عرض مشاركة واحدة
قديم 10-04-2011, 01:50 PM
المشاركة 1090
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فيرجينيا وولف

يتيمة صهرتها بوتقة البؤس فكان انتحارها آخر صرخاتها...

إن المآسي تصهر الإنسان في بوتقة البؤس، كما يقول حنا مينه، وتحوله إلى إنسان خارق، ومبدع، وعبقري، أو ربما تدفعه إلى الجنون، وفي أحيان يكون الانتحار هو السبيل الوحيد للخلاص مما يعتمل في ثنايا الذهن بفعل كيمياء الدماغ، وتلك الطاقة المهولة التي تتشكل في الدماغ، فتجعله يخرج عن السيطرة ويفقد توازنه.

يبدو أن هذا هو حال فرجينيا وولف التي صهرتها مآسي حياتها فعمل عقلها بحده الأقصى، وحولتها طاقات ذهنها المهولة إلى أديبة مبدعة في أعلى حالات الإبداع، حيث كانت قادرة على إنتاج واحدة من روائع الأدب العالمي ( مدام دالواي)، والتي تعتبر واحدة من أروع 100 رواية عالمية حسب تصنيف من مجلة التايمز اللندنية.

ونجد أن مآسي فرجينيا وولف قد تعددت وتراكمت..فقد ولدت في أسرة لأب أرمل، تزوج امرأة أرملة فاجتمع في البيت أطفال ثلاثة اسر.

وربما وكنتيجة لتلك الظروف وصعوبة السيطرة على الوضع تعرضت فرجينيا وولف منذ طفولتها إلى اعتداءات جنسية متكررة من أخوها غير الشقيق. ثم تعرضت لفقدان الأم، حيث تيتمت في أهم مرحلة من مراحل حياتها كفتاة حينما ماتت الأم وفرجينيا في سن الثالثة عشرة.

عند ذلك أصبحت الأخت الكبرى الأم البديلة، لكنها ما لبثت أن ماتت هي أيضا عندما كانت فرجينيا في سن الخامسة عشرة.

وعندما مات والدها، والتي كانت ترتبط معه بعلاقة متينة، وهي في سن الثانية والعشرين، ارتفع منسوب كيمياء الدماغ والطاقة الذهنية المتفجرة إلى حد أدى إلى إصابتها بأول انهيار عصبي.

وازداد منسوب الطاقة المتفجرة في ذهنها إلى مستويات أعلى بكثير عندما مات أخوها وهي في سن السادسة والعشرين...مما أدى إلى انهيار عصبي طويل هذه المرة وأكثر عمقا وحدة.

لقد منحت هذه المحن فرجينيا وولف طاقات ذهنية هائلة، وعلى الرغم من أنها لم تذهب إلى المدرسة بالشكل التقليدي لكنها تحولت وبفعل تلك الطاقات الذهنية إلى أديبة مرموقة، بل أصبحت واحدة من أهم الشخصيات الأدبية البريطانية، وكانت قادرة على إنتاج واحدة من روائع الأدب العالمي.

وخلاصة القول،،
ربما أن لجوء فرجيينا وولف لاستخدام أسلوب التداعي الحر Stream of consciousness في الكتابة لم يكن وليد الصدفة أو تقليد أعمى لجيمس جويس، بل هو ما أمتله الحاجة النفسية الرهيبة التي كانت تعتمل في ذهن فرجينيا وولف على اثر تعدد وتراكم مآسي حياتها وكان التفريغ الإبداعي الحر هو وسيلتها لتحقيق شيء من التوازن.

ولا غرابة إذا أن رواياتها كانت عبارة عن صرخات لإيقاظ الضمير الإنساني كما يقال، فهذه الروايات بمثابة صرخات فرجينيا وولف نفسها، التي صهرها الألم والبؤس والكآبة فصرخت إبداعا غاية في التأثير وصرخت ألما شديدا من واقع ما الم بها واعتمل في ذهنها.

ولا احد يعرف تحديدا مدى تقبل المجتمع لتلك العبقرية خاصة أنها تأتي من أنثى في مجتمع ذكوري، وربما أن عدم الاعتراف بتلك العبقرية ساهم مساهمة كبيرة في زيادة حدة العزلة، والغربة، والبؤس، والكآبة التي كانت تعصف بذهن فرجينيا وولف لتعدد مآسي حياتها، فارتدت طاقات الذهن المهولة إلى الداخل، فتسبب في فقدان السيطرة، فكانت الانهيارات العصبية هي النتيجة الحتمية.

ومع استمرار المآسي والمصاعب وعلى اثر زيادة حدة تأثير كيمياء الدماغ وتدفقات الطاقة الذهنية المهولة التي لم تجد طريقها إلى التفريغ الايجابي، كان من الطبيعي أن يحدث مزيد من الأزمات النفسية، وان يخرج دماغ فرجيينا وولف عن نطاق السيطرة فكان الانتحار هو سبيلها للتخلص من ألمها.

من هنا يبدو أن انتحار فرجينيا وولف هو امتداد لصرخاتها التي ضمنتها رواياتها لإيقاظ الضمير الإنساني، لكن هذه الصرخات خرجت هذه المرة بصورة سلبية بعد أن زاد منسوب كيمياء الدماغ، فتفجرت فيه طاقات تعذر السيطرة عليها في ظل ظروف شديدة المأساوية ومجتمع شديد الظلم والقسوة على امرأة صهرتها بوتقة من الألم الرهيب.