عرض مشاركة واحدة
قديم 06-13-2016, 09:26 PM
المشاركة 32
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جئت أكادير، في عطلة الربيع ، دار عمي اكتمل طابقها السفلي ، نتسلق السّلالم و ننظر إلى الشارع من سطح البيت المسوّر ، أنا وعبد المالك نطوف أيت ملول جيئة وذهابا ، نركب الحافلات ونتوجه إلى انزكان و من ثم نسير على أقدامنا إلى الدشيرة ، في سوقها نتابع السيرك ، حائط الموت ، درّاجيّ يتسلق بدرّاجته النّارية حائطا خشبيا دائريا ، تسير الدراجة بأقصى سرعتها ، نشاهده من أعلى ، يخطف الخطفة كأنه يقصدنا فيعود إلى المنتصف ، يا إلهي ، يلف وجهه بقطعة قماش ، يضم يديه إلى صدره ، ماذا تفعل يا بهلوان ، لو سقطت لأصبحت ماء و ملحا . يشغل السّيرك ساحة واسعة من سويقة الدّشيرة ، هناك توجد محلبة يعمل فيها ابن عمتي ابراهيم ، تذكرون أن أمّه ماتت منذ زمان بعد مولدي بقليل ، أبوه اشترى منزلا في الدشيرة، لا أعلم لم غادر إبراهيم المدرسة، رأيته مرة واحدة من قبل، عندما أحضره عمّي عبدالسّلام مع أخته إلى الملت ذات عطلة وقت كنت في تاركا ، يومها حسبته قارئا ماهرا، ساعدني في إنجاز عقوبة في اللغة الفرنسية، ما أذكره جيّدا هو انسيابية خطه المتموج ، يده ترسم بسهولة . لا يهم الآن هو صاحب المحلبة ، أبوه يعمل في أوروبا و زوجة أبيه تسكن هنا في الدشيرة و كذا أخته ، ناس طيبون ، لماذا جئت إلى هنا ، عمّي عبد السلام هو من يأخذ بيد إبراهيم و يساعده في تسيير المشروع ، عمّي يتكون في معهد التكنولوجيا التطبيقية ، قريبا سيصبح تقنيا في مجال الهندسة ، يعطينا عمي العصير ، و نأكل الميلفوي ، نتقدم ونتفرج على الفأر ، حلقة ضخمة ، في وسطها يوجد فأر ظريف داخل آنية بعد أن توزع كل الأوراق و يراهن المتحلّقون على أرقام البيوت ، عندها سيتم رفع الآنية عن الفأر ، فينطلق الصّياح في به مطاردة للفأر الأبيض الجميل بأرجله الحمراء ، حتى ظننته آتيا نحوي يريد استيطان البيت الذي يجاورني إذ به يعود جاريا إلى بيت آخر ربما ظنه آمنا . أعلن الفائز بالرّهان ، اختر جائزتك ، برّاد أو صينية أو كؤوس ، في البوق يهنئ المنشط الفائز و تنطلق الأنغام بقوة معلنة بداية جولة أخرى ، راقصات هن من يوزعن الأرقام مقابل بعض الدّريهمات ، تمتدّ الأيادي إلى أجسادهن ، يضحكن ويحاولن إخفاء أصواتهن الرجولية ، إنهم إذن رجال تنكروا بحرفية في أجساد نساء .
مساء والليل أسدل ستائره على الساحة القليلة إضاءتها، قمنا نحو الأرجوحات ، طوال الأيام الماضية أرى أطفالا يصغرونني وهم يتأرجحون بمرونة باغلة ، بل منهم من لا يحتاج لمن يدفع أرجوحته فهو بنفسه يصعد على أحد أطرافها ليضغط ، يبدأء التأرجح شيئا فشيئا حتى يصبح جنونيا ، حسبتني سأفعل مثلهم و أكثر ، فأنا أتارجح في القرية بين الأشجار كالبرق ، و أنا أمارس الأشغال الفلاحية الشّاقة ، ممّا يجعل جسمي صلبا قويّا ، سأترجح بسهولة ، جلست واستويت دفع صاحب الأراجيح قليلا ، رجعت إليه ودفعني دفعا زائدا ، يا إلهي ، يتنمل جسمي ، يتعرق جبيني ، زاد صاحبنا في الدفع فانطلق لساني مستغيثا ، و قد دارت الدّنيا من حولي دورانا مريعا ، وصّاه عمّي بالمزيد من الدّفع ، فبدأت أصيح بلا توقف حتى أجبرتهم على إيقاف الأرجوحة اللّعينة التي كادت تسقطني من على ظهرها كفرس جامحة . منذ ذلك الحين و أنا أبتعد عن ألعاب السيرك .