عرض مشاركة واحدة
قديم 07-13-2011, 08:42 AM
المشاركة 25
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

تعالوا معي الآن نستكشف خفايا وأعماق الفقرة الثالثة والتي تنص على "


كم أكره هذا الجو الفجري.. قبل الذروة وقبل النشاط الذي يصبح عليه العالم حولي إلا أنا.. بعد قليل ستشرق الشمس ليشتد ضوؤها النحاسي أكثر وسأشعر بالوحشة.. كم أكره النهار.. النهار الشتوي ذي السماء العارية.. برياح متدلية تستمر حتى العصر.. أشعر به قاسيا كشفرات حلاقة لامعة, خصوصا إن لازمه انفلونزا كالعادة.. بدأت أشعر بذلك منذ تخرجي من الثانوية, وشعوري بالفراغ القاتل.. لقد تحولت لثقبٍ أسود للهموم".

طبعا نجد القاص يبدأ الفقرة برمز كودي آخر، الله فقط يعلم مغزاه أو معناه الكودي، وهو حرف الطاء هذه المرة، وهو الحرف الثاني من كلمة عاطل عند كتابتها بالمقلوب (ل ط أ ع ).

ونجد القاص في هذه الفقرة والتي تحتوي على 65 كلمة يكرر كلمات لها علاقة بالمشاعر والأحاسيس احد عشر مرة ( اكره، سأشعر، وحشه، أكره، اشعر، قاسيا، أشعر، وشعوري، فراغ، قاتل، للهموم) وهو أمر له وقع مهول على مشاعر المتلقي فيجد نفسه وكأنه يعيش الحدث.

ونجد القاص يوظف النقائض من جديد فهو من ناحية يتحدث عن العتمة واللون الأصفر وجو الكآبة ومن ناحية أخرى يتحدث عن ذلك الجو ألفجري. جو النشاط الذي يصبح عليه العالم ونقيضه جو الكسل والفراغ القاتل الذي يصبح عليه هو. ثم ذكر والشمس والفجر وفي المقابل ذكر نقضها الثقب الأسود وتوظيف هذه المتناقضات له سحر على عقل المتلقي.

كما أن القاص في هذه الفقرة يستمر في تصوير جو النص ورسم المشهد ببراعة وجمال فني خلاب وبديع بريشة الفنان المرهف الإحساس والقادر على توظيف الألوان، لتكتمل في ذهن المتلقي صورة مشهد الحدث، وجو النص الذي يكاد يتجسد في النص لشدة براعة القاص على الوصف الجميل وبناء المشهد. فهو هنا يضيف للصورة التي بدأ في رسمها في الفقرة الأولى مزيدا من الألوان فالجو من ناحية، فجري، فيه الشمس على وشك أن تشرق، لتلقي بضوئها النحاسي، في ذلك اليوم الشتوي، شديد البرودة، كون أن السماء عارية، وتسافر عبرها رياح متدلية.

وكل ذلك يوظف من قبل القاص ببراعة ليعكس حالة البطل النفسية، لا بل ليعمق وصف حالة الكآبة التي يعاني منها البطل، تلك الحالة النفسية التي من ناحية تملؤها مشاعر الكره لذلك الجو ألفجري على الرغم من جماله الخلاب وأضواءه النحاسية، وعلى الرغم انه يمثل ولادة للنشاط والذروة، ومن ناحية أخرى تشعر البطل بالوحشة والإحساس بالبرودة القارصة لرياح الشتاء المتدلية من سماء عارية، والتي لها على البطل وقع مهول أشبه ما يكون بشفرات حلاقة لامعة، مما يزيد من شعور البطل بالفراغ القاتل، فيتحول ذلك البطل ليس فقط إلى إنسان كئيب وإنما إلى ثقب اسود يبتلع كل هموم الدنيا فهو ليس كئيب فقط بل الكآبة السوداء بعينها.

ونجد في النص مزيد من الكلمات التي تدل على الحركة ( النشاط )، وذلك من العناصر الجمالية التي لها اثر مهول على المتلقي.

وفيها أيضا مزيد من الألوان (ضوء نحاسي، اسود) وهي أيضا عناصر جمال بالغة التأثير. وفيه وصف غاية في الجمال (فالجو فجري، سماء عارية، ورياح متدلية، ونهار كشفرات حلاقة لامعة، وفراغ قاتل، وثقب اسود).

وفي الفقرة تشخيص إذ صور القاص السماء وكأنها امرأة عارية، ونهار قاطع مثل شفرات الحلاقة، والفراغ وكأنه إنسان قادر على القتل.

وهنا نجد القاص يستكمل بناء الشخصية ببراعة أيضا، ويدفعنا للإحساس بهموم البطل ووحشته وكآبته، ونكاد نستشعر ذلك الجو الكئيب، وتلك الرياح الباردة المتدلية من تلك السماء العارية التي تعصف بالبطل، ونكاد نستشعر بألم تلك الشفرات اللامعة التي يحس بها البطل تقطع اوصاله، كل ذلك على الرغم من جمال تلك اللحظة الصباحية التي تسبق شروق الشمس بقليل، فيعزز صفة الكآبة التي رسمها في الفقرة الأولى لا بل يبدع في رسم الشخصية إلى حد أن شخصية البطل تتحول إلى ثقب اسود فيجذب المتلقي ليتعاطف معه أو ربما يكرهه بل يمقته على تلك الكآبة والوحشة والفراغ القاتل.

وفي ذلك ما يشير إلى قدرة الكاتب على رسم شخوصه ببراعة مهولة وكأن البطل تحول إلى كائن حي وليس شخصية في قصة.
يتبع،،