الموضوع: المركا
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-17-2017, 07:10 PM
المشاركة 2
مبارك الحمود
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[justify]لقد حدث ذلك, في يوم مغبر اختفت كلها, كل المراكي من جميع أرجاء القبيلة, لم يستطع الشيخ فادي تصديق ذلك, وشعر بسبب ذلك بالعار حينما أتاه ضيوف من قبيلة أخرى.. قرر مؤقتا إحضار كراسٍ بدلا من ذلك, ولكنه شعر بإهانة شديدة حينما زاره شيخ قبيلة أخرى, فلقد أصيب الضيف بموجة ضحك مستمرة حتى ذهابه, وبقيت أصداء ضحكاته تتردد لعدة أيام من خلف الكثبان.
اتفقت الآراء والروايات-تقريبا- على أن ذلك بدأ من طرد شيخهم, لذلك الدخيل الهارب من ملاحقة القبيلة المجاورة, لقتله قريب شيخها. ورغم ذلك لم يستطيعوا معرفة كيف حدث ذلك, وكان آخر خبر وصلهم حينما دخل الراعي عليهم وهو يلهث, وأقسم لهم بطلاق امرأته ثلاثا -رغم أنه غير متزوج- أنه رأى قطيعا من المراكي تركض في الجهة الشرقية من الشعيب..
وغير ذلك لم يحدث أي تغير في تلك الفترة غير التوتر الذي يزيد مع الأيام, وكان لذلك بعض الضحايا مثل القهوجي الجديد, الذي لم تمر سنة على تواجده في بيت شعر الشيخ, حتى تم طرده وإحضار آخر لإزالة الشك الذي حام حوله.. ولكن بالرغم من ذلك استمرت المراكي بالاختفاء.. مما اضطر الشيخ لجعل بعض أعوانه مراكٍ له ولمقربيه ولضيوفه.
مرت الشهور والأوضاع كما هي, المراكي العديدة التي يشتريها الشيخ تختفي في لحظة, بدون سبب وبدون سابق إنذار, تختفي في أوقات تختار بعناية..
أخيرا ظهر بصيص أمل حينما سرت إشاعة أن هناك خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف.. ذهب الشيخ مع حاشيته.. ووجدوا الخربوش المتهالك يجلس فيه طاعن بالسن.. ركض الشيخ إلى المركا وضمه, وتلوى عليه وتبطح وشمشمه.. أخبرهم المسن أن هذا المركا يعود إلى جده أبوطخة, وأنه لن يتنازل عنه, لكن الشيخ أصر على أخذه, وقال حينما يعود أبو طخة من قبره, أخبره عن أن المركا هرب.. رجع الشيخ لبيته حاملا مركاه بين جوانحه كطفل من أطفاله, وعيون العشيرة تنظر إليه بشغف, وهو يحاول أن يمنعهم من الاقتراب منه.. ربط المركا بقدمه جيدا بسلسلة حديدية, ونام..
في منتصف الليل شعر الشيخ بحركة بجانبه, أقرب للرجفة, رفع رأسه, ولم يشعر سوى بشيء يسحبه بقوة, وينطلق به إلى المساحة الشاسعة من الصحراء, كان المركا ينطلق بسرعة كبيرة, والشيخ ببشته يتخبط خلفه مستسلما, يمر به على الصخور والأشواك, ويكنس به الرمال..
سحبه مسافة طويلة, وقدم الشيخ تنزف دما من طوق الحديد الذي حولها, غير الكدمات والرضوخ بكل جسده من الجر الشديد على الأرض, حتى لاح مع الأفق أنوار لضفة مدينة.. أوصله لمكان تنثال إليه المراكي من أماكن عدة, ينظر لها وهي تدخل إلى مصنع تدوير.. أصابه الرعب وهو يراها تلقي بنفسها إلى حاوية, وتتطاير أشلاؤها ونتفها الأسفنجية, حاول الانفكاك من السلسلة لكن بلاجدوى. ارتفعت يداه فجأة وبقوة إلى فوق ونزع بشته نفسه منه, نظر الشيخ منصدما إليه والبشت يطير بعيدا في الأفق كطائر أسطوري, قبل أن يدخل النشارة لتتفرقع أشلاؤه عاليا, ويعم بعدها صمت الصحراء المهيب.[/justify]