عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2012, 03:32 PM
المشاركة 775
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ليلى عسيران ..فدائية الكتاب

تجُول الذكريات السوداء في سماء المرء كغيمة تشربت وتكونت من جراح الماضي لكي تسكب غيث دموعها على منبسط الحاضر، من الذاكرة المتيبسة بالأحزان ، لتحدث سيلاً يزحف جارفاً أبواب المآسي، لكي يصب في بحر من اللاوعي من عقل كل طفولة ترى هذه الذكريات من نافذة الانتقاص النفسي بمجرد الوقوف على ملامحها في العقل. هذه هي ذكريات الحرب والقمع والهزيمة وآثار الهرب والنزوح والهجرة، وأطلال الخوف والبؤس والضياع كانت بارِزة في سرديات وقصصيات الكتّاب اللبنانيين، الذين ورثوا وعايشوا مأساة فلسطين ثمانية وأربعين، وتفاصيل تفاصيل الحرب اللبنانية، واجتياح إسرائيل والحرب الأهلية في سنوات بؤس كادت، بل وأثرت في الأدب اللبناني الروائي في مختلف أحقاب حربها، التي جسدت الكثير من المعاني والتأثيرات على النفس من قِبل من استضافت ذكرياتها الغامضة لكي تتمثل في ذروة روائع الكتابة، فجعلها من أصحاب الريادة في الأدب الروائي النسائي، فــ"ليلى عسيران" المرأة التي مرت بالعديد من التجارب الغير العادية في فترة زمنية كانت أكثر ما عليه من أحداث تاريخية شهدتها الأمة العربية والتي انفعلت وتفاعلت معها وكمنت في داخلها شعور وصفته بأنه يفوق عظمة الحب بين الإنسان والآخر.

"ليلى عسيران" ذات رؤيا بمنظار العروبة والوطنية التي أخذت تحكم به من خلال كتاباتها، الذي يجعلنا لا نستغرب من تحورّها من صحفية من صفحات الأزياء والمرآة إلى التغطيات الميدانية السياسية، فكان لشغفها وولعها دور كبير في تميزها في هذا الموقع محققةً من خلاله أكثر من سبق صحفي، وكان من أهمها تغطيتها لمحاولة انقلاب اللواء"أبو نوار" على ملك الأردن عام 1957 ف، وانفرادها بمقابلة معه بعد فشله في هذه المحاولة وفراره إلى سورية، أما حماسها السياسي فكان سبباً في خروجها في العديد من المظاهرات ما بين مؤيدة ومناهضة واشتراكها في العديد من الاتحادات الطلابية، فكان بداية تعمق نشاطها السياسي عند استشهاد أحد زملائها في أول مظاهرة لها لنصرة الرئيس المصري "جمال عبد الناصر" بعد توقيعه لصفقة السلاح مع "تشيكوسلوفاكيا".

وما كان في حياة هذه الكاتبة يذكرنا مرة أخرى بقصة الغموض، مشبهاً بساحة من الظلماء تتضح شيئاً فشيئاً في ظل وجود بقعة ضوء، فكانت بدايتها من إرساليات الرؤية الغامضة التي توحي بأنها ستصبح عازفة بيانو عالمية أو كاتبة كبيرة، فكانت بداية ظهور هذه الموهبة المكتشفة كأنها تحقق الوعد الإلهي المبشر به، فكانت أول بادِرة من قبل الرسام والصحافي "أحمد بهاء الدين" في الصحافة، وتطورت كما سبق الحديث حتى وصلت إلى منعطف قادها إلى الخوض في غمار الروايات الخيالية كان أهمها "حوار بلا كلمات في غيبوبة"، والتحدث عن تجربة الحرب وذعر سنوات الحرب اللبنانية كما في روايتيها "قلعة الأسطى" و "جسر الحجر" الرواية الأخيرة، التي أمعنت فيها النظر والتي أصفها كنموذج من روايات "نتاج الحروب" تحدثت فيها عن قصة جسر العبور للوطن، ودور المواطن المتمثل في شخصية "رضا" الطامح لإزالة الفقر والظلم، السبب الذي جعله يلتحق بأحد أحزاب الحركة الوطنية فاشتعلت الحرب التي شارك فيها في ظل أمله الملتهب في تحقيق آماله فكانت آثار هذه الحرب تجر الخيبة والهزيمة، فعاش في مجتمعه في صورة الرجل "الميت الحي" ثم يبدأ يتصل بأفراد مجتمعه، ويقرر بناء جسر ليخرج من ظلمة اكتئابه وصراعه النفسي وللعبور لوطنه، ويحدث اتصال بينه وبين قرينته مما يبث في نفسه الأمل للعودة وتنظيم مجموعات مقاومة، حيث تكلفت أحداث هذه القصة الوصول إلى استنتاج وفكرة تحمل في مضمونها أن الاستقلال يأتي لا ريب فيه متمثلاً ذلك في الجسر الذي من الممكن أن يبنى بالصبر والتضحية والاستشهاد للعبور إلى أسمى غايات القتال، وهي الحرية، وفي نهاية هذه اللمحة عن أهم مستأثرات الأدب اللبناني والذي إذا ما حاولت أن أقف في وصفه أجد نفسي في عجز تام وفي وقفة لا تكاد تعبّر عن نفسها، لا أقول أنها وقفة انبهار واستغراب بل وقفة أقل ما توصف به وقفة احترام لكتّاب الحرب الذين جعلت النزعات منهم أكثر العارفين بماهية الحقيقة، فنظرتْ لها ليلى عسيران في روايتها "لن نموت غداً" بأن: "ليس في حياتنا حقيقة واحدة مهما كبرت أو صغرت، نستطيع أن نتأكد من وجودها إلا الموت.. ألسنا شجعاناً إذ نمضي في الحياة كما لو كانت أزلية؟".