عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-2016, 01:04 PM
المشاركة 30
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...

ذكريات سنوات الطفولة المبكرة...سنوات من الميلاد الي ما قبل المدرسة:


والمفارقة انني كنت اتعرض الى لسعات النحلات في هذا الميدان وانا أستميت في الدفاع عنها واعرض نفسي لمخاطر لسعات الدبابير، ولكني لم اتعرض ابدا الي لسعات الدبابير اثناء تلك الحرب الشرسة، والمعروف ان لسعات الدبابير أشد سمية وأعظم الما من لسعات نحلة العسل، ويقال ان بضع لسعات منها كفيلة بقتل الانسان إذا لم يتلق الملسوع العلاج اللازم بسرعة فائقة...فلقد كنت محظوظا في هذا الميدان ولم اتعرض لأي لسعة منها رغم انني كنت احاربها، واقتلها بلا رحمة، او هوادة او شفقة، وكنت اقتلها بكثرة وبأعداد هائلة في كل وقت تسنح لي الفرصة...ولا بد انني قتلت منها الالاف المؤلفة في سنوات طفولتي والي حين غادرت القرية للالتحاق بالجامعة فاستقلت من تلك المهمة الي غير رجعة...

لكن هذا الكائن الشرس في طبعه لا يهاجم الناس في الغالب الا اذ ما اقتربوا من وكره...عندها تثور ثائرة الخلية، وكأن قيامتها قامت، وتهاجم الدبابير المعتدي المفترض بعنف لا يقل عن عنف الانسان، وتستميت في الدفاع عن وكرها ومسكنها...

ولم أكن لاقترب من اوكار الدبابير ابدا من شدة خوفي منها طبعا، وتجنبا لألم لسعاتها السامة المميتة، والذي لا بد انهم قالوا لي عنها بانها لسعات سامة لا تحتمل، وربما انني كنت أيضا اتوجس من انتقامها المحتمل؟! فان كانت العقارب والافاعي تأخذ بالثأر وتنتقم لأبناء جنسها فهل يمكن ان نستثني الدبابير من هذه الاحتمالية؟

ولا بد انني كنت فخورا بإنجازي العظيم بانني تمكنت من تجنب لسعات الدبابير رغم ما فعلت بها، ومع مرور الأيام غادرت فلسطين سعيا وراء المعرفة والرزق...وسافرت في سبيل ذلك الى بلاد قريبة وأخرى بعيدة كأنها في اخر نقطة من الأرض يمكن للإنسان ان يصل اليها...وغبت عن الوطن زمنا طويلا الا لأيام معدودات كنت اعود فهيا زائرا لا مقيما...ومنذ سنوات قليلة، وبعد ان عدت مجبرا لاستقر في فلسطين، ولهذه العودة الجبرية قصة طويلة كأنها من قصص الف ليلة وليلة، وسوف ارويها لكم بتفاصيلها في حينه...

وبعد مرور ما يقرب من أربعون عاما على اخر عملية قتل مارستها بحق جنس الدبابير...كنت في أحد الأيام اقطف بعض ثمار التين من شجرة التين اللذيذ ومن الصنف الخرتماني، وبعضهم يسمونه العجلوني نسبة الى عجلون في الضفة الشرقية، والتي يبدو ان هذا الصنف من التين استقدم منها... وكانت مجاورة لمنزل اخي الأكبر، وكنت اقف على سقف ذلك المنزل امد يدي لأقطف احدى الثمرات ...فاذا بخلية دبابير كانت قد اتخذت من فتحة في طوب الجدار العازل للسقف مقرا لها...تفاجئني بوجودها...وما ان حركت الاغصان حتى استشعرت بوجودي فثارت ثائرتها، وهاجت، وماجت، وهاجمت، بشراسة الجيوش المستنفرة...حاولت بأقصى قوتي الهرب وعلى وجه السرعة...لكن احد جنود قوتها الضاربة تمكن مني فلسعني لسعة ظننت ان المها يعادل الم كل ما لسعني من نحل طوال عمري على كثرتها...سارعت يومها الي الطبيب المقيم في القرية واظنه احسن عملا حينما عاجلني بإبرة مخدرة اضافة الى ابرة العلاج طبعا...فما لبثت ان غبت عن الوجود تقريبا اتحدث ولا اعي ما أقول بفعل ذلك المخدر...وفي اليوم التالي كان الألم قد ذهب عني...لكنه جدد عزمي على ان أحاول ما دمت حيا تجنب بيوت الدبابير ولسعاتها، وكفاني الله قتلا لهذه المخلوقات ووقاني من شر والم لسعاتها...

وفي فلسطين أيضا فئة أخرى من الحشرات الطائرة ذات اللسعة المؤلمة، ولديها القدرة على اللسع السام المؤذي، واسمها المحلي (الصملة)، وهي كائن اشبه بالنحلة، لكنها بيتوتية بامتياز، أي انها تحب مجاورة الانسان، فتبني منازلها من الطين والمطااط والصمغ داخل البيوت أحيانا وعلى الجدران او في أي فتحة يمكنها العثور عليها ضمن محيط المنازل، واظنها تفضل المنازل المسكونة بالبشر، والبعض يسميها النحلة الصفراء نسبة الي لونها، لكنها أكبر في حجمها من نحلة العسل، وأصغر من الدبور، فهي في الوسط من حيث الحجم...والسلوك...لكنها مثل الدبور لا نفع ظاهر منها، ولكنها على الأقل لا تقتل نحلات العسل كما يفعل الدبور...

والصملة كائن جميل، لونها اصفر فاقع، وعليها خطوط دائرية سوداء تشبه تلك التي تزين جسد الدبور، وتسكن هذه الحشرة في خلايا اشبه بخلايا الدبابير، ولكنها تختار غالبا أماكن قريبة جدا من الناس....

وهي مثل الدبور لا تهاجم الناس الا اذا ما اقتربوا من بيوتها...او شعرت بتهديد، واظنها تتصرف بصورة غريزية حيث تطلق العنان لجهازها الدفاعي مدافعة عن نفسها اذا ما شعرت بتهديد بعيدا عن خلاياها...وفي الغالب اثناء بحثها عن الطعام الذي اجدها تستميت في جمعه ولا تتوانى عن ذلك ابدا...
لكنها مزعجة في سلوكها فغالبا ما تظل تحوم، وتحوم، تطير مبتعدة وتختفي ثم تعود لتظهر من جديد...ثم تهاجم وتنقض فجأة على الطعام وهي تفضل اللحوم... فهي مثل الدبور من اكلة اللحوم لكنها لا تهاجم نحلات العسل، وظني انها غير قادرة على ذلك، والا لسابقت الدبور على اجسادها، وافترستها كما تفعل الدبابير...

ويبدو ان للصملة قدرة هائلة على الشم فما تكاد ان تضع الطعام حتى تجدها تحوم لتسرق منه ما تستطيع حمله فينشط الانسان في محاولة لصدها وقد طور لذلك اساليب تمنعها من الوصول الي مكانه ومن اشهرها ملاء قناني شفافة بالماء يقوم على تعلقيها في محيط المكان... ولا اعرف سر عمل هذه الحيلة ومن الاساليب الاخرى هو وضع مصائد لها حيث يتم محلول سكري في قناني فتدخل الصملات وتموت وهي تحاول الخروج...ولكنها احيانا تسبب الاذى وهي تدافع عن نفسها اذا ما حاول الانسان طردها بيده فتستخدم جهازها الدفاعي (زبنتها) التي تبث سما اظنه فتاكا بنفس درجة سم الدبور او اقل درجة ...وإذا ما تراكم بكميات كبيرة في جسم الانسان...والحمد لله انني لم اختبر لسعة هذه الحشرة طوال حياتي...ويسرني ان لا اختبره ابدا...فقد كفاني ما تعرضت له من لسعات والم ...



يتبع...سنوات الطفولة المبكرة:::