عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2010, 08:16 PM
المشاركة 3
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي رد: حكايات من ضيعتنا

3- بساتين ضيعتنا صيفا

ترسم ريم بدرالدين مدخلا واضحا وصريحا لقصتها,بعد أن تؤثثالطريق لنا للانطلاق معها في هذه الرحلة, فتؤكد لنا أن قريتها " ليست أجملهن" و" ليست أكبرهن" و " ليست الوحيدة"...
وهذا نوع من التأثيث المبدئي للقصة يظهر مصداقية الكاتبةفي السرد ,حيث راوحت بين حقيقة القرية ومشاعرها الخاصة نحوها, فهي " الأجمل" برأيها, وهي " ترى العالم من خلالها".
وتبدأ الرحلة.
من أين تبدأ الرحلة؟
تنطلق من تأطير مميز للحظة, ووصف مسهب لطبيعةالمكان.
والجدير بالنظر أن الكاتبة رغم أنها تنوي التحدث عن الضيعةصيفا, إلا أنها لا تنسى السير بنا رويدا رويدا حتى لا نقع مباشرة على الغاية فتنتفيمعظم تفاصيل القصة.
البساتين ليست أثاثا, إنها امتداد للحياة, والحياةلا تنتهي, بل تتجدد في كل فصل, وهنا استطاعت الكاتبة أن تضع اصبعها على هذه الحقيقةفتدرجت بنا من فصل الشتاء, فصل السبات والنوم, ولتبرز لنا تميز ضيعتها فقد أخبرتناأن " بساتين قريتي حافلة عامرة في كل الفصول".
عجبا...
كيف تبقى البساتين نابضة بالحياة في فصلالشتاء؟
وتجيبنا ريم بدرالدين:
" حتى في فصل الاختباء والتواري..العواصف والأمطار هناكتحت التربة حياة سرية نشيطة:
كيف يا ريم تحدثينا عن حياة في فصلالموات؟
ولا تتردد الكاتبة فيالإجابة:
" لو قيّض لك أن تضع أذنك على التربة لربما سمعت أصواتاوطقطقة واهتزازات".
انظر معي كيف تتلاعب الكاتبة هنا بالكلمة لتنقلنا من حيثلا نشعر بهوة الانتقال إلى فصل آخر في ضيعتها.
إنه فصل الربيع.
فبعد " أن تتغلغل" مياه الأمطار "في عمق الأرض" سيكون هناك " إيذان بمقدم من لا يحتاج إذنا" "إنه الربيع" .
والربيع هو زمن الميلاد والانعتاق نحوالحياة.
ولأن الكاتبة تمتلك القدرة على النسج فقد اختارت الوقتالمناسب الذي تظهر فيه شخصيات قصتها, وكأنهم كانوا في سبات معالضيعة.
ومتى " يأتي مع الربيع .... زهرة المشمش وزهرة الدراقوزهرة التفاح" "يفرح الجميع".
فرحة بالمولود الجديد ,أزهار المشمش التي تحمل في أحشائهاالثمرة, الرابط بين أهل الضيعة والحياة.
وماذا بقي الآن؟
أظن أن الكاتبة قد وفّقت حين أخذتنا معها في هذهالرحلة.
نعم لم تنشر جميع أوراقها بل احتفظت بالأهم لحين موسمالقطاف.
إنه فصل الصيف.
ولكي لا تربكنا بين الفصول فقد انتقلت مباشرة إلى ماتريدنا أن عرفه, فنجدها وكأنها تعتذر للربيع لأنها لن تتوقف عنده كثيرا فـ " هذاالتداخل بين الربيع والصيف لا يترك مجالا لتفكر أيهما تحبأكثر".
"ويبدأ أوان القطاف" .
وهنا ندخل مع الكاتبة فصلا آخر يمتزج فيه الإنسانبالطبيعة, ويأتي دوره ليجني تعبه مع الأرض,فينطلق موسم الجني فتعجّ البساتين " بالعمال والعاملات يقطفون الثمرة اللذيذة".
ويمتزج العرق مع تربة الأرض وغلال الأشجار فنتخيل لوحةزاهية لفنان انطباعي يعمل ريشته في كل ماهو جميل وكل ماهوزاه.
ثم تدخل الكاتبة عنصر الخصوصية حين تنتقي لنا بعض الشخوصالفاعلين في البستان لتصفهم لنا, ونحن من خلالهم نتعرف على جميعالأهل.
العم أبو خالد رمز المتجذر في أرضه , والعم أبو علي رمزالكرم والعطاء, والعم أبوعلي الذي زاد فقسم حقله وترك ممشى ترابي لـ " يحلوللمتنزهين من أهل المدينة أن يحطوا رحالهم".
هذا كله في بساتينالضيعة.
ورغم أن الكاتبة تعشق قريتها إلا أنها لم تصل حد النرجسيةبل استطاعت أن تبرز لنا جانبا آخر من الجمال, ولكن هذه المرة للقريةالمجاورة.
كيف ذلك؟
كيف تستطيع أن تنتقل من وصف قريتها إلى وصف القريةالمجاورة؟
هنا أوجدت حبكة ذكية فقد هامت مع صديقات لها حتى وصلن حدودالقرية المجاورة , وهناك وجدوا مفاجأة .
كنّ في بساتين المشمش حيث اللون الذهبي وإذ بهنّ يكتشفناللون الأحمر, لون الفراولة .
ماذا تقصد الكاتبةبهذا؟
إنها تعلمنا أن قريتها والقرى الملاصقة تتميز كل منهابمنتوجها الخاص..بعبارة أخرى أن الأرض خصبة وأن العطاءكثير.
وكما بدأت الكاتبة برحلة هادئة أنهتها بعودة أجمل على عربةالعم " أبو ابراهيم"التي تركتها تنظر بكل هدوء إلى جمال الطبيعة وتسترجع " أرواح كلمن عشق هذا الجمال".
وتختم ريم بدرالدين بـ "موسيقى الصمت الجميل" ويالها منموسيقى ويا لها من خاتمة رائعة كانت الأجمل حين توقفت الكلمات , توقف الحرف, توقفالحديث, وأصبح " الكلام نافلة" ..
وماهو الفرض إذن؟
" الفرض هو الصمت".
الصمت الذي ستختزن من خلاله صور أخرى ربما تكون أجملوأعمق.
وربما تكون أكثر ذوبانا في " شتاء ضيعتنا".