الموضوع: إنتقام ممطر
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
5400
 
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة

روان عبد الكريم is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
238

+التقييم
0.04

تاريخ التسجيل
Aug 2009

الاقامة

رقم العضوية
7565
08-08-2010, 11:37 AM
المشاركة 1
08-08-2010, 11:37 AM
المشاركة 1
افتراضي إنتقام ممطر

ذات صباح ماطر استحال فيه المسير , إلتجأت للمقهى الصغير القابع فى هدوء ، فى ركن منعزل عن العالم , ألتمس قليلاً من الدفء وبعضا من القهوة المرة ، وشرعت أُنجز بعض المقالات الصحفية المطلوبة على الكومبيوتر المحمول خاصتى.

حينما أتت النادلة بقدح القهوة ، وبعض الفطائر المحلاة المدفوعة مقدماً ، نظرت بإمتعاض إلى جسدى المترهل ، وتساءلت فى سخرية :-
متى أٌمارس حمية ما... ، ثم هززت رأسى فى فتور متمتماً :
بضع فطيرات لن تزيد الطين بله .... نظرت للزجاج العاكس للكومبيوتر ، أرقب جسدى مرة أخرى ، وأقارنه بأجساد الآخرين . وهواية التلصص هذه ليست جريمة فى عالمنا الصحفى ، وخاصة اذا كان الأمر يتعلق بالحسناء الجالسة فى توتر ، فى أقصى الركن خلفى تماماً ، ترمق بقايا مشروب ما ، فى سكون متناقض مع هدير الأمطار العاصفة ،... تضرب الزجاج خلفها بلا شفقة ، وهى تنقر بأصابع طويلة مترفة ، المفرش أمامها ، بينما تعبث يدها الأخرى فى شعرها الأسود الحائر على كتفيها فى إنسدالة عابثة .

حينما أغمضت عينيها ، وهدأ جسدها فى المقعد الوثير ، غمغمت فى سخرية -
:
إمرأة تشعر بالملل لا ريب , وكنت بدأت أشعر بالسأم من الموقف الراكد ، إلا إنه فجأة اهتز جسدها وارتعش ، وجلست منتصبة كقمرية وادعة ، ترمق الباب فى حزن ، ظهر فى إلتماعة الدموع فى عينيها ، وإلتفاف ذراعيها حول صدرها ،وإرتعاشة جسدها بشكل مثير للشفقة ... مما جعلنى التفت بقوة بدورى، لأرمق الرجل الوسيم القادم عبر الباب , حيث جلس لتوه مع فاتنة أخرى ذات وجه ملائكى وجسد رقيق . كانت صورة متناقضة من تللك الثاثرة ، ذات الدماء الحارة ، ببشرتها الزيتونية ، وفمها الممتلئ ، التى ترمقهما فى ألم....هالنى إنحناءة رأسها على المنضدة ، وانسكاب المشروب على ثوبها الأسود كمزاجها ، بينما انكسرت أغصان شجرة فى الخارج ، وترنحت بقوة على الزجاج خلفها.

صدرت ضحكة رقيقة من الفتاة الأخرى ، القابعة فى طمأنينة ، ويدها ترقد فى يد الوسيم ...تبتسم له فى أنوثة ، بينما ترمق السمراء فى إلتفاتة جانبية متشفية ، فاتت الرجل المسحور بدلالها , أو لم تفته.

لبثت أرمقها فى تعاطف ، وهى تمسح عينيها بأطراف أناملها خلسة ، حتى لا يلحظها الحبيب الغادر ، والنادل يمسح الفوضى أمامها ، وصاحبنا يرمقها فى لامبالاة فجأة ، ثم ينهمك فى حديث دافئ مع الشقراء الماكرة ؛ كى يزيد ألمها ، ويسكن نصله الحاد بين ضلوعها. نظرتُ إليه فى غيظ ، ثم عدت للتى أسرتنى بألمها ، أرقبُها مرة أخرى ، وقد عقدت حاجبيها فى غضب هذه المرة ، وتركزت نظرتها على ظهرى , فقد انكشف تلصصى ، وهممت بغلق الكومبيوتر. ...لم ألحظها تنهض ... ثم تقف أمامى ، قائلة :-
- هل تسمح لى ؟
أومات بوجه متصبب من العرق ، رغم الجو الغارق فى المطر ، وقد جلست أمامى ، ترمق وجهى المتورد ، بينما تشبك اصابعها أمام وجهها متمتمة:-

أعرفك , أنت شهير يا سيدى , صحفى ومقدم تلفزيونى أليس كذلك ؟!
أغمضت عينى ، وقد أخذتنى مودتها المفاجئة ، بعد أن توقعت أن تصب على جام غضبها وألمها ، ولكن تلك الابتسامة الرائعة غير المبررة ، وقد أنارت وجهها حيرتنى كثيراً ، وهى تتمطأ كقطة خجولة ، وتجلس فى دعة ، كأنها تعرفنى منذ زمن بعيد .
سألتها ، وقد أخذتنى المفاجأة :-
هل أنت بخير ؟ ما اسمك؟
أغمضت عينيها نصف إغماضة ، بطريقة عفوية مثيرة ، وابتسمت كطفلة شقية:
لا يهم اختر ما شئت !
كانت قد هدأت واسترخت ، وهى ترتشف العصير الذى طلبته لها , كنت مأخوذاً بها ، وقد تناسيت الوسيم وصاحبته الشقراء ، وهم يتلصصون هذه المرة بينما تقدم لى الكأس المملوءة للنصف ، وتقربه من فمى ،هامسة فى دفء:-
افعل لى معروفاً ، وارتشف قليلاً منه .
حاولت إبعاد اليد عن فمى ، حين تبين لى غرضها الشرير ، إلا أن يدها الأخرى أمسكت برسغى ؛ فانصعت راضياً مسحوراً.
قالت وهى ترجع جسدها فى هدوء :-
-أحسنت
-هتفت ببلاهة:
ماذا؟
هزت رأسها فى لامبالاة :-
لا شىء ..، فقط شكراً للمساعدة ... نهضت ، وهى تحكم معطفها الأحمر الصوفى حول جسدها ، وقد نهضت بدورى ألعن جسدى المترهل خاصتى . قبلتنى فى خدى ، ثم مضت بجسدها اليافع عبر الباب ، دون أدنى التفاتة لى ، أو للشقراء المهزومة المنكسرة ، مع انكسار الغصن الثانى للشجرة ، أو للوسيم الذى وضع رأسه بين يديه ، وقد توترت ملامحه فى غضب وغيرة , ...يرمقها تمضى عبر الباب ، ثم يرقبها فى هيام عبر الزجاج ، تمد إصبعاً للمطر ، ثم تتذوقه فى دعة ، بينما تعبث الريح بجنون ولهو ، بشعرها الليلى ، وتزيده عبثاً فوق عبث