عرض مشاركة واحدة
قديم 10-26-2010, 06:21 PM
المشاركة 7
عبدالسلام حمزة
كاتب وأديب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

بداية , أشكر الأخ حسن على هذا الطرح الراقي والمفيد والذي نتبادل فيه الأراء والرؤى , حقيقة أنا لست ممن يقيم قصيدة النثر ,

يثني عليها أو يذمها لأنها أكبر مني ! ولكن من باب المشاركة أقول :

شكرا ً لكل الذين أدلوا بآرائهم ليثروا هذا الموضوع , وقناعاتي تتطابق ما كتبته الأخت سحر الناجي , وهذا لا يضير قصيدة النثر ,

فأنا أتكلم كمتلقي لا يرتقي لمستوى ناقد وهذا باعتقادي حق مشروع لكل قارئ .

هذا اللون الذي أسميه مجازا ً وبخجل إلى الآن ( شعرا ً ) لأنه وببساطة يخالف تعريف الشعر الذي عرفته العرب ووضعت أوزانه وبحوره ,

ليبدع الشعراء فيه وفق هذه الأسس و القوانين .

ولكن قصيدة النثر كما يحلو لمحبيها أن يسموها - وأنا منهم - وجدت لنفسها مكانا ً وحبذا لو تسمّت باسم يوافق خصائصها

دون البحث عن انتحال خصائص من التراث ليست مفصلة لها .

على فكرة ؟ أنا من محبي هذا اللون من الشعر وانجذب إليه أكثر من الشعر العمودي , ولكن هناك حقائق لا تخضع للمزاج ولا للهوى ,

إنمايخضع لموازين علمية علينا احترامها . لذلك دعوني أتكلم عن بدايات قصيدة النثر لتكوين فكرة عنها مراحل نشوئها .

الثقافة الفرنسية كان لها الأثر الكبير على شعراء الحداثة العربية وبشكل خاص على أحمد سعيد أدونيس وأنسي الحاج

وكوكبة من الشعراء جاؤا بعدهما أو عاصروهما .

أن التأسيس لقصيدة النثر فى العربية ، كانت محاكاة تقليدية.. لما كتبه بودلير ومن أتى بعده ، دون الغوص فى الحياة العربية ،

فكانت جميعها - إلا قليلا منها - مسوخاً مشوهةً , لحياة تخلتف عن حياتنا ، اختلافاً عميقاًوجذرياً.

و على رغم أسبقية ديوان جاسبار الليل ، فى قصيدة النثر ،إلا أن سارة برنارد ، أهملته واعتبرت أن قصيدة النثر..

بدأت ببودلير !!! وكان هذا إعتداء على أسبقية ألوزيوس ؟

ولكن لمسألة تجاوز الكثير من الشعراء الذين سبقوا بودلير في كتابة قصيدة النثر ليس أمرا ً غريبا ً ،

لأن هذا حاصل في كل الثقافات ، ولذلك أسباب عدة أهمها :

ـ مع بودلير وصلت قصيدة النثر إلى مرحلة النضج بعد تراكم مقبول على امتداد فترة لابأس بها ، وتم التعريف بها والوعي بها .

ـ مكانة بودلير في الثقافة الفرنسية تجعل من شعره ذا مصداقية ومكانة متميزة في الشعر الفرنسي ،

فمكانة الشعر في ثقافة ما من مكانة صاحبه .

وما وقع في الثقافة الفرنسية وقع أيضا في الثقافة العربية ، فالثقافة المدرسية جعلت من نازك الملائكة وبدر شاكر السياب

بداية الشعر المعاصر ( قصيدة التفعيلة ) مع العلم أن هناك تجارب متعددة سبقت تجربة هذين الشاعرين ،

لكن المحاولات التي كتبتها نازك والسياب جاءت في مرحلة نضجت فيها التجربة وأصبح النقد مستعدا ً لتقبلها والدفاع عنها في منابر متعددة .

وساهمت هزيمة 48 وتقسيم فلسطين إلى الرغبة في التجديد ، فارتبطت التجربة بالمحاولات التي ظهرت في تلك المرحلة .

ـ فيما يخص التجربة العربية في قصيدة النثر لا تخفى تبعيتها المطلقة تنظيرا ً وإبداعا ً للثقافة الغربية والفرنسية بشكل خاص ،

بدليل أن الذي أبدعوا فيها في الستينيات هم الذين تلقوا تكوينا ً ثقافيا ً فرنسيا ً

وما كتبه أدونيس عن قصيدة النثر في مجلة شعر منتقى كله من كتاب سوزان برنارد قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا ،

أما إبداعيا ً، فإن قصيدة النثر العربية خاصة والحداثة العربية عامة لا ترقى إلى التجربة الفرنسية ،

ذلك أن التجربة الفرنسية وليدة واقع مجتمعي عبرت عنه وتماهت معه ، أما التجربة العربية ، فقد دخلت إلى المجتمع العربي دون استئذان .

فكانت النتيجة أن زرعت قطيعة بين هذه التجربة وبين المجتمع الذي من المفروض أن يتبناها ويستهلكها .

ويكفي أن نقارن اليوم بين الاهتمام التي تلقاه القصائد الحداثية وقصيدة النثر خاصة وبين الاهتمام التي تلقاه القصيدة العمودية

لنجد أن مجتمعنا العربي يجد ذاته في الشكل العمودي وقصيدة التفعيلة أكثر من قصيدة النثر .

فأغلب قصائد النثر الحقيقية لا يقرأها إلا أصحابها و نخبة النخبة ، ولا يستشهد بها إلا في الدراسات النقدية التي تهتم بهذا الشكل الشعري ،

وما دون ذلك تظل مركونة في الصفوف ، في حين قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية تجدهما على كل لسان .

وإنه لمن دواعي الفخر , أن نرى شعراءنا يهضموا الآداب العالمية ويتفاعلوا معها ولكن بطريقة أصيلة تنبع من واقعنا وحياتنا

لتصبح جزءاً من كياننا وليس شيئا ً غريبا ً نتوجس من الاعتراف به , مع احتوائه للفضاء الفسيح والخيال المبدع وحرية التعبير عن مكنونات

النفس البشرية دون قيد , سوى خصائض الشخصية العربية والإسلامية والتي تمثل أصالة الإنسان العربي .

هذا إن حرص الأديب أن يكون له رسالة تنبع من عقيدته ويحرص على الخير والمنفعة للناس , أو يكتب الشاعر شعرا ً

من منطلق : ( الأدب للأدب ) فيأتي أدبا ً غير منتميا ً , وهو إلى الشعوبية أقرب منها إلى العربية ؟ !

هذا مع افتراض النزاهة في كل الذين يتبنون هذا اللون من الشعر لتحديث الأدب العربي والنظر بعينين بدل العين الواحدة .