عرض مشاركة واحدة
قديم 03-28-2012, 12:24 PM
المشاركة 341
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الكاتب المغربي مبارك ربيع لـ"المستقبل":
تجربتي في الكتابة السردية لم تنفصل عن تصور للحرية والحركية والتجدد






الرباط ـ رضا الأعرجي
تمثل (طوق اليمام) الصادرة عن دار نشر "المركز الثقافي العربي" في بيروت، تجربة متميزة بين أعمال الكاتب المغربي مبارك ربيع. ففي هذه الرواية يخوض تجربة الكتابة عن البحر كعالم جديد ولكن ليس بالموضع الطارئ في ذاكرته، حيث يبدو كحياة يومية، بل الحياة نفسها، إلى الحد الذي يصبح فيه شخصية من شخصيات الرواية.
وكما في أعماله الأخرى، يقدم مبارك ربيع نفسه إلى القارئ ككاتب لا تشكل الكتابة بالنسبة إليه معضلة، حين يختبر عمق القول لا أدائيته أو جماليته، وإذا كان التساؤل حول وظيفة الأدب يشغل اليوم بال الكتاب والمنظرين على السواء، فإن التفكير في جدوى القراءة لن يحتل موقعا مركزيا لقارئ (طوق اليمام)، حين تصبح التجربة الروائية هي التجربة الذاتية. فمن خلال ذاكرة يقظة، يستعيد هذا القارئ، خصوصا إذا كان مغربيا، لحظات وقائع عاشها أو شهد عليها، حيث تقوم الرواية بتنظيم شتات الأحداث وتنسج العلاقات بينها بما يمكن أن يخص ذواتها ومحيطها، لتتحول بالتالي إلى لحظات من ذاكرته.
بدأ مبارك ربيع (الدار البيضاء 1940) مساره الإبداعي منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، وتميز بحصيلة من الأعمال سواء في حقل الرواية، أم في حقل القصة القصيرة، إلى جانب الدراسة والبحث كأستاذ جامعي متخصص في علم النفس، وتوج هذا المسار الحافل بعمله السردي الضخم (درب السلطان) الذي يعتبر أول ثلاثية روائية مغربية، تناولت عبر ثلاثة أجزاء هي (نور الطلبة)، (ظل الأحباس) و(نزهة البلدية) أحد أشهر أحياء مدينة الدار البيضاء، لينصف بذلك المدينة المغربية التي ظلت بعيدة عن الروائيين المغاربة وانشغالاتهم.
في هذا الحوار مع "المستقبل"، يتحدث مبارك عن عمله الأخير وعن تجربته الابداعية والرواية العربية والعالمية وحدود التفاعل الطبيعية بينهما، في هذه المرحلة الحضارية الفاصلة. وهذا نص الحوار:
***
ما هي القيمة المضافة لعملك الأخير )طوق اليمام)؟
ـ روايتي "طوق اليمام" تجربة جديدة في الكتابة الروائية قائمة على نوع من التداخل مع حياة البحر ومن التجربة الشخصية ومن العلاقات ذات الخصوصية المعينة. وتعتبر بالنسبة لي الكتابة عن البحر عالما جديدا وتجربة جديدة، وقد لقيت الرواية من طرف كل الذين اطلعوا عليها استجابة طيبة.
إن هذه التجربة الجديدة تلقي نظرة على مسار معين من مسارات الكتابة الروائية عندنا في المغرب، وأنا معتز بكل الأعمال الروائية التي أنجزتها لكنني اعتقد أن المتعة في قراءة "طوق اليمام"، تتجلى أساسا في قراءتها عبر مرحلتين. في المرحلة الأولى تكون العلاقة مع النص الروائي علاقة استمتاع وتوليد الانطباعات الأولية التي لا تتأسس على التمييز بين المفاصل. إنها مرحلة المتعة الكلية في القراءة. أما في المرحلة الثانية، فتكون العلاقة مع النص الروائي متجهة نحو اكتشاف التفاصيل وتحليل كل ما هو مرتبط بمكونات الحكي الروائي. إنها مرحلة القراءة النقدية.
اللغة والإبداع
كيف تنظر إلى موقع الرواية المغربية من الرواية العربية؟
ـ لا أريد أن أكون في موضع الذين كلما تحدثوا عن كل شيء في المغرب تحدثوا عنه بإظهار جانب القصور. فالرواية المغربية إذا قورنت بالرواية العربية في المشرق خاصة، من حيث الكم ومن حيث الممارسة لا تزال نماذجها قليلة، لكن من حيث الجودة فان هذه النماذج القليلة استطاعت أن تقدم ما لا يقل روعة عن أي نموذج روائي عربي، بل عن أي نموذج غربي. وأنا لا اقصد بالغربي ذلك الذي ينبهر بالنظرة الفلكلورية التي تعكسها بعض الكتابات المغربية، إنما أقصد من ينظر إلى الفن كفن لا أكثر.
وهل تدرج الرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية ضمن هذه النماذج؟
ـ لا اعتقد، وهذا رأي قد يخالفني فيه الكثير، لكنني قلت ذلك بصراحة دائماً وهو أن الأدب ينسب إلى لغته، حتى الفرس الذين كتبوا بالعربية ندخل إنتاجهم في الأدب العربي، والذين يكتبون بالفرنسية يدخل إنتاجهم في اللغة الفرنسية كإبداع، ولكن أدخل في أذهاننا إن هذا أدب مغربي مكتوب بالفرنسية، والأولى في نظري أن يقال انه أدب فرنسي كتبه مغاربة.
وإذا كانت بعض الدول الأفريقية التي ليس لها لغات مكتوبة أو تراث أدبي مكتوب قد اتخذت رسميا لغات غربية لأنها لا تستطيع أن تتثقف أو تبدع إلا عن طريقها، فهذا وضع شاذ، لان اللغة قد فرضت عليها، أما استعماريا أو للضرورة، ولكن هل يصدق الأمر على اللغة العربية؟
الفرانكوفونية
ولكن هناك من الكتاب المغاربة من يكتب باللغتين العربية والفرنسية؟
ـ هذا وضع مختلف بالنسبة لمن اعتاد الكتابة بلغته الأصلية وبلغة أخرى، لكن الذي لا يكتب إلا بالفرنسية كيف يريد أن يصبح أدبه مغربياً؟ اعتقد أن في هذا نوعاً من التمحل.
من الواقع إلى الأسطورة
تنحو في الكثير من رواياتك نحو التاريخ أو الأسطورة. ألا تجد في الحاضر ما يستحق الرصد والتسجيل؟
ـ قد تكون هذه الملاحظة، من الناحية المظهرية صحيحة، لكنها ليست صحيحة بدرجة كبيرة، لأنني لو كتبت عن طريق الأسطورة أو بإلهام منها، لا أعني إلا الحاضر، وأعتقد أن في كتاباتي شيئاً من ربط العلاقة بين الماضي والحاضر كمصدر إلهام.
أنا لا ارجع إلى الماضي لأتمسك به، بمعنى أن يكون هو مصدر القيم، فقيم الماضي هي نحن. أنا نفسي قيمة من قيم الماضي، ولكن علي أن أعيش الحاضر والمستقبل، فذهني وسلوكي ليسا نتاج الحاضر وحده، هما نتاج الماضي والحاضر، نتاج التراث والمعاصرة، وعندما استلهم الماضي أو الأسطورة فإنما أعني الحاضر والمستقبل، ولا يعني هذا إنني أعود اليهما دائماً، حيث أتناول الحاضر المباشر، في الوقت الذي أتناول أيضا الماضي أو الواقع الأسطوري.
ألا ترى أن كثيرا من الروايات العربية تحاول اقتفاء روايات عالمية استفادت في الماضي أو الأسطورة؟
ـ ما تقوله بالفعل يحيل علي أسئلة من هذا النوع مطروحة حول أعمال روائية عربية كلما ظهر عنصر من المشابهة في تعاملها مع الأسطورة.
أنا اعتقد إن الفن كالتكنولوجيا، كالموضة، عندما يبلغ مستوى من النضج الحضاري، تتفق الإنتاجات على معالم مشتركة، وبالنسبة لمن هو في خضم هذه العملية، وقد بلغ درجة النضج فيها، ليس من الضروري أن يقرأ "فلاناً" بالذات لكي يتشابه مع كتابته، يكفي أن يبلغ درجة النضج التي بلغها "فلان" لكي يكتب أثراً مشابهاً، بمعنى أن الإنتاج العالمي لفن من الفنون، في مرحلة من المراحل، يجب أن يبلغ درجة المعالم المشتركة التي تعني مستوى من النضج الحضاري.
لي رأي حول هذا الموضوع، ليس وليد الساعة، بل هو مختمر في ذهني منذ زمن. وربما استطعت في وقت من الأوقات أن أكون نظرية لشرح تطور الفنون، وخاصة في المجال الإبداعي، وهو يتلخص بالقول: "أن هناك مستوى من النضج يفرض نفسه على الأذهان الناضجة فتلتقي في نقط معينة". وبطبيعة الحال، لا يكون هناك نسخ حرفي، ولا يمكن مهما بلغ التشابه أن تكون روايتي هي رواية "فلان". قد تكون هناك عناصر مشتركة مثل كسر بعض القوالب، أو الاستعانة ببعض الرموز، لكن الرؤية إليها فقط تظل رؤية تجزيئية جداً للإبداع وغريبة عن تذوقه لأنها تجعلك تأتي للنص من خارجه، أي من داخل نص آخر.
الحد الفاصل
إذن، ما هو الحد الفاصل بين التقليد والتأصيل، التأثر والتأثير؟
ـ أعتقد أن كل مبدع، وفي ميدان الرواية بالخصوص، لابد أن يتأثر بكتاب أو شعراء أو روائيين أو مسرحيين، ومعنى يتأثر، أي قرأ وشاهد فاختزن شيئاً في نفسه غير محدد، لكن يبقى داخلها كما تبقى في نفسه آثار ثقافية أخرى. وعلى هذا النحو يتأثر بوقائع المجتمع التي يعيشها، وتظل تختمر في نفسه حتى تأتي اللحظة التي تأتلف فيها كل هذه المؤثرات لتصدر في شكل إبداع آخر.
إلى هنا وحدود التفاعل طبيعية وعادية. ولا يمكن أن تبلغ درجة النسخ أو التقليد. ولكن السؤال بعد ذلك هو كيف نستطيع أن نقول إن هذا جديد أو هذا قديم؟ واعتقد أن الجودة هي المعيار، فنحن لا نزال نقرأ القديم الذي نعجب به، والفن ينمو بهذا الشكل، لا يمحو بعضه بعضاً.
النموذج الكلاسيكي
أي من الكتاب أو الروائيين هم موضع اهتمامك؟
ـ لا أزال معجباً بالكتابات الكلاسيكية الروسية لأنها تمثل لي النموذج الروائي الأكبر بالنسبة للإنتاج العالمي. من الممكن أن نتجاوزها من حيث الشكل، لكنها بواقعيتها وبخيالها ما زالت قادرة على الإلهام والصمود، مثلما هي "كليلة ودمنة" أو "ألف ليلة وليلة" ليس في مكانتها في الأدب العربي فحسب، وإنما في مكانتها في الأدب الإنساني.
إذا كان هناك من يقول إن القصة القصيرة خرجت من معطف "غوغول" هل نستطيع أن نقول إن مبارك ربيع خرج من معطف الرواية الروسية؟
ـ أبداً. أبداً. أقرأ كثيراً، ومعجب جداً بهمنغواي وشتاينبك وأميل زولا، وإذا أردت اعترافاً مني فان قراءتي للرواية، حتى قبل أن أكتبها، لم تكن تسمح لي بالاختيار، إلا عندما تتاح لي فرص الاختيار، فأنا أقرأ ما أجده وما يقع أمامي.
ألاحظ انك تستعين بالأسماء الكلاسيكية، على أهميتها. ألا تغريك على القراءة أسماء أخرى؟
ـ أريد من هذا السؤال أن أقول شيئاً، وأرجو أن أكون قد عبرت عنه في كتاباتي، وهو أن التجديد للتجديد ليس هو كل شيء، فعندما أقرأ لهاني الراهب أو حنا مينا أو الطاهر وطار أو رشيد بوجدرة أو غائب طعمة فرمان أو عبد الرحمن منيف، أجد هماً مشتركا وهو أن المتناول لهذا الفن لا يمكن أن يبدأ من آخر نقطة بلغها، قد يكون في هذا بعض المجانبة للصواب، ولكنني أؤمن بأن المهتم سواء على مستوى الممارسة أو مستوى النقد لا يمكنه أن يقتصر على الجديد مطلقاً، وإلا فلن يفهم هذا الفن أبدا، وعندما أتحدث عن الفن الكلاسيكي أعني به منذ اليونان حتى الآن، وليس القرن السابع عشر أو التاسع عشر.
لماذا؟
بعد هذه الرحلة الطويلة مع الكتابة، هل تساءلت: لماذا أكتب؟
ـ أعتقد أنني لم أتساءل: لم أكتب؟ أو على الأصح، أن التساؤل على هذا النحو إن حصل، فهو لم يكن جديا ولا عميقا في نفسي، لعله من قبيل أسئلة تراود على السطح بفعل العادة أو التقليد، دون إثارة جدية اهتمام في الذات، رغم أن هذا الـ "لماذا" كثيرا ما أسمعه أو أقرأ عنه لدى زملاء آخرين.
كنت وما أزال في لسان حال يجيب عن تساؤل بنظيره: لم لا أكتب أمام وفي عالم ما يفتأ يسود ويسوء بسيادة العدم والغياب والضياع للقيم الإنسانية الجميلة، والمعاني السامية النبيلة، لما تعلمناه في مدرسة البراءة والحب والطفولة؟
أرى، أن الإبداع هو فضاء حريتنا المتبقي، أو هامشها المرن لكل تقلص وامتداد، والحرية أبجدية الوجودية الأولية الأولى، تلك التي فطرنا عليها، ونشأنا ـ بكل أسف ـ على الجهل بها، وحقنا في الإبداع، هو حقنا في الحرية والحلم، حق شخوصنا وفضاءاتنا، ولذلك لخصنا كل القيم النبيلة في الإنسان وما هو إنساني، ننقب عن صفاء الطبيعة في البشرية وفي الكون، ولعل منتهى مثل هذه المرونة والحرية في الفكر والفن، وفي الأداء والأداة، قد يفسر ما جعلني انصرف عن حق أو بدون حق، إلى ممارسة الكتابة في جنس الأدب السردي، لذلك، فان تجربة الكتابة السردية لم تنفصل عندي منذ البدء، عن تصور للحرية والحركية والتجدد.