عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-2014, 01:02 PM
المشاركة 1083
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 42- باب الشمس إلياس خوري لبنان

- يعتقد البعض ان سر الروعة يكمن في نضج تجربة الروائي وسيطرته على أدواته؟

- والبعض الاخر يعتقد ان السر يكمن في مضنونها الذي يقارب مأساة الواقع الفلسطيني، وحكاية فلسطين الكبرى التي تتناسل منها عشرات الحكايات؟!
- ويعتقد البعض الاخر أن الشهرة التي حظيت بها رواية "باب الشمس" ليست مرتبطة بمضمونها، ومقاربتها لتاريخ النكبة الفلسطينية فحسب، على أهمية هذه المسألة، بل ترتبط أيضاً بقيمتها الفنية والأسلوبية، بشهادة بعض نقّاد الأدب، حيث اعتبرها البعض "نقلة نوعية في الحقل الروائي بأسره" واعتبرها الكاتب ذاته "المنعطف الأكبر في تاريخه الروائي".

- فهي على صعيد المعمار الفني تنهض على بناء مجموعة حكايات متجاورة ومتقاطعة، تشدّنا إلى مأساة الواقع الفلسطيني، وعنف التاريخ الذي كتب حكاية الفلسطيني بحروف من الدم الذي سال بغزارة وما زال، عبر تاريخ هذه المأساة.

- بيد أن المهم ليس التاريخ وأحداثه فحسب، بل الأسلوب الفني الذي اعتمده الكاتب ويمكن تلخيصه بـ
1. تعدّد الرواة.
2. تداخل الحكايات.
3. التكرار.
4. أسلوب النفي.
5. التشابه بين السارد والراوئي.
6. اللعب الروائي.
7. انشطار الذات.
8. تداخل ضمائر السرد...الخ.

- مثلاً استخدام تقنية تعدّد الرواة أو الأصوات..داخل الرواية، سمحت للكاتب بتوزيع الحقائق التي يرغب بمقاربتها، والشغل عليها بشكلٍ مراوغ، الأمر الذي أتاح له أن يجعل فن القص شكلاً من أشكال البوح غير المباشر أو الفج، وبالتالي فتح الفضاء الروائي أمام إشباع أخلاقية القارئ بإسناد القص إلى عملية التخييل لا إلى الواقع،

- كما سمح بتقويض سلطة الراوي العليم، العارف بكل الأحداث بشكلٍ مسبق.

- من جهة أخرى فرضت تقنية الرواية وطريقة بنائها على الكاتب استخدامه تداخل الحكايات والتكرار بهدف تشكيك القارئ في الواقع، أو في المحتوى الحقيقي لحدث بعينه، والتكرار على مستوى اللفظة، أو الجملة، جاء لتنمية الثراء الإيقاعي للرواية، وليشكّل نوعاً من الترابط بين حلقاتها، أو كلازمة سردية تمهّد للانتقال من محور إلى آخر، أو كأداة للتذكير بماضي الشخصية (يونس، نهيلة، خليل، شمس...)

- هذا الأسلوب الفني الذي اتبعه إلياس خوري، مكّنه من تحقيق الوعي بواقع الحكاية التي يرويها، دون الإدّعاء بكتابتها، وذلك من خلال توليد الالتباس بين الحقيقي والمتخيّل، والتشابه بين السارد والروائي، لأن ثمة أفكار وآراء يكررها السارد، حتى يبدو مختلفاً بين حكاية وأخرى، الأمر الذي يؤكد أن الكاتب تؤرقه على طول الخط فكرة القص والسرد، إذ على الرغم من بساطة سارديه، واختلاف مستوياتهم التعليمية كانوا ينطقون بما ينطق به الكاتب نفسه، ومن الطبيعي أن الغاية من وراء ذلك، رغبة الكاتب في أن يبثّ بعض آرائه ومفاهيمه، من خلال تخفيه خلف شخصياته الروائية.

- كذلك يمكن القول: أن "اللعب الروائي وانشطار الذات" يشكّلان مظهرين أسلوبيين لافتين في رواية "باب الشمس" وهدف الكاتب من وراء ذلك الكشف عن التناقض بين العالم الداخل والخارجي لشخصياته الروائية.

- اشتغل بعض النقّاد على مسألة التناص في رواية "باب الشمس" مع نصوص أخرى مقتبسة من أجناس أدبية مختلفة، ومن حقول ثقافية متنوعة، وهذا ما أضاف لنصّه الكثير من الثراء الأدبي والمعرفي، إذ لكل جنس نظامه وبنيته وشيفراته الخاصة، وخوض "باب الشمس" غمار التجريب أتاح لها تأسيس نفسها ضمن قوانين التناص كما تقول الباحثة أمل أبو حنيش "فهي لم تكن ذاتاً مستقلة، أو مادة موحّدة، بل كانت سلسلة من العلاقات مع نصوص أخرى... وبالتالي غدت حوار نصوص وأجناس ولغات"

- يقول الياس خوري: استغرقت مني كتابة رواية باب الشمس سبع سنوات... كنت خلالها أقعد أنا ويونس ونهيلة وخليل وشمس...أرّخت لنكبة فلسطين، ولم أؤرّخ للحرب اللبنانية... أنا كتبت بالحرب وليس عن الحرب..

- وبالتالي أمام هذه الغزارة البحثية والمعرفية والتقنية والإبداعية تطمح باب الشمس إلى خلق خطاب جديد قائم على المغايرة للخطابات السردية ذات الحبكة التقليدية، والكتابات ذات الصبغة الوثائقية المباشرة، الملتزمة بالتراتبية الزمنية، وقد نجحت في تحقيق طموحاتها تلك.

- تقتضي الموضوعية الإشارة إلى أن أسلوب إلياس خوري في معظم رواياته متسق، ويصعب الفصل على مستوى المعمار الأسلوبي بين نصوصه الروائية، إلا أن "باب الشمس"، كانت المنعطف الأهم بينها.

- وبالتأكيد لعب مضمونها في مقاربة المأساة الفلسطينية دوراً مهماً في هذا الزخم والضوء الذي حظيت به، دون أن يعني ذلك، بأي حال من الأحوال التقليل من أهمية أسلوبها وبنائها الفني، أو التقليل من أهمية نصوصه الروائية الأخرى، وإن حظيت باب الشمس دون غيرها بالقسط الأهم من الشهرة والأضواء.

- وقد أضاف دون شك، الناشطون الفلسطينيون والدوليون في بنائهم لقرية "باب الشمس" قيمة رمزية ودلالية ونضالية وإنسانية جديدة ومضيئة لهذه الرواية، حيث بات الواقع يتماهى مع التخييل الروائي، وبات الخيال الروائي وكأنه يمتزج بالواقع، وهذا أقصى ما يمكن أن يحلم به أي مبدع، أو كاتب روائي حينما يشهد هذا الإلهام الذي بعثه نصّه في نفوس أجيال من المناضلين، حيث يغدو الواقع خيالاً ..والخيال واقعاً!