الموضوع: ذاكرة زمن
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
23

المشاهدات
12368
 
عبدالسلام حمزة
كاتب وأديب

اوسمتي


عبدالسلام حمزة is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,945

+التقييم
0.57

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة

رقم العضوية
8997
08-18-2010, 11:24 PM
المشاركة 1
08-18-2010, 11:24 PM
المشاركة 1
افتراضي ذاكرة زمن


إيه ٍ يا حلب .. يا مدينة الحياة !

تهفوا نفسي وتحن للماضي دوما ً أحسُّ كأن مرساة سفينتي عالقة هناك ؟ حيث تركت قلبي ,

تأخذني خواطري إلى التاريخ , إلى سنين عشتها لا أعرف فيها من الدنيا سوى الحب والعلم والصداقات .

آه يا مدينتي ... كم آلمتني عندما زرتك آخرة مرة ! لم تحتويني ولم تضميني كما كنت تفعلين ؟ رأيتك كحبيبة غير وجهها الزمان !

بحثت في الشوارع عن ذاتي و على الأرصفة .. والبريد .. وساحتك العامة .. وفي الحدائق ...

وفي دروب مشيتها بين أحيائك القديمة والحديثة .. والمقاهي التي جلست فيها , والمطاعم التي احتوت ضحكاتنا وأحلامنا ومستقبلنا ,

همسات وأحلام وطموحات ... نبل وحب الخير والصفاء .. وأناس لا يحلمون إلا بالخير والعلم والثقافة , ومثالية السلوك !

بحثت عن ذاتي طويلا ً .. تغيرت ملامحك والأبنية والشوارع , نهضت على صدرك جسور جديدة .. ومدخلك قد غيروه , حاولت أن لا أستعجل غربتي


بحثت عن ذاتي في بعض الأماكن الباقية ... حاولت استرجاع ذاتي ... ذهبت إلى كليتي .. إلى مقاعد دراستي .. إلى ساحتي .. ساحة الجامعة

حيث لحظات اللقاء بعد الغياب , حيث قلق وامتداد دقائق الأنتظار ..

والابتسامة التي تكسوا الوجوه عند رؤية الأحباب , و هم يلوّحون من بعيد استعجالا ً لفرحتهم.. فرح العيون بعد الامتحان , وبرنامج اللهو بعد الانتهاء ..

مهرجانات السينما والشعر . .. نقاشات الثقافة والأصالة .. ومعارض الرسم والفنانين .. ورحلات إلى حيث الجمال ..

سعادة النجاح وصدق المشاعر وجمال المستقبل الذي كنا نحلم به , كان زادنا دائما ً لميلاد اللحظات الجميلة ,

حتى الخصام كان بريئا ً .. وما أجمل العتاب والخصام ودلال المحبين .

بحثت في المساجد التي ضمتني , ذهبت إلى محطة القطار أسألها عن أمتعتي الثقيلة والحمّال الذي كان يهرول لمساعدتي

عن ذكرياتي وفناجين القهوة الممزوجة برائحة الدخان ,

وصفير القطار وفرحة اكتشاف الأماكن الجديدة عندما كان وسيلتنا الرائعة للسفر ..

بحثت في كل الأحياء التي عشت فيها .. لم أجدني ؟ !

لم يكن يدور في خلدي يوما ً بأني سأدخل طاحونة الحياة وبأن صوتي وصياحي سيحجبه ضجيجها و زحمة التنافس عليها

بحثت ولم أجد الوجوه التي كنت أعرفها , ومن وجدته , كان قد ضاع في خضم الحياة !

هل هو القلب الرقيق ؟ أم الحب والحنين ؟ أم إنه الزمان والغربة ..

لم أحض َ بهوايتي المفضلة : ( السير تحت المطر ) . كانت إجازتي بالصيف .

لملمت أشلائي من بقايا الأمكنة , ذهبت دونما حاجة إلى الأماكن القديمة ربما لأبحث بين طيّات التاريخ عن رائحتي ,

أبحث عني .. بين ركام المّارة في جداول الورق المهترئ والتي لم يعد يبالي بها أحد !

من يسأل في هذه الزحمة عن العراقة ؟ .. عن التاريخ ؟ فقد تغيرت الحياة وتبدلت أولوياتها

صرخت بصوت يمزق التاريخ , بأني مررت من هنا واحببت هنا وتألمت هنا .. وكانت آمالي هنا ..

تكلمت مع كبار السن , قلبت معهم دفاترهم و ذكرياتهم ..

وكم استغرب رجل مسن يحرس مكانا ً أثريا ً ! عندما دعوته على الغذاء ؟ كان هذا عاديا ً فيما مضى .. أما الآن فالمخاوف تحجب الناس عن بعضها ؟

بحثت في قلبه وحديثه عن الطيبة التي اُغتيلت .. عن الشرف الذي ضاع في زحمة الشوراع , ودروب لقمة العيش !

بحثت طويلا ً عن ذاتي .. كان الخواء أكبر مني وأعظم , وأحسست بالعجز يشلني , ويأمرني بأن أغادر , فلم يعد قلبي يحتمل الوحشة

فحبيبتي التي كانت .. ! أصبح لها وجه آخر .. فالمدن كما بدا لي , لها دورة حياة كالإنسان .

وتبقين يا حلب حبي الذي كان ....