عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-2011, 11:54 AM
المشاركة 144
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الروائي نبيل سليمان لـ"النور":

التمجيد وحده دون النقدية.. لا يصنع رواية.. بل ربما يقتلها!


خمسة وثلاثون عاماً (يرتكب) المبدع نبيل سليمان عشق الرواية أولاً، ليملأ غيابها بنشاطات أخرى، هي ثانوية أو إضافية لكنها مميزة. وعلى مدار الخمسة والثلاثين إبداعاً تعلم من الراوية الكثير، لتصوغه هي كما نعرفه: شجاعاً في وجه السلطان الاجتماعي والسياسي، يعرف كيف يحتال على الرقيب وينتصر عليه، مختلفاً دائماً عن المعتاد، وأكثر من ذلك كما يقول تعلمت منهاً ألاّ أركن إلى أسلوب بعينه أو نجاح بعينه، بل أن أغامر وأجرّب وأعتزل وأتأمل وأتلذذ و.. وأقرأ وأكتب.


عن فضاء روايته وزمنها المتعدد الرؤوس، وعن اللحظة التاريخية فيها كما يرصدها سليمان الأديب الناقد كان معه الحوار السريع التالي:
س- بعد أعوام طويلة من النقد والرواية، جربت خلالها الأصوات المتعددة، واستفدت من إنجازات الرواية الحديثة على نحو استطعت معه أن ترسم فضاءك الروائي الخاص، كيف تصف لنا هذا الفضاء؟ وما الذي يميزه باعتقادك عن الفضاءات الأخرى؟

++ أظن أنه فضاء متلاطم في الزمان وفي المكان، عناصره متنوعة جداً وأليفة جداً وغريبة جداً. في البداية كان الريف، كانت إحدى قرى الجبل التي لم تسمِّها رواية (ينداح الطوفان). وقد عدت إليها في رواية (هزائم مبكرة)، كما عدت إليها مؤخراً في رواية (في غيابها). وفي الفضاء الريفي طوّحتْ (مدارات الشرق) كما في البادية وفي المدن الشامية، لا السورية فقط، وفي سواها. وكما طوّحت (مدارات الشرق) في إيطاليا وسويسرا وألمانيا طوّحت (في غيابها) في إسبانيا وموسكو وتل أبيب.

على النقيض من هذه الرحابة المتلاطمة كان الفضاء الضيق كسمّ الإبرة والمتلاطم رغم ضيقه، في السجون والمعتقلات، سواء في رواية (السجن) أو في رواية (سمر الليالي). وعلى الرغم من كل ذلك يمضني السؤال عن الفضاء الكوني كله، من الشموس إلى الأقمار والنجوم، كما أفتقد البحر الذي أعيش على شاطئه، لكأنني أسيرٌ في قفص من قرى ومدن وجبال وبيوت وسجون وبراري و.. على العكس مما هو الزمان من هذا الفضاء المتلاطم.
في البداية (ينداح الطوفان) كما في (هزائم مبكرة) عدت إلى خمسينيات القرن الماضي. في (السجن) كما في (سمر الليالي) انطلق الزمان من العد والحصر، يتعيّن بقدر ما لا يتعيّن. في (جرماتي) و(المسلة) عاينت يومي حيث زمن الكتابة هو زمن الرواية، كما سأفعل في الروايات الأربع الأخيرة، مغامراً في كتابة الحاضر.
في (مدارات الشرق) وفي (أطياف العرش) عدت إلى النصف الأول من القرن الماضي مخاطباً هذا اليوم وذلك الغد، كما عدت إلى اللحظة الأندلسية في رواية (في غيابها) مخاطباً ذلك الغد وهذا اليوم. وما أكثر ما رمح الزمن من عشرات أو مئات أو آلاف السنين إلى حرب العراق أمس أو إلى حرب 1973 أول أمس. إنه زمن يرمح، أجل، زمن يملؤني بالحرية، زمن حرّ حتى ليصح فيه القول: الزمان. على العكس من أسر المكان، ولعل في هذا ما يميز فضاءات رواياتي عن الفضاءات الأخرى.
ولعل لي أن أضيف أنني مجبول من أزمنة وأمكنة بلا عدّ ولا حصر، لذلك كان لرواياتي هذا الفضاء المتلاطم ـ الفضاءات المتلاطمة.
س- زمن يتعيّن بقدر ما لا يتعيّن، أستطيع أن أراه بقوة في روايتيّ (جرماتي) و(المسلة)، فالكثير مما اشتغلت عليه في هاتين الروايتين لا يزال يومياً بامتياز في حياتنا الراهنة، لماذا أسألك؟ إنه سؤال سياسي أسوقه هنا على نحو أدبي.

++ ربما لأن الصراع العربي الإسرائيلي لا يزال الشاغل الأكبر من أدق دقائق حياتنا إلى أكبرها. وربما لأن الحرب لا تزال اللغة الغالبة في حياتنا. فبعد حرب 1973 سرعان ما جاءت حرب 1982 فحرب الانتفاضة فحرب الخليج الثانية فحرب العراق بالأمس، عدا عما كان من الحروب الداخلية في اليمن والسودان والصحراء الغربية والجزائر.. وكل ذلك في ثلاثين سنة. وقد يكون لازال الكثير مما اشتغلت عليه (جرماتي) و(المسلة) يومياً جراء الأسّ النقدي فيهما، سواء للمؤسسة العسكرية أم للأحزاب اليسارية أم للسلطان السياسي والسلطان الاجتماعي بعامة. وربما كان السبب أيضاً في حضور الجسد، أو في حرارة السيرية، أو في غواية تعبير الروايتين عن كل ذلك، على الرغم من أنك وصفت سؤالك بالسياسي على نحو أدبي
س- في هاتين الروايتين قاربتَ تفاصيل المجتمع السوري في مرحلة حرب تشرين 1973، وكان أسلوبك ينحو باتجاه النقد لا التمجيد، هل هنا يكمن الفرق بين الروائي والمؤرخ على نحو عام؟ أم هو الفرق بين نبيل الروائي والآخر الروائي عند تصديهما لكتابة التاريخ؟
++ أنت تعلم أن (جرماتي) ظلت ممنوعة هنا منذ صدورها في القاهرة أول مرة عام 1977 حتى عام 1995. وأنت تعلم أن (المسلّة) صدرت هنا أول مرة في طبعتها الرابعة عام 2004، بعد حذف الجمل التي اشترط الرقيب (في اتحاد الكتاب) حذفها. ولقد كانت الروايتان أول مغامرة لي باشتباك زمن الكتابة بزمن الرواية، أي بالشهادة على الحاضر، حيث تتكاثر منزلقات العابر والراهن. ولكن ها أنت تقول اليوم في الروايتين ما تقول، كما قال كثيرون بعد ربع قرن من صدورهما: هكذا يكون للرواية أن تحيا إن لم تقم على العابر، إن بقي فيها ما يخاطب قراءها بعد عشرين أو أربعين أو.. سنة. وهنا يبقى السؤال: هل صارت (جرماتي) أو (المسلّة) بعد ربع قرن رواية تاريخية بعدما كانت رواية الحاضر؟ هل ستصير (درج الليل.. درج النهار) رواية تاريخية بعد ربع قرن أو نصف قرن، بعدما كانت رواية هذا اليوم من سقوط بغداد إلى سقوط سد زيزون؟
أن تكون النقدية أساً روائياً بامتياز، فهذا لا يعني رواية تاريخية أو غير تاريخية. هذا أسٌّ لا رواية من دونه، فالتمجيد وحده دون النقدية، لا يصنع رواية، بل ربما يقتلها. لكن الفرق بين الروائي والمؤرخ ليس هنا، فالنقدية فيما أحسب أسّ لأية كتابة: فكرية أو تاريخية أو إبداعية. وبالتالي: هذا الأسّ النقدي، من بين عناصر أخرى، هو ما يفرق بين روائي وروائي، سواء تصديا للتاريخ أم للحاضر أم لكليهما.
س- في الترتيب الزمني لعالم نبيل سليمان الأدبي ثمة ثلاث روايات منشورة هي: ينداح الطوفان ـ 1970، السجن ـ 1972، ثلج الصيف ـ 1973، فضلاً عن رابعة (هي الأولى بتاريخ كتابتها) لم تزل أسيرة الأدراج، ثم كان النقد بدءاً بـ (الأدب والأيديولوجيا في سورية) 1974 بالاشتراك مع بوعلي ياسين. كل ذلك سوف أتجاهله لأعاود السؤال: أنت روائي أولاً أم ناقد؟ وهنا لا أعني التسمية المجردة، بقدر ما تكونه أولاً عند التصدي لفعل الكتابة روائياً أو نقدياً، ولعلي هنا أريد أن أتوقف ملياً عند ظاهرة الأديب الناقد!

++ الرواية بالنسبة لي هي الأول والآخر والباطن والظاهر، هي الحياة والموت، وما عدا ذلك هو نشاط آخر، ثانوي أو إضافي، دون أن يعني ذلك التقليل من شأن النقد، سواء فيما أحاول منه أم بعامة. أما ظاهرة الأديب الناقد فليست حكراً على لغة أو ثقافة أو شعب أو عصر. وحسبي أن أعدد من العرب جبرا إبراهيم جبرا وأدونيس وإلياس خوري وهاني الراهب وواسيني الأعرج ورضوى عاشور ومحمد الباردي وصلاح الدين بوجاه و.. ولا تنس هنا صدقي إسماعيل ومصطفى خضر وأحمد يوسف داوود ووفيق خنسة ومحمد كامل الخطيب وفرحان بلبل.

عندما أعدّ لرواية وأتهيّأ لكتابتها، أنسى ما عداها. وحين أشرع بالكتابة تستغرقني تماماً، ليس فقط عن كتابة النقد، بل حتى عن أسرتي. مرة شبهت نفسي لـ (الدومري) المرحومة، جواباً على مثل هذا السؤال، بالمريض نفسياً: فصام، ازدواجية شخصية. الآن أفكر بمن يسعه أن يعشق اثنتين في آن، واحدة منهما هي الأول والآخر والباطن والظاهر. قد لا يروق هذا في الحب العذري وللهاتفين بالأحادية. ولكن بين البشر من يعشق أكثر من واحدة ـ لا يشتهي فقط ـ ومن بينهنّ تكون واحدة هي النساء جميعاً إذ يلتقيا. أما في غيابها فلا يقبع باكياً وطهوراً.

بقلم : ماهر منصور