عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2011, 11:19 AM
المشاركة 155
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع،،،

رسمت خطاً في الرمال

واستمر الراهب في نقد وتعرية الواقع العربي الفاسد في روايته الأخيرة «رسمت خطاً فى الرمال» والتي تعتبر من أفضل ما كتب خلال مسيرته الروائية، حيث تناول فيها الوضع العربي ككل من خلال رسمه لملامح الغزو العراقي للكويت وما تبع ذلك من احتلال الجيوش الأمريكية للكويت بذريعة حمايتها من العدو.
«كان قد مضى عليّ ثلاثة أشهر دون أن أتلقّى دولاراً واحداً، وعشرون شهراً وأنا بلا عمل. عندما انقطع رزقي بسبب الطول السياسي للساني، انفضّ من حولي تسعون بالمئة من أصدقائي ومئة بالمئة من دخلي. وبعد أشهر بدأت أبيع مقتنياتي، وأقترض. الصحف والمجلات التي كنت أكتب لها ـ أنا عيسى بن هشام ـ وجدت أن مقاماتي باتت تفتقر إلى النّكهة والنّكتة والطّعم واللون والرّائحة (كلّها دفعة واحدة). وتأسّف رؤساء التحرير لعدم استطاعتهم نشرها».
وقد استخدم الراهب في هذه الرواية نفس الأسلوب الذي استخدمه في رواية «ألف ليلة وليلتان» حيث استعان بالتراث ليستحضر شخصيات منه و يلبسها ثوب المعاصرة ليحملها أفكاره الثائرة على الواقع، حيث نجده يسخر من الماضي والحاضر والمستقبل عبر شخصيتي بديع الزمان الهمذاني وأبو فتح الإسكندري، لنقرأ معاً هذه الصورة الساخرة:
«وهكذا جثمت على خاطري معضلات الحياة الجاثمة على مدينة لماذا. كنت مسترخياً على الحصيرة في غبش البرودة والتهويم. أسندت ظهري إلى الجدار. نقلت عيني الغافلتين بين المحراب والمنبر وحروف الذهب البديعة على الجدران الأخرى: أنا عيسى بن هشام، الذي تمرّد على خالقه بديع الزّمان وقال له: "إما أن تجعلني غنيّاً بالمال أو غنياً بالكرامة، أما لا ذاك ولا تلك، فهذا فراق بيني وبينك.
أبو الفتح الإسكندري طويل اللسان. نحن لم نتكوّن في رحم أمّ واحدة. لكننا توأمان في كل شيء. لقد تكوّنا في رحم آخر هو مخ خالقنا بديع الزّمان. كان طبيعياً أن نبقى أسيري لغته إلى يوم القيامة. لكن لحظة انفطار واحدة، الانفطار الكبير، غيّرت كل شيء. هذا التكرار، تلك النمطية، ذلك السجع. تلك هي لغة بديع الزمان التي اعتبرها فقهاؤنا معجزة. أدخلنا فيها وتركنا هناك. وفي مدينة بخارى اتفقنا أن نغادر وجدان خالقنا وأن نتأبى عليه إلى الأبد. وأخذ أبو الفتح ينشد:
ويحك هذا الزّمان زور فلا يغرّنك الغرور
لا تلتزم حالة ولكن در بالليالي كما تدور
ويمّم شطر مدينة الإسكندرية.
أما أنا فهوت عن كاهلي قشور الأبدية وشممت روائح الزمن في مدينتي النديّة، هناك استقريت، وعزمت أن أكسب لقمتي بكرامتي. جلست بين شجرة المشمش وشجرة الورد. انتظرت مجيء دنيازاد لنحتفل معاً بشرب فنجان قهوة (تكرّمت جارتنا بإعارتنا أوقية من البن). الشجرات المثمرات التي زرعتها في الحديقة صارت مجرد عيدان، فأولاد الجيران تربّصوا بكل غصن ينبت فيها أو ورقة، وأسعدهم اقتطاعها، بقيت فقط صنوبرة ودفلى وزيتونة».
وهنا أيضاً يناجي الأخطل قائلاً:
«واندهش وهتف: ماذا دهاك أيها الأخطل؟ أراك عدت إلى عقلية الحجاج بن يوسف.
قلت: هات الحجاج بن يوسف وهو يهدم الكعبة فوق رؤوسهم.
قال: إما انك أسرفت في معاقرة الخمرة أو أنك استمعت إلى حكاية من شهرزاد، اقتلهم وهم في الحرم الشريف؟ لدينا وسائل أرقى بكثير لعلك نسيت أننا في القرن العشرين.
قلت: بل أنت نسيت أننا في القرن السابع.
فنبر بصوت ودود: بئس الشعراء إذ يعاقرون السياسة، حتى أنك لا تعرف أن الحجاج فتح دكاناً خاصاً به ولم يعد يخدمنا».
بعد ذلك ينتقل الكاتب للحديث عن الواقع العربي والتغير الذي اعتراه بعد حدوث معجزة النفط، وسعي أميركا للحصول على هذه الثروة بأي شكل، في هذه الصورة نرى الأمريكي يخاطب ربه ويطلب منه أن يباركه في الحرب التي سيفتعلها بين العرب للحصول على النفط منهم (ويقصد بها حرب الخليج الثانية)، يقول:
«ماذا نفعل بمعجزة النفط هذه؟ هؤلاء الجمالون أنفسهم يشترون ويشترون كل مشتقات الجنس والتكنولوجيا والترف، ومع ذلك تبقى لديهم بلايين الدولارات من مشتقات النفط. ويدعون أن هذا فضل منك، يجب أن نجد وسيلة لسحب هذا الادعاء. البترودولار يهدد الدولار.
نحن يا أبي- الأميركي مخاطباً ربه - مضطرون لتصحيح أخطاء المصادفات الجيولوجية. منذ سبعة عشر عاماً ومليارات البترودولار تتراكم في حسابات الجمالين هؤلاء، إننا نجعلهم يشترون ثلث ما يشتريه العالم كله من الأسلحة ومع ذلك لا تنضب ملياراتهم. وإذا حدث وتصالح حاكم واحد منهم مع شعبه فسنكون في خطر، سوف لن يكون مضطراً لطلب حمايتنا ولا لإيداع دولاراته في مصارفنا. (...) وأنا شخصياً لم أجد وسيلة لتعديل هذا الخلل المستطير في الجيولوجيا المالية إلا أن أجعل هؤلاء الجمالين يتحاربون فيما بينهم كما كانت عاداتهم من قبل محمد، ومن ثم يطلبون المساعدة منا. لأجل هذا يا أبى أعتقد أنك ستمنحني بسهولة البركة التي أطلبها لأمضي قدماً في هذه الحرب. ليتقدس اسمك. ليتعال ملكوتك كما في السماء كذلك في الأرض».
قراءة في أدب هاني الراهب (شاكر فريد حسن)
هاني الراهب روائي سوري من أصحاب الكلمة الممنوعة والمقموعة والمغيبة. اقتحم بوابة الرواية بثقة وجواز مرور واحتلت نصوصه موقعاً واضحاً في الأدب القصصي والروائي السوري والعربي المعاصر. وقد نحى منحى جديداً في الكتابة الروائية واستفاد كثيراً من مطالعاته وقراءاته في الآداب والثقافات العالمية المختلفة ووظف كثيراً مما اكتسبه في آثاره وأعماله.
عاش هاني الراهب في زمن الانقلابات والعواصف والصراعات الفكرية التي أعقبت نكسة حزيران، ومات في الرمال التي غطت أرض الوطن العربي بعد عاصفة الصحراء والهزيمة الكبرى في العراق، تاركاً ومخلفاً وراءه الصدق والوهج وألم الفقدان ووجع الغربة والأسئلة عن الذات والحالة العربية الراهنة.
صدرت له عدة ترجمات لأعمال نقدية عالمية ولرواية «غبار» لياعيل ديان، وألف كتاباً عن الشخصية الصهيونية في الرواية الإنجليزية، وله في القصة القصيرة «المدينة الفاضلة» وفي الرواية «المهزومون»، «شرخ في تاريخ طويل»، «ألف ليلة وليلتان»، «الوباء»، «التلال»، «المستنقعات»، وغيرها.
ويعبر هاني الراهب عن حالة وبؤس الواقع العربي المأزوم والمهزوم على لسان «أسيان» بطل قصته «المعجزة» فيقول: «إن حياتنا اليومية مطبوعة بطابع النذالة والتفاهة والغيظ والمماحكة، وعلينا أن نتخلص من هذا الطابع لتصبح الحياة ممكنة. أعرف أنني أعمق نذالة من الجميع وأكثرها تفاهة وغيظاً وإني فارقت من الخطايا ما يبتلعكم كلكم، لكني من جانب آخر معذور لأني أردت أن أعرف حقيقة الإنسان، إننا جميعاً خطاة ولكننا لن نضيع وقتنا في المحاكمات وإصدار عقوبات الإعدام فالشر بذلك يبقى شراً».
ويحاول هاني الراهب في نصوصه رسم ونقل هموم وعذابات أبناء جيله ووصف حالة الانهزام والسقوط والتكيف في ظل الهزيمة، ونجده في قصة «الخامس الدائم من حزيران» يحكي عن مجموعة من الشباب المرح الذي يستسلم للهو والرقص للهروب من الواقع ونسيان ما يقلق البال وتنتهي حفلة الرقص بحادثة تقضي على الفرح الكاذب عندما تظهر لاجئة فلسطينية طالبة الخبز لأطفالها الجياع.
«خضراء كالبحار:
الحرب لم تنته...
الحرب مثل أمواج البحار..
لا تنتهي ...
أنت تعيش بين الناس في حالة حرب...
وأنت وهم في حالة حرب مع أناس آخرين..
الحياة نفسها حالة حرب «السلام حالة موت»..
ولكن من هذه الحالة يولد الحب والفن وتولد الإنسانية...
بعيد سفرها راح يهلع في المدينة.. واكتشف أن الحياة..لعنة ضرورية.
إذا فشل الإنسان في الحب عشرين مرة.. فكيف لا تقوم الحرب؟؟
إذا لم يكن الإنسان آمناً على عيشه وهو في الخمسين.. فكيف لا تقوم الحرب؟؟
إذا لم يكن أحد حراً في اختيار مكان صلاته... فكيف لا تقوم الحرب؟؟
عندما تتراكم الحلول التي لا تحل...تقوم الحرب!
ها هنا مجتمع يعلق أخلاقه على الستائر..ويطلق ثعابينه وراءها...
مجتمع أنتج زوجاً لاتهمه براءة الروح.. وإنما عفة الجسد..
عرفت أن الجسد والروح ينبثق أحدهما من الآخر.. وليس يلغي أحدهما الآخر..
وإنهما يكونان مئة و ألفاً.. عندما يكونان واحداً».

الوباء
اختارها اتحاد الكتاب العرب كواحدة من الروايات المئة الأوائل في تاريخ الأدب العربي، يطرح فيها هاني الراهب أسئلة هامة وكثيرة لم يجد لها جواباً في الواقع الحياتي عن الديمقراطية والحرية، وموقع المثقف في المجتمع المدني ودوره في عالم تنقرض فيه الثقافة ويقتل الوعي النقدي. تبدأ الحكاية هناك في الشير في تلك الفسحة المربعة بين كتلتين من الجبال. تنتهي آجال، وتولد أجيال، وما بين الولادة والموت فسحة الحياة التي تتلون بألوان يضفيها عليها المناخ والمسرح والآفاق.
ضمن هذه الأجواء يتنقل هاني الراهب متابعاً دورة الزمان لهذه العائلة السنديانية الآتية من ذلك المكان الممتد بين مرابع الصحراء إلى بلاد الشام وزمان ينحدر من السفر برلك إلى يوم حاضر.
يتتابع الأشخاص، يتغيرون بتغير أماكنهم وأزمانهم، يموت أشخاص ويولد غيرهم ويبقى وجه الحياة وحسها الآتي من معانيها قابعاً في كل حياته.
وتبقى حسرة في قلب خولة «كما يهدر من عمر الإنسان في هذا النمط من الحياة؟ كل هذه الأعوام، سبعة وأربعون، ولم تتعلم أن الزهرة تظل أجمل إذا لم تقطف، ولكن ماذا لو أنها تحت الحرية واكتملت؟ لو أن هذا الهدر لم يكن، لكان بوسعها أن تخيط ألف فستان زيادة، وتحب ألف شيء آخر، وتشعر بألف فرح آخر». وتبقى «ماذا لو؟» لغز السعادة الآفلة، في رواية الوباء الآتية من ثنايا حكاية الحياة.
وشخصيات هاني الراهب ملتبسة وقلقة ومضطربة، تعاني القمع والاغتراب والتهميش، وغير قادرة على مواجهة السلطة السياسية التي تغتال الإبداع وتصادر حرية الكلمة.
أخيراً يمكن القول أن قصص وروايات هاني الراهب فيها الكثير من التفاصيل الزائدة والرموز السياسية، وتستوعب الواقع اليومي الممل، وذات أبعاد سياسية وفكرية عميقة ،وهي تصور التكوين والتشكيل الطبقي والسياسي في المجتمع العربي البطريركي، وتغلب على أرجائها مسحة الحزن واليأس، وتحكي القهر والألم والتفجع لكاتب عربي أصيل أصيب بالخيبة وفقدان الأمل، وعايش الإخفاقات والانتكاسات والهزائم، ومات في رحاب المهزومين.
تكريم هاني الراهب
كتبت لمى يوسف في شؤون ثقافية عن تكريم هاني الراهب بتاريخ 9 أيار 2006:
احتفى اتحاد الكتاب العرب ومديرية الثقافة بالكاتب الروائي هاني الراهب خلال مهرجان نيسان الأدبي في عيده الفضي.
شارك في هذا التكريم الأديب عبد الكريم ناصيف، د. عبد الله أبو هيف، الناقد والروائي نبيل سليمان وأدار الندوة الأديب محمد حطاب.‏
اللامنتمي

‏استعرض أ. عبد الكريم ناصيف ظاهرة «اللامنتمي» في أدب هاني الراهب - «المهزومون» أنموذجاً – قائلاً: «طغت على المكتبة العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي موجة من كتب الأدب التي تنتمي للوجودية، إذ سعت دور النشر في بيروت خصوصاً والقاهرة ودمشق عموماً إلى ترجمة كتب سارتر، ولسن، وغيرهم من الكتاب، لتعرض في أبرز الأمكنة من واجهات المكتبات، ولينتشر بين بعض الناس - من ذلك الجيل - نمط من السلوك يحاكي النمط الوجودي ذاك، ويعمل على اقتفاء أثره في كثير من الجوانب والميادين الفكرية الاجتماعية وحتى السياسية. في تلك المرحلة من الزمن استقبل ذاك الجيل رواية هاني الراهب «المهزومون» بالحماسة والاندفاع، واعتبرها الكثيرون فتحاً في عالم الرواية وخروجاً على الموروث الروائي في تلك الأيام، وفتح باب جديد للإبداع الروائي على صعيدي الشكل والمضمون، وكان واضحاً كم كان الراهب متأثراً بتلك الموجة الوجودية واللاانتمائية التي جاءت من أوروبا، واستطاع أن يعبر في روايته عن انتشار تلك الأفكار بين الشباب المهزومين الذين يثرثرون في المقاهي ويصنعون الفراغ من الحلم الوجودي، وهو ما فسر يوم ذاك سبب تلقف سهيل إدريس مباشرة لرواية الراهب، ونشرها في دار الآداب - التي كانت تتبنى التيار الوجودي ـ مبشرة القارئ العربي بميلاد روائي عربي واعد. وأثبت هاني بعد ذلك أنه عالم من الإبداع قائم بحد ذاته لا يفتأ يتنقل بين عوالم مختلفة يبرع كثيراً في إعادة بنائها جميعاً، هو الفنان والمهندس الماهر في التشكيل والبناء».‏

ويضيف الأستاذ ناصيف: «ابتعد الراهب في "المهزومون" عن الاتباعية والمحاكاة في ميدان الرواية العربية لينفرد بذاته شاهداً على عصر بدأت فيه تحولات جذرية في المجتمع من أجل صنع مجتمع جديد بصيغ وعلاقات جديدة. فها هو بشر بطل "المهزومون" وطالب الجامعة يعلن عن أفكاره التي في مقدمتها النقمة على المجتمع والثورة عليه، فقد أعلن في أكثر من مكان أن المجتمع صفر، أي أن البطل يدين المجتمع ككل، يلغيه باعتباره لا قيمة له كالصفر».‏

تقانات جديدة‏


واستعاد د .عبد الله أبو هيف عبر مداخلته أغلب أعمال الروائي المحتفى به مستهلاً حديثه بالقول: «هاني الراهب من الروائيين العرب القلائل الذين جددوا السرد الروائي، وحدثوا تقاناته نحو التعبير الاستعاري الشامل عن تأزم الذات العربية ومحن الوجود العربي من خلال تعاضد رؤاه الفكرية مع تعليقاته الوجودية والتاريخية. فصارت غالبية رواياته مثار وعي بالتاريخ ومدار وعي بالذات إزاء اشتراطات الواقع المؤسسية. في مجموعته الثانية "جرائم دون كيشوت" (1978) صياغة سردية، أقرب إلى ممهدات لرواياته وتفكيره الروائي من حيث التزام الواقعية الجديدة وثراء الدلالات التناصية وتعدد المستويات السردية كما هو الحال مع قصة "وسوى الضبع" أنموذجاً، فهي مكتوبة ترميزاً عن هيمنة المحتلين والغزاة وتحالفهم مع العدوان الداخلي فيما بين العرب أنفسهم. فلا سبيل لمواجهة العدوان الخارجي ما لم يواجه العدوان الداخلي قبل ذلك. ويكرر الراهب في روايته "شرخ في تاريخ طويل" (1969) الموضوع نفسه، وتكاد الرواية تشبه لوحات متتابعة لحوارات سياسية وثقافية عن وعي الجيل الجديد وضغوطات السلطان السياسي عليه، حتى غدت الرواية مشاهد للجدل العقائدي والفكري والذي يتلفع كثيراً بلبوس وجودي حيناً وتاريخي حيناً آخر، وتلتزم ببعض تقانات الرواية الجديدة التي مارسها آلان روب جرييه وميشيل بوتور وكلود سيمون».
ويضيف د. أبو هيف: «لفت الراهب النظر إلى إبداعه الروائي الحديث بقوة في روايته "ألف ليلة وليلتان" التي وسع استخدام تقاناته الروائية الجديدة فيها، ولاسيما الشاعرية والكثافة وانفتاح المنظور السردي على مصراعيه لتعدد مكونات الفضاء الروائي من الواقعية إلى المرجعية التاريخية».
اللاتعيين

أضاء الناقد والروائي نبيل سليمان على إضافات هاني الراهب الأكثر أهمية، إن كان بالنسبة لتجربته الروائية أو بالنسبة للرواية العربية، كما تجلى ذلك في روايتيه «خضراء كالبحار» و«رسمت خطاً في الرمال»، وكان الراهب قد استخدم في رواية «التلال» إستراتيجية اللاتعيين كما يسميها الناقد سليمان. ويضيف: «تعثرت تجربة الراهب في "التلال" من هذه الناحية، لذلك لم يتابع مشروعه في الجزأين الثالث والرابع منها، وظل ذلك إشكالاً مريراً بينه وبين نفسه، وعرفت ذلك من أحاديثي الطويلة معه. في روايته "خضراء كالبحار" يشتغل من جديد على تطبيق هذه الإستراتيجية، لكن يمكن للقراءة أن تستعين ببعض المؤشرات، فالبلد قد يكون لبنان أو سورية من خلال وجود ضابط أسير لدى إسرائيل. كما اشتغلت الرواية على التلاقح مع الفن التشكيلي ومع الموسيقى، والرواية كما نعلم فن بلا تخوم تتفاعل مع الفلسفة والاقتصاد والتاريخ ومع الفنون كافة، وإن كان تلاقح الرواية العربية مع الفن في التشكيل والموسيقى ليس بغزارة تفاعلها مع التاريخ، لكن هاني راهن في روايته هذه على ما يمكن أن يقدمه التفاعل بين السرد وبين الفن التشكيلي والموسيقى، وليس المقصود هنا أن تكون الشخصية الروائية أو تلك رسامة أو عازفة مع أن الشخصيات المركزية فيها كلها تشتغل بالفن، واحدة منها تبدو قناع الكاتب ليدلي بدلوه وبآرائه بالفن التشكيلي. شخصية الفنان التشكيلي المزواج المطلاق، الذي يبدو كقناع للكاتب ليجسد التجربة الإبداعية. ودائماً الخلفية هي الموسيقى خاصة الكلاسيكية منها».
أخيراً‏ أغلقت هذه الندوة التكريمية، وفتحت أمامها مهرجاناً سنوياً لهاني الراهب في مشقيتا، كما فتحت باب تكريم أدباء اللاذقية الذين أصبحوا نسياً منسياً.

الراهب وجائزة نوبل
عندما سئل الراهب ذات يوم عن مغازلته جائزة نوبل وموقفه منها أجاب: «بالنسبة لجائزة نوبل، أنا لست مرشحاً لها والذي كتبته حتى الآن هو ثماني روايات اثنتان منها فقط جديرتان بالقراءة، والست الأخريات لا بأس بهن، ولدي كذلك مجموعتان قصصيتان، وهذه الجائزة إذا استثنينا منها الجانب المالي، وهو جانب لعله الشيء الإيجابي الوحيد فيها، جائزة سيئة السمعة جداً نظراً لتدخل السياسة فيها بعيداً عن الاعتبارات الثقافية، ومن ذلك بشكل خاص ترويجها قيماً إمبريالية ورأسمالية لا تناسبني أنا العربي الذي أعتز بتراثي وحضارتي».
الخاتمة
أقام بيننا هاني الراهب ليرحل، حاملاً بخفّة خيمته، بحثاً عن ماء بهي، يكون جديراً بعطشه، تاركاً آثار خطواته تغوص في ثلج الحقيقة، ممتثلاً لأوامر الرّيح، تحمله إلى أماكن بعيدة، واسمه ما يزال على طرف ألسنتنا، نريد أن نناديه، نودّعه، لنقول له: هاني الرّاهب، شكراً لقلمك، الذي بعث الشباب في وجه الرواية المعاصرة في سورية، موقظاً إيّاها من سباتها العميق، معيداً الألق والشّعلة لنظراتها، مطالباً بالديمقراطية والأمل على التغيير.
ارتاح هاني الراهب في السادس من شباط عام 2000 من صخب الحياة وهمومها، ونام بجانب تلك الصّومعة التي كانت مصدر إلهامه، في لحدٍ نديّ التّربة، طاهر الجنبات، يحرسه ضريح رخامي أنيق التّكوين، يرتفع فوق تلةٍ عالية، قريباً من مزار قبر جدّ أبيه الشّيخ سليمان الراهب، ليطلّ إلى الأبد، على بحيرات، غابات وجبال قرية مشقيتا، الممتدّة حتّى الحدود التركيّة.‏
أعماله
- المهزومون، رواية، بيروت، 1961.
- بلد واحد هو العالم، رواية، دمشق، 1965.
- المدينة الفاضلة، قصص، دمشق، 1969.
- شرخ في تاريخ طويل، رواية، 1970.
- ألف ليلة وليلتان، رواية، 1977.
- جرائم دون كيشوت، قصص، 1978.
- الوباء، رواية، 1981.
- التلال، رواية، بيروت، 1989.
- خضراء كالمستنقعات، رواية.
- خضراء كالحقول، رواية.
- رسمت خطاً في الرمال، بيروت، 1999.
- خضراء كالعلقم، قصص، بيروت، (نشرت بعد وفاته).

المصادر
1ـ موقع الروائي والأديب هاني الراهب (منتديات كفرنبل العامة).
2ـ مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر.
3ـ وزارة الإعلام.
4ـ الإبداع الروائي المعاصر في سورية، تأليف إليزابيت فوتييه، ترجمة: د. ملكة أبيض.
5- مواقع إلكترونية.



إعداد: أميرة سلامة


اكتشف سورية