والصدى ) استثمار للتضاد الذي له أعظم اثر على ذهن المتلقي.

والصورة الشعرية المتمثلة في ( ضفاف وتنزاح ) ما يوحي بالحركة،وهو ما يجعل البيت ينبض بالحيوية والحياة.

وفي هذا البيت ما يشير بوضوح إلى قدرة الشاعر عبد اللطيف غسري المهولة على تطويع الكلمات ليوصل لنا ما يريد أن يقوله عبر صورة شعرية غاية في الجمال والتأثير رغم ما يشوبها من تعقيد ظاهر هنا، وتقديم للصدى على الصوت.

ولا عجب إذا أن يفتخر بقدرته ويمدح ذاته الشاعرة.
==
على عَجَلٍ أبْحِرْ بِأشْرِعَةِ الأنا = لعَلَّكَفُلْكَ الذكْرَياتِ تُصادِفُ

وفي هذا البيت يستعجل الشاعر ذاته من جديد ( على عجل) طالبا من نفسه الإسراع في القيام برحلة شبه بحرية هذه المرة، ولكن باستخدام أشرعة ( الأنا ) والأشرعة جمع شراع، وهو ما يثبت على السفينة لتتمكن من الإبحار، ولكن البحر هنا هو الذات الشاعرة.
فالشاعر هنا يستعجل نفسه للإبحار في أعماق ذاته الشاعرة لعله يلتقي مصادفة بفلك الذكريات. والفلك هو السفينة وفي هذا البيت ما يشير إلى اعتزاز الشاعر بذاته الشاعرة التي يشبهها بالبحر الواسع، ولذلك فأن الإبحار في هذه الذات يحتاج إلى أشرعة والالتقاء بفلك الذكريات ربما يحدث، وربما لا يحدث وان حدث فسوف يكون ذلك صدفة، وذلك كناية عن ضخامة الذات الشاعرة.
وهذا البيت يشير إلى مدى اعتداد واعتزاز الشاعر بذاته الشاعرة التي يشبهها بالبحر، لكنه واسع بدليل حاجته إلى أشرعه تنقله عبر هذا البحر ولعله يتلقي صدفة بفلك الذكريات.
وأي ذكريات هذه ؟ هذا ما نجد جوابه في البيت التالي.


تركْتَ رَياحِينًا هُناكَ نَدِيَّةً = ـأتذكُرُهَا؟ـ حيثُ الظنونُ عَواصِفُ
وفي هذا البيت يعود الشاعر ليتذكر بداياته في كتابة الشعر، والتي يشبهها الشاعر هنا بالرياحين الندية، وهو يسأل هل ما زلت تذكر تلك القصائد الندية التي كتبتها على الرغم أن الظنون كانت كبيرة وعاصفة؟

وحيثُ لِسَانُ الوقتِ يَجْرَحُ حَرْفَهُ = وحيثُ قُصَاصَاتُ السؤالِ صَحائِفُ
وفي هذا البيت يصف طبيعة ذلك الزمن الذي ترك فيه الذكريات. وهو في هذا البيت يشخصن الزمن ويجعل له لسان.
ولا شك أن هذا الشطر كناية عن الحالة النفسية التي كانت تسيطر على الشاعر في تلك المرحلة الزمنية، وفيه كان الزمن يجرح الشاعر ( ربما لصعوبة الظروف) فينعكس ذلك على حروفه وقصائده.
وربما يريد الشاعر هنا أن يصف لنا شكوكه التي كانت تسيطر عليه أحيانا فتجعله متشكك في الوصول إلى النجومية والشهرة ولكنه وحيث حقق النجاح يستعجل نفسه للامساك بالقلم من جديد.

مَتَى يَشْرَئِبُّ النَّجمُ مِن شُرْفَةِالمدَى؟ = سُؤالٌ لِأسوارِ الإجَابَةِ ناسِفُ
وفي هذا البيت يشبه الشاعر نفسه بالنجم الذي ( يشرئب ) أي الذي يظهر من شرفة المدى وكأنه شخص يمد عنقه، وهو حتما يتساءل متى يظهر نجمكَ ويترفع؟ أيها القادم من المدى البعيد.
لكنه سؤال ليس في مكناه، فهو لا يحتاج إلى أجابه، لان النجم قد وصل ، والمقصود به هنا (الشاعر) وهو موجود أصلا من خلال ما حققه من نجاخات سابقة. وليس هناك حاجة لانتظار ظهوره من المدى البعيد.

وَنادَيْتَ عِشْتارَ القصيدةِ أنْضَعِي = نسِيغَكِ فوقَ الجِذعِ، فالغُصنُ راجِفُ
وفي هذا البيت يقول الشاعر انه خاطب آلهة الشعر (عشتار القصيدة )، وعشتار هي آلهة الخصب ولكن المقصود هنا هو وحي الشعر، وهو منبع الشعر لديه..
مناديا أيها ويطلب منها أن تضع وشمها ( نسيغ ) أي الوشم أو الأثر( القصائد) فوق الجذع، وفي ذلك كناية عن حث الشاعر نفسه على الإقدام على كتابة القصائد التي شبهها بوضع الوشم على الجذع المرتجف. وربما الارتجاف سببه الخشية من فقدان القدرة على الكتابة الجميلة.

ألم تعْلمِي أنِّي عَصِيٌّ بنِينَوَى = وأنِّيَ طَوَّافٌ عَنِ النهرِ عَازفُ؟
وهو في هذا البيت ما يزال يخاطب آلهة القصيدة ( عشتار القصيدة) ويقول لها ألا تدرين بأنني في حالة جعلتني غير قادر على الكتابة ( عصي بنينوى )، وأصبحت عازف عن قول الشعر..الذي سبق ان تدفق مني مثل النهر..
فلا تترددي يا آلهة الشعر أن تطلقي لنفسك العنان لتضعي نسيغك من جديد فوق الجذع المرتجف.

إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ وَطِئْتُهُ = أليْسَ لِأسْمَاكِي لديهِ زَعانِفُ
وإنِّي لَمَوْلودٌ بِزاوِيَةِ الرِّضَا = وَلَكِنَّ ظِلَّ الحُلمِ في القلبِ وَارفُ
وَإنِّي لِفَتقِ الأمْنِيَاتِ لَرَاتِقٌ = وإنِّي لِنَعْلِ القافِيَاتِ لَخَاصِفُ