عرض مشاركة واحدة
قديم 10-02-2011, 12:26 PM
المشاركة 1088
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
جوزف كنراد

يعتبر جوزف كنراد واحد من أعظم كتاب الرواية على الإطلاق، ويبدو اثره في ادب كل من جاء بعده من الكتاب.

كما انه الروائي الوحيد الذي تمكن من تأليف ثلاثة روايات تعتبر من روائع الأدب العالمي، من ضمن قائمة المائة رواية التي تم اختيارها من قبل مؤسسات تعليمية وصحفية بريطانية.
ولو أننا دققنا في صفاته، وسماته، وقدراته الأخرى لوجدنا انه من العباقرة الاستثنائيين، فقد كان يمتلك ذاكرة فوتوغرافية، وكان قادرا على تَعلّمْ عدة لغات واحدة منها كانت اللغة الانجليزية التي تعلمها بعد أن تجاوز عامه العشرين.، ولكنه، وعلى الرغم من ذلك، كتب معظم رواياته بها وأبدع إبداعا منقطع النظير، اكسبه شهرة عالمية وجعله خالدا وقدوة لمن أراد أن يكتب روايات ذات عمق وتتصف بالروعة من حيث الموضوع والأفكار والمعالجة والاثر.

إذا باختصار نحن أمام رجل أسطوري، عبقري واستثنائي في قدراته الابداعية، وهو ما يشير وحسب "نظريتي في تفسير الطاقة الإبداعية" إلى أن تجربة حياته كانت مريرة وشديدة المأساوية.

وحينما ندقق في سيرة حياته نجده قد عاش فعلا حياة الم شديد، كما توفرت له بيئة ساعدت على بلورة مهارة الكتابة الإبداعية الرائعة. فقد كان أبوه أديبا وهذا ما وفر له الفرصة للاطلاع على الأدب منذ نعومة أظافره. لكن مثل تلك البيئة ما كانت لتؤدي إلى نتيجة لولا رحلة الآلام إلى عاشاها، وتجرع خلالها كل صنوف الألم، والبؤس، والشقاء، وكأنه ظل يعيش على حافة الموت طول عمره.

وكان أولى الصدمات التي تلقاها جوزف كنراد هي نفي والده البولندي عقاب له على مشاركة في أعمال ثورية إلى منطقة نائية في سيبريا يصعب العيش فيها. وجاء ذلك النفي من قبل الجيش الروسي في حينه وكان عمر جوزف كنراد عندها أربعة سنوات، لتلحق به العائلة إلى ذلك المنفى بعد وقت قصير...ولا شك أن ذلك أدى إلى أن تعيش العائلة حياة بؤس وفقر شديد.
وفقط بعد أربع سنوات أي حينما كان جوزف كنراد في الثامنة ماتت الأم...ولا شك أن في موت الأم الكثير من الألم لأنه في الغالب ما يؤدي إلى فقدان الأب أيضا..

وقد فقد جوزف كنراد فعلا الأب في سن الثانية عشرة حيث مات، فاكتملت حلقات اليتم والألم التي عصفت به، وربما أدت إلى تشرده في مثل ذلك السن... ولا احد يعرف تحديدا ماذا كانت ظروفه عند عمه، وما حجم الألم الذي أصابه هناك.
ولم يتوقف الألم عنده عند ذلك الحد، بل ظل ملازما له طوال عمره، وقد عمقت تجربته في العمل بالبحر شعوره بالعزلة، والوحدة، والخوف من الموت الذي تهب رياحه كما يقول حنا منيه، مع كل موجة.

ونجد أن البحر بما يمثله من صراع في أعلى حالاته كان مصدر لإلهام أكثر من واحد من عباقرة الرواية مثل حنا مينه، وهمنوجوي مؤلف رواية الشيخ والبحر وهرمن ملفلل مؤلف رواية موبي دك.

وخلاصة القول،
هنا وفي هذا المثال ( عند جوزف كنراد ) نرى بوضوح تلك العلاقة المفترضة بين العبقرية، والروعة والغزارة، والجزالة، والقوة في التأثير في الإنتاج الإبداعي، ومآسي الطفولة والألم وعلى رأسها اليتم، والتي تؤدي في مجموعها إلى ذلك الدفق في كيمياء الدماغ، تلك الكيمياء التي تمثل السر في تشكل طاقة هائلة تتناسب طرديا مع حجم الآلام والمآسي.

ومع توفر القدوة والبيئة المناسبة التي تسمح بتحصيل تراكم أدبي في مثل هذه الحالة نجد أن ذهن ذلك اليتيم يكون قادرا على إنتاج روايات عبقرية وليست كالروايات.

ولا شك أن للبحر اثر عظيم نجده هنا وعند حنا مينه، وغيرهم كثير.

كما نعرف عندها بأن كلمات نزار قباني كانت "كلمات ليست كالكلمات" لان مصدرها كان الم الطفولة بموت أمه المبكر، ثم انتحار أخته وهو صغير لرفضها الزواج من شخص لا تحبه.

إن عبقرية جوزف كنراد لهي مثال جيد على تلك العلاقة المزعومة بين اليتم والالم في ابشع صوره والعبقرية في أعلى حالاتها...

والسر يكمن دائما في كيمياء الدماغ.

يتبع،،