عرض مشاركة واحدة
قديم 12-23-2010, 11:09 AM
المشاركة 120
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (23)




صحراء النفس



صحراءَ نفسيْ أَلفتُ الرملَ ملتهبا
فهاتِ صمتَكِ يسكرْ خمرُه العنبا


جفَّتْ ينابيعُ عمري فاستهنتُ بها
ورحتُ أشربُ دمعَ العينِ مُنسكبا


فبعدَ صارخةِ الستينَ لستُ أرى
إلا المواجعَ والعزمَ والذي نَضَبا


تسلَّلَ الحزنُ للقلبِ الذي عرفتْ
دقَّاتُه صحبةَ الآمالِ يومَ صَبا


كانتْ شرايينُه تسابُ في جسدي
نوراً وعطراً وإلهاماً ونهرَ صِبا


وكنتُ أُودِعُه الأسرارَ يحفظُها
حتى أطلَّ على الستينَ فانقلبا


أفشى جميعَ الذي استودعتُه ومضى
يذيعُ من موطنِ الأسرارِ ما رَغِبا


* * *

أسرفتَ يا خافقي بالبوحِ مبتهلاً
إليَّ حتى أُداري كبوتي كَذِبا


وكيفَ أكتمُ ما بيْ من جوىً وأسىً
وكلَّ يومٍ أرى حيني قد اقتربا


لعلَّني باخعٌ نفسي وذا قدري
وكيفُ أهربُ منه بعد ما كُتِبا


فكم حدوتُ رجائي واستبدَّ به
وهمٌ فأفلتَ من أصفادِه وحَبا


حتى إذا اشتدَّ لم أبلغْ به أَرَباً
إذ راحَ يحلُمُ حتى ضيَّعَ الأَربا


واليومَ يصرخُ بالستين يدفعُها
إلى النهوضِ فناءَ القلبُ واضطربا


* * *

تأنقي يا رؤايَ الخُضرَ وانتظري
كيما أردَّ من الألوانِ ما سُلبا


كانتْ غريراتُ أحلامي تراودُني
عن نفسِها يومَ خِلتُ المبتدا لَعِبا


مرَّتْ بساحِ أماني العمرِ مسرجةً
شرخَ الشبابِ لنجمِ السعدِ حين خَبا


حتى وصلتُ إلى ما ليس يحسدُني
عليه غرٌّ أضاعَ العمرَ مُنتحبا


فكم تمنَّيتُ ان أحظى ببارقةٍ
وأحتسي من لَمى الآمالِ ما عَذُبا


* * *

لا تُسرعي يا خُطا عُمْري على مَهَلٍ
لعلَّني أمسكُ الوردَ الذي انسربا


لا تنكري وَلهي يوم امتطيتُ إلى
شعابِ مجدكِ شوقاً رابضاً وَثِبا


تواثَبي يا عزيزاتي فإنَّ دمي
وقفٌ لكلِّ جوادٍ في السباقِ كبا


لا ترجُميني بماضٍ كم سكبتُ له
روحي ليشربَ كأسَ السَّعدِ ما شربا


وراحَ يبحثُ عن لمعِ السرابِ على
وعد ٍمع النفسِ أن يَحظى بما طلبا


لكنَّه عاد ملفوفاً بخيبته
مطوَّقاً بالدَّواهي أينما ذهبا


* * *

واليومَ يا جمرةَ العمرِ التي خَمدتْ
ما كان أغلاكِ لو أحرقتِ ما صَعبا

ما كان أحلاكِ نوراً أستضيءُ به
من غيرِ أنْ تُحرقي الشِّريان والعصبا


حتى غدوتُ رماداً فوق مُتكأٍ
من السنين إذا ما اهتزَّ صرتُ هَبا


* * *

يا جمرةَ العمرِ كم بدَّدتُ عاصفةً
وكم شهرتُ بوجهِ الذلِّ سيفَ إِبا


وكم رأيتُ شياطيني تُطاردني
وكم عدوتُ على شوكِ الضَّنى هربا


* * *

يا غُصَّةً في دمي ما زلتُ أمنحُها
طيبَ المقامِ فراحتْ تنتشي طربا

أرهقتِ كلَّ شراييني و أوردتي
وكنتُ بالأمسِ غرَّاً أجهلُ السببا


واليومَ أستنفرُ الآلامَ تشحذُني
لأكملَ العمرَ منفيَّاً ومغتربا


أدلِّلُ النارَ في قلبي فتُحرقُه
وكم نفختُ بمِزماري فما التهبا


فغازليني بأهدابِ الرمادِ على
وعدٍ تَصوَّفَ في محرابِه رهِبا


وواعديني فما تنفكُّ أوردتي
تغازلُ الهمَّ والأوهامَ والتعبا


لا تصلبيني على جرحِ الهوى ثَمِلا
فأقتلُ الحبَّ ما في جرحهُ صَلبا


وقرِّبيني إلى نهدِ الحياةِ فما
أزالُ أُبعدُ عني نهدَها كَذِبا


وحاذري أن أرى عينيْ تُكذِّبُني
أو أنْ أرى وجهَ من أحببتُ مكتئِبا



13-4-1999