عرض مشاركة واحدة
قديم 11-12-2019, 12:50 PM
المشاركة 174
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
قال محمد بن الليث:

أهل خراسان، أيها المهدي، قوم ذو عزة ومنعة، وشياطين خدعة زروع الحمية فيهم نابتة، وملابس الأنفة عليهم ظاهرة. فالروية عنهم عازبة، والعجلة فيهم حاضرة، تسبق سيولهم مطرهم، وسيوفهم عذلهم، لأنهم بين سفلة لا يعدو مبلغ عقولهم منظر عيونهم، وبين رؤساء لا يلجمون إلا بالشدة، ولا يفطمون إلا بالقهر. وإن ولى المهدي عليهم وضيعاً لم تنقد له العظماء، وإن ولى أمرهم شريفاً تحامل على الضعفاء. وإن أخر المهدي أمرهم، ودافع حربهم، حتى يصيب لنفسه من حشمه ومواليه، أو بني عمه أو بني أبيه، ناصحاً يتفق عليه أمرهم، وثقة تجتمع له أملاؤهم، بلا أنفة تلزمهم، ولا حمية تدخلهم، ولا عصبية تنفرهم، تنفست الأيام بهم، وتراخت الحال بأمرهم، فدخل بذلك من الفساد الكبير، والضياع العظيم، ما لا يتلافاه صاحب هذه الصفة وإن جد، ولا يستصلحه، وإن جهد، إلا بعد دهر طويل، وشر كبير. وليس المهدي - وفقه الله - فاطماً عاداتهم، ولا قارعاً صفاتهم، بمثل أحد رجلين لا ثالث لهما، ولا عدل في ذلك بهما: أحدهما لسان ناطق، موصول بسمعك، ويد ممثلة لعينك، وصخرة لا تزعزع، وبهمة لا يثنى، وبازل لا يفزعه صوت الجلجل؛ تقي العرض، نزيه النفس، جليل الخطر، قد اتضعت الدنيا عن قدره، وسما نحو الآخرة بهمته؛ فجعل الغرض الأقصى لعينه نصباً، والغرض الأدنى لقدمه موطئاً، فليس يغفل عملاً، ولا يتعدى أملاً، وهو رأس مواليك، وأنصح بني أبيك، رجل قد غذي بلطيف كرامتك، ونبت في ظل دولتك، ونشأ على قويم أدبك. فإن قلدته أمرهم، وحملته ثقلهم، وأسندت إليه ثغرهم، كان قفلاً فتحه أمرك، وباباً أغلقه نهيك، فجعل العدل عليه وعليهم أميراً، والإنصاف بينه وبينهم حاكماً، فأعطاهم مالهم، وأخذ منهم ما عليهم، غرس لك في الذي بين صدورهم، وأسكن لك في السويداء داخل قلوبهم، طاعة راسخة العروق، باسقة الفروع، متمثلة في حواشي عوامهم، متمكنة من قلوب خواضهم، فلا يبقى فيهم ريب إلا نفوه، ولا يلزمهم حق إلا أدوه، وهذا أحدهم. والآخر عود من غيضتك، ونبعة من أرومتك، فتي السن، كهل الحلم، راجح العقل، محمود الصرامة، مأمون الخلاف، يجرد فيهم سيفه، ويبسط عليهم خيره، بقدر ما يستحقون، وعلى حسب ما يستوجبون، وهو فلان أيها المهدي. فسلطه - أعزك الله - عليهم، ووجهه بالجيوش إليهم، ولا تمنعك ضراعة سنه، وحداثة مولده؛ فإن الحلم والثقة مع الحداثة، خير من الشك والجهل مع الكهولة وإنما أحداثكم أهل البيت فيما طبعكم الله عليه، واختصكم به، من مكارم الأخلاق، ومحامد الفعال، ومحاسن الأمور، وصواب التدبير، وصرامة الأنفس، كفراخ عتاق الطير المحكمة لأخذ الصيد بلا تدريب، والعارفة لوجوه النفع بلا تأديب، فالحلم والعلم والعزم والحزم والجود والتؤدة والرفق ثابت في صدوركم، مزروع في قلوبكم مستحكم لكم، متكامل عندكم، بطبائع لازمة، وغرائز ثابتة.