عرض مشاركة واحدة
قديم 02-09-2014, 09:50 AM
المشاركة 1097
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وألان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية -45- الرهينةزيد مطيع دماج اليمن


- جاءت "الرهينة"، على ما قد يؤخذ عليها، أكثر نضجاً من قصصه.

- هذه الرواية واحدة من أعمال يمنية قليلة تخطت حدود اليمن عربياً وعالمياً.

- على الصعيد العالمي ترجمت الرهينة إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية، وعلى الصعيد العربي صدرت في طبعات كثيرة، منها طبعتان عن داري الآداب والريس.

- كما صدرت في أيلول/سبتمبر 1998 ضمن مشروع كتاب في جريدة فضمن لها الإصدار الأخير انتشاراً واسعاً في الوطن العربي يتخطى صعوبات انتقال الكتاب بين الأقطار العربية، كما يتجاوز قراء الكتاب ليصل إلى شريحة أوسع من القراء هم قراء الجرائد الذين لا يقتنون الكتب إلا نادراً.

- وما يهمنا هنا أن المقرر أساساً ضمن المشروع كان إصدار قصص مختارة لدماج، كما هو مدون ضمن قائمة الكتب المختارة، ولا ندري متى ولم كان التغيير من القصص إلى الرواية، على أننا نرجح أن ذلك عائد إلى تميز رواية دماج على قصصه القصيرة.

- إذا كان عامة القراء يخلطون أحياناً بين الراوي والروائي، وهو أمر مفهوم قد يتفنن الكتاب في الإيحاء به، فإن الكتاب أنفسهم كثيراً ما يقعون في مثل هذا، فيرسمون شخصياتهم على نحو ما رأوا بأعينهم من ناحية، وعلى الصورة المثلى التي يحلمون هم بأن يكونوا عليها من ناحية ثانية. ولا يبدو لنا أن دماج كان بعيداً عن هذا وهو يرسم لنا صورة "الرهينة".

- فقد قدّمه لنا على ما ينبغي له أن يكون: بطلاً بمعنى البطولة لا بمعنى الشخصية الروائية الرئيسة فحسب. ..فهو ذكي (ينجح في مسعاه إلى الهرب)، وهو "رجل" (يحبّ فلا يقوده الحبّ إلى التنازل عن كرامته)، وهو جميل (تتغزل حفصة بجماله قائلة: أنت حالي قبل أن تكون دويداراً).

- لا نستطيع أن نصنف دماج على أنه كاتب واقعي أو ينتمي إلى المدرسة الواقعية.

- ولم يكن بالتأكيد واقعياً اشتراكياً.

- وإن تأكيد مصداقية ما يرويه من انحلال خلقي في قصور الطغمة الإمامية من مصادر تاريخية وشهادات إضافية لا يضفي عليه صفة الواقعية، وإن بدا في هذا الجانب مفرطاً في الواقعية إلى درجة تفوق المألوف كما سنرى.

- وإذا كان لا بد من تصنيفه، فهو في رأيي كان رومنسياً ثورياً في "الرهينة". ذلك أنه صور لنا الشخصية الأولى بطلاً لا عيب فيه، ولا تنال منه المصاعب والعقبات، ولا تحول دون تحقيق غايته التي رسمها، وهي الفرار.

- حضور الجنس في الرهينة بارز يتجاوز المألوف في الفن الروائي العربي. فدماج من القلائل النادرين وربما يكون الوحيد الذي تطرق إلى بعض العلاقات التي نعدها شاذة. ومن ذلك انتهاك الإنسان الذكر للحيوان، وانتهاك الذكر البالغ للذكر القاصر، وانتهاك المرأة البالغة للذكر اليافع. وقد جاء كل ذلك موظّفاً لهجاء أحوال يكون الانحراف الجنسي مظهراً صارخاً لشذوذها العام، ويكون الانتهاك الجنسي عنواناً لانتهاك كل ما هو جميل في مختلف جوانب الحياة.

- وهكذا تنطوي هذه "الواقعية السوداء الفضائحية" التي لا تبالي بخدش المشاعر ترميزاً صادماً لواقع يتجاوزها كماً ونوعاً.

- إن الجنس في الرهينة، وإن أوحى ظاهراً بِأجواء ألف ليلية، تشدّ بغرائبيتها قارئاً غربياً ناعم البال، أو قارئاً عربياً مسكوناً بحرمان حقيقي أو نفسي، لم يأت بقصد الإثارة الرخيصة، ولم يؤد إلى شيء من ذلك، بقدر ما أضفى على الأجواء ظلالاً من انعدام الإنسانية في الممارسات الإنسانية، وهو ما يرمز في الآخر إلى انعدامها المطلق في ظرف شاذ يهين الإنسان ويجرّده من شموخه.

- وإذا كان الجنس، بطبيعته الفيزيولوجية، صالحاً للترميز، مما جعله رمزاً لا يبلى للعلاقات الانتهاكية (ولا سيما - في الرواية العربية - في علاقة الـ شرق/غرب) فإن دماج، كما ألمحنا، يتفرّد بأن يقدّم انتهاك الذكر (الدويدار) رمزاً لانتهاك الشعب (مذكر)، انتهاكاً مباشراً، وليس من خلال انتهاك أنثاه على المعتاد.

- إن هذا التفرد عند دماج، ليس رغبة في التميّز المجاني، بل هو تعبير مباشر، لا يرعوي عن مواجهة الحقيقة المفجعة بأعين مفتوحة، تعمّد الكثيرون - بدوافع نبيلة مفهومة - إلى إغلاقها. وإذا استقرأنا التاريخ الحديث وجدنا هذا المسلك شائعاً في التعامل مع الأسرى من ضيوف الـ كاجي بي في أرخبيل بولاخ إلى ضيوف الديمقراطية العبرية من شيوخ حزب الله، وما هو غير معلن - لا نريد الإعلان عنه - أكثر وأفظع بكثير.

- على أن دماج في واقعيته السوداء الفضائحية لم يستطع أن يخرج عن رومنسيته الثورية التي أشرنا إليها، فهذه الرومنسية بما تنطوي عليه من بطولة استثنائية وأمل برّاق منعت رهينته هو من أن تكون ضحية لانتهاك نسائي، وجعلته في علاقة عاطفية مع الشريفة حفصة (أخت النائب، الجميلة المطلقة)، وتركت هذا الانتهاك للدويدار الحالي، كما منعته من الانتهاك الذكوري وتركته لدويدار ولي العهد (قال بتخنث واضح: أنا؟ أنا لا "أريد" منك شيئاً! الشريفة حفصة أصرّت عليّ باستدعائك. ولا أدري ماذا "تريد" منك؟ ف2)، أما انتهاك البغلة (الزعفرانة) بوصفه الأكثر دناءة فتركته للطبشي العجوز، ليكون رمزاً لاستعداد زبانية النظام لأكثر الأعمال دناءة في حق الناس.