عرض مشاركة واحدة
قديم 05-31-2012, 08:29 AM
المشاركة 761
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
خلاصة الحكاية:
بإيجاز مخلّ، تدور رواية " شرقية فيباريس" حول فتاة من أسرة مسلمة محافظة في سوريا، اسمها سامية، تأخذ في مراسلة شابفرنسي بالبريد الإلكتروني من إحدى مقاهي الإنترنت (أو الشابكة، كما اصطلح علىتسميتها مجمع اللغة العربية بدمشق). ثم ترحل هذه الفتاة إلى فرنسا لمواصلة دراستهاالجامعية في السوربون، وتلتقي بذلك الشاب الفرنسي، تقع في غرامه، يطلب يدها،يصطحبها إلى أهلها في سوريا، ينطق بالشهادتين، دون أن يعرف من الإسلام إلا اسمه ومنالقرآن إلا رسمه، وسط زغاريد أمها وأخواتها وجاراتها، يعودان إلى فرنسا، ينضمّ هوإلى حزب سياسي عنصريّ، يكثر تغيّبه عن بيت الزوجية بحجة اجتماعات ليلية، تتغيرتصرفاته اتجاهها، تكثر المناقشات بينهما حول قضايا خلافية، يأخذ بالإعراب عناحتقاره للأجانب، يزداد الجدل بينهما، يصفعها، يقع الطلاق، تتفاقم معاناتهاالنفسية، تفكّر بالعودة، ولكنها لا تحتمل نظرات الشامتين، فتقرر البقاء ومواصلةدراستها. تدرس في مجموعة بحث في السوربون تضم طلبة من أقطار مختلفة من أفريقياوآسيا وأوربا، وتتدارس المجموعة موضوعات فلسفية واجتماعية ونفسية واقتصادية، هدفهاإيجاد الشروط اللازمة لإيجاد تنمية بشرية في الأقطار النامية (أي المتخلِّفة) وإقامة حوار بين الثقافات والأديان والبلدان، من أجل رفاه الإنسان وترقية حياته. ويقع الأستاذ الفرنسي في حبّ الطالبة الشرقية المطلَّقة لا بفضل ملاحتها فحسب وإنماأيضاً بفضل خلفيتها الحضارية وقيمها وجرأتها في طرح أفكار تتسم بالأصالة والجرأة،فيتزوجها، ومن خلال معاشرته لها يكتشف سمو ثقافتها الإسلامية فيتفهمها وينجذبإليها.

بيد أن المؤلِّف الأستاذ عبد الكريم غلاب لا يسرد الأحداث بشكلخطّيّ، كما فعلتُ أنا في خلاصتي المبتسرة للرواية، وإنما يستخدم تقنيات سرديةمتنوعة أهمها الاسترجاع، وتيار الوعي، والتحليل النفسي المعمق، ويُكثِر من التلميحبدل التصريح، والإشارة بدل العبارة، ليشحذ ذكاء القارئ الذي يُشارك في عمليةالإبداع من خلال ملأ الفراغات والبياضات في الرواية، وإبداء الرأي في القضاياالفكرية التي يثيرها المؤلّف المتمرس الذي يمتطي صهوة الكتابة فارساً لا يُشق لهغبار.

رواية فريدة:
في تقديري أنه ليس في وسع أي كاتب آخر أن يكتب مثلهذه الرواية ما لم يمتلك مخزوناً معرفياً فخماً يضاهي ما للأستاذ عبد الكريم غلابمن فكر أصيل، وعلم جمّ، ونضال سياسي رائد، وخبرة صحفية شاسعة منقطعة النظير، ورصيدروائي هائل. وقد تغلّب المفكّر عبد الكريم غلاب في " شرقية في باريس" على الروائيعبد الكريم غلاب نفسه. فقد جمعت هذه الرواية بين عواطف الشباب المنبهرين بالدردشةفي مقاهي الإنترنت وبين الأفكار الناضجة لعمالقة شيوخ الفكر. وأحسب أن "شرقيّة فيباريس" تشكّل منعطفاً متميزاً في مسار الرواية العربية، وستكون نموذجاً يحذو حذوهالروائيون في المشرق والمغرب لإنتاج روايات مضمّخة بأريج الثقافة والفكر والأدبالرفيع.

الرواية والحوار بين الثقافات:
تصدر هذه الرواية في وقت يشتدفيه " الصدام بين الحضارات " كما يصفه المنظر الأمريكي هنتغتون، وتتعالى فيه دعواتالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة إلى " تصدير الديمقراطية " على الطريقةالأمريكية بقوة العولمة والسلاح، وتتفاقم فيه معاناة المهاجرين من دول الجنوبالبائسة إلى دول الشمال المترفة، فيطرح المؤلِّف، بجرأةِ المناضل السياسي الرائد،وثقة المفكِّر الكبير، مفهومَ الحوار والتفاهم بين الثقافات، وهو مفهوم ينبثق منرؤية معمّقة لجوهر الإنسان وغاية وجودة، ويجسّد روح ثقافتنا الإسلامية بتوجههاالإنساني وعالميتها ووسطيتها وتسامحها وقيمها. ويختار المؤلِّفُ جامعةَ السوربونميداناً لهذا الحوار.

لنقتطف حواراً بين سامية الشرقية وبين أندري الفرنسيالذي انتمى إلى حزب عنصري متطرف بعد زواجهما بسنتين وأمسى الزواج على كفعفريت:

" ...
لم انتزع من نفسه كراهيته للشرق...
ـ لو لم يكن في الملتقىلما التقينا.
ـ أنتَ أناني..
ـ الحضارة علّمتني أن أكون كذلك
ـ كارثةالعالم أن حضارته أنانية لم يستطع أن يتنازل عنها. تعلّمتُ من أساتذتي أن الخطأ خطأالإنسان، لا خطأ الحضارة.
ـ الإنسان صانع الحضارة.
ـ الحضارة صانعةالإنسان.
ـ أخطأت يوم صنَعَتْهُ هكذا أنانياً.
ـ لا صنعته سوياً فانحرف
ـالانحراف، هو الآخر، شيء جميل..
ـ ما لم يرمِ بحضارةٍ ما إلى الهاوية. أن تدمرحضارة فتلك هي الهاوية.
ـ ربما لتبقى حضارة واحدة هي السائدة.
ـ ومَن يمنحهاالسيادة؟ ومَن يؤكِد أنها لا تدمّر نفسها وهي تدمّر الأخرى؟
..."
ويحس القارئمن هذه العبارات القصيرة المتلاحقة الجارية المحملة بأفكار من وزن ثقيل أنالمتحاورَين قد بلغا قمة الصراع العنيف اللاهث. وفي ذات الوقت يجد القارئ نفسهطرفاً في النزاع الفكري، وأنه مطالب بإجابات وتفسيرات وشروح. فكل عبارة تحتاج إلىكتب عديد في العلوم الإنسانية لاستيعاب مفاهيمها وقيمها.

إن وزارات الثقافةفي أقطارنا العربية مدعوة لترجمة هذه الرواية الرائعة إلى اللغات العالمية وتحويلهاإلى فيلم سينمائي تُشارك به في المهرجانات السينمائية الدولية، مساهمة منها فيالحوار بين الثقافات، وتحسين صورة المسلمين في الغرب، ومن أجل أن تدحض ما يدور علىألسنة كثير من المواطنين من أن السياسات الثقافية العربية تشجّع وتدعم عمداًالثقافة الرخيصة الزاخرة بالأغاني الهابطة العارية والألعاب الرياضية الشعبية وتقيملها الفضائيات المتعددة، على حين تُستبعد البرامج الثقافية الحقيقية، وذلك لإلهاءالشباب والإبقاء على التخلّف الفكري.