عرض مشاركة واحدة
قديم 09-05-2010, 01:21 PM
المشاركة 32
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
المروحة والغبار




سؤال: أيها الشاعر هل تريد هدم القصور على رؤوس أصحابها؟
جواب: لا، أريد فقط أن أتنهد أمام أسوارها.
سؤال: أيها الصحافي، هل تريد هدم السجون؟
جواب: لا. أريد فقط أن لا أكون من نزلائها.
سؤال: أيها المسرحي، هل تريد الاستيلاء على كرسي وزير أو سفير؟
جواب: لا، حتى عند الحلاق صرت أجلس على طراحة.
سؤال: أيها الكاتب بشكل عام، هل تريد مزرعة وجياداً وكلاب حراسة؟
جواب: لا، ولكنني لا أريد أن أنبح معها.
أيتها المرحلة العربية المباركة، يا ذات القلب الأبيض والأظافر الحمراء.
الخروف يعيش على الكلأ.
والأرنب على الجزر.
والثعلب على الدجاج.
والغراب على الأطلال.
والكاتب الذي هو، ليس خروفاً، ولا أرنباً، ولا ثعلباً، ولا غراباً، وانما انسان له أنف وعينان، وأذنان، ومعدة، وبنكرياس، وحجاب حاجز، وأظافر، وزائدة دودية، وكرامة ... على ماذا يعيش؟ على الخطابات؟
لأنني منذ رأيت الطيور تأكل الحب ، والإنسان يأكل الطيور، قلت: المعدة هي برلمان العالم.
ثم القاتل يعبر عن رأيه بمسدسه.
والجلاد بسوطه.
والحداد بمطرقته.
والغانية بحواجبها.
والراقصة بخصرها.
والكاتب الذي هو ليس قاتلاً، ولا جلاداً، ولا حداد، ولا غانية ولا راقصة، بماذا يعبر عن رأيه؟ وكيف؟ صهيلاً كالجواد؟ أم عواء كالذئب؟
في نهاية كل سطر، جندي نازي بمعطفه الرمادي وبندقيته الطويلة.
في نهاية كل قصيدة ، حاجز تفتيش.
في نهاية كل رواية، مجلس طواريء.
وفي نهاية كل مسرحية، مؤتمر قمة.
فاذا لم يستطع الكاتب العربي، وفي أدق مرحلة تمر بها أمته، أن يعبر عن رأيه لا في الماضي، ولا في الحاضر، ولا في المستقبل، ولا في حرب لبنان، ولا في حرب الخليج، ولا في حرب الصحراء، ولا عن كامب دايفيد، ولا عن المقاومة، فماذا يكتب؟ عن وحام الأميرة ديانا!
ثم في هذه المرحلة بالذات حيث تفيض الأرض العربية بالدماء والأشلاء، والسماء بالرائحين والغادين، لعقد صفقات البيع والشراء، اذا لم يستطع أن يتحرك لا أدبياً، ولا مهنياً، ولا اقليمياً، ولا وحدوياً، فهل يضع سلة بيض في زاوية المكتب، أو المطبعة، ويرقد فوقها كالدجاجة حتى تمر هذه المرحلة؟
* * * *


مأساة الكاتب العربي، أنه يقضي زهرة شبابه وكهولته، وشيخوخته، وهو يقفز لاهثاً، مذعوراً من الصحافة، إلى المسرح، إلى الشعر، إلى القصة، إلى الصفحة الأولى، إلى الصفحة الأخيرة. وفي نهاية العمر، لا يجد ما يتبلغ به سوى دمه، وحطام أظافره.
ومع ذلك، ما زالت الجمارك والموانيء العربية، تستقبل على مدار السنة آلاف المطابع الجديدة. وما زالت هذه المطابع تهدر على مدار الساعة، وتقذف كل يوم وكل ساعة بآلاف الكتب الجديدة، والمجلات الجديدة الأسماء الجديدة. ولكن وأنت تطالع هذهالمجلة، وتتصفح ذلك الكتاب لا ترى غبار القدم بين السطور فحسب، بل خيوط العنكبوت في كل ما حولك بين خيوط المطر، وتويجات الزهرة، وأصابع الطفل الوليد.
ولذلك ما جدوى اصدار كتب جديدة؟
وشق طرق جديدة؟
وركوب سيارات جديدة.
وإجراء انتخابات جديدة.
بل ما جدوى ان ننتعل أحذية جديدة.
ونرتدي معاطف جديدة.
ومايوهات جديدة.
والوطن عتيق ... عتيق ...؟