عرض مشاركة واحدة
قديم 01-22-2014, 09:56 AM
المشاركة 480
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع.. العناصر التي صنعت الروعة في رواية -21- موبي-ديك، للمؤلف هيرمان ميلفيل

- هذه الرواية عبارة عن رحلة، سفينة الياقوطة تنتظرك على ميناء نينتاكت، و لكي تستمتع و تفهم ما يدور حولك ينوي ميلفيل أن يمطرك بكل معلومة أو تفصيل يمكن أن يكون له دخل بالتحويت.

- النقطة الثانية تخص موضوع القصة، فإذا كانت القصة تستخدم الحوت الأبيض كرمزٍ لفوضوية الطبيعة و فوضوية الإرادة المدبرة لتلك الطبيعة فمن الأحرى أن يكون بناء القصة أيضاً فوضوياً لا يسكن إلى نسق.

- في واحد من أجمل فصول الرواية (عن بياض الحيتان) يقول إسماعيل أن اللون الأبيض هو لون مرعب لأنه غياب الألوان و اجتماعها في نفس الوقت، إنه الكل و العدم، إنه لون اللانهاية.

- في فصلٍ آخر لا يقل روعة (عن الحيتان في اللوحات، في الأسنان، في الخشب، في الأعمدة، في الصخور، في الجبال، و في النجوم) يجعل إسماعيل الحوت مشهداً متواجدا في كل مظاهر الطبيعة، بل تستطيع أن تراه فوقك في قبة الفلك و في النجوم.

- الحوت رمز لفوضى الطبيعة و اضطرابها، و لذا حقّ للرواية أن تكون فوضى عارمة.

- الرواية لا تسكن إلى بناء ولا تتخذ أسلوبا واحدا، بل لو سألتني أن أصفها لك لقلت: "اقطع خمسمئة صفحة من موسوعة عن الحيتان، مئة صفحة من إحدى مسرحيات شكسبير، مئة صفحة من إحدى روايات مغامرات البحر بلسان راوٍ أول، و عندها سوف تخرج لك موبي ديك."

- ميلفيل لم يستخدم هذا الأسلوب الفوضوي عَرَضا أو لأن الرواية آنذاك كانت في بواكيرها كما يدعي البعض، لقد اتخذت الرواية شكلها الخاص قبل ميلفيل عن طريق كتاب كبار مثل والتر سكوت و ثاكري و ديكنز، بل إن روايات ميلفيل السابقة typee, omo كانت روايات تقليدية ذات بناء و نسق واضحين، و لكن لأن الرواية تتحدث عن بطل يثور على فوضى الطبيعة و لا معقوليتها، كان من الجدير بميلفيل أن يعمد إلى هذه الطريقة الفوضوية في كتابتها، و التي جعلت منها شيئا كبيرا لا نهائيا ضخما أشبه بالكون.

- هناك نقطة لم يُشار إليها كثيراً و هي الكوميديا المتفجرة في سطور النص. لا أتذكر رواية كنتُ أضحك بصوتٍ عالٍ و أنا أقرأها كما حدث مع دون كيخوته و موبي ديك.

- الكوميديا في موبي ديك تعتمد بشكل عالٍ على اللغة أكثر من اعتمادها على الموقف، و لهذا يغيب الكثير من سحر الرواية بعد ترجمتها.

- في واحدٍ من أكثر المشاهد التي أضحكتني في الرواية، يتفاجأ إسماعيل أثناء إبحار الباقوطة بركلةٍ من مالك السفينة على مؤخرته. إسماعيل و نحن لسنا مستعدين لهذه الركلة، إذ أن إسماعيل عودنا على أن يكون كاميرتنا السلبية في الرواية، هو يراقب و يصف بدون أن يكون له دور إيجابي أو فعال. هكذا أراد ميلفيل أن يجعله.

- و لكن عندما تبحر السفينة يعتري مالكيها هياج غريب قبل توديعها، إنها فرصتهما الوحيدة كي يمارسا حياتهما الماضية (فلقد كانا بحارة فيما مضى) قبل أن يودعا السفينة.

- إنها اللحظة الأكثر حركة في النص، الكل يسحب و يتسلق و يجر و يحمل، بينما صرخات مالك السفينة القبطان بيليج تتعالى: Spring.. Spring.. "فزّوا على أرجلكم، اكسروا عواميدكم الفقرية شغلاً".. و لكن إسماعيل اعتاد و عودنا على أن يقف مراقبا يصف و حسب، ليُراع فجأة برجل القبطان بيليج و هي تركل مؤخرته.

- ميلفيل كان من العبقرية بمكان ليصنع هذه الركلة التي ذكرت إسماعيل و ذكرتنا أنه ليس من الكافي أن نراقب و حسب، بل إننا متورطون حتى أخمص قدمينا وسط الرحلة الكوميدية لا تأتي من الموقف و حسب، و إنما باللغة الملتوية المضحكة التي يصف إسماعيل بواسطتها الموقف.

- الكثير من النقاد يجزم أن موبي ديك عندما بدأت في عقل ميلفيل كانت فقط مشروع مغامرة صيد حيتان، إلا أن صداقة هوثورن التي بدأت سنة 1850 م جعلت ميلفيل يغير روايته مئة و ثمانين درجة ليجعلها رحلة ميتافيزيقية رمزية هي الأشهر في الأدب الأمريكي.

- الأمر لا يحطّ من شأن ميلفيل، فكما اقترح بوشكين موضوع رواية غوغول الأشهر (نفوس ميتة) كذلك فعل هوثورن. هو لم يقترح الموضوع و إنما غير الهدف و الأسلوب.

- هناك فصل بالغ الغرابة في رواية موبي ديك هو الفصل الثاني و العشرون The Lee Shore يرثي فيه ميلفيل إحدى شخصياته التي لم تظهر سوى مرة واحدة في بداية الرواية! كل من قرأ الرواية يتعجب من هذا الفصل و لا يفهمه، أما أنا فإني أفهمه كشاهدِ قبر يضعه ميلفيل فوق بطل مخطوطة روايته الأولى.

-كان ميلفيل يريد أن يكتب رواية مغامرات و صيد حيتان، و اختار لبطولتها شخصية أسماها بولكينجتون Bugkigton، ثم حدث و قابل هوثورن، و قرأ له، و تناقش معه في تلك الأمسيات الممتعة التي قضاها في منزله، ليتغير مشروع الرواية، و لينبثق القبطان إيهاب و الحوت الأبيض موبي ديك.