عرض مشاركة واحدة
قديم 11-12-2019, 12:48 PM
المشاركة 171
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
قال المهدي: قد قال القوم، فاحكم يا أبا الفضل.
فقال العباس بن محمد: أيها المهدي، أما الموالي فأخذوا بفروع الرأي، وسلكوا جنبات الصواب، وتعدوا أموراً قصر نظرهم عنها، لأنه لم تأت تجاربهم عليها.
وأما الفضل فأشار بالأموال أن لا تنفق، والجنود أن لا تفرق، وبأن لا يعطى القوم ما طلبوا، ولا يبذل لهم ما سألوا، وجاء بأمر بين ذلك، استصغاراً لأمرهم، واستهانة بحربهم، وإنما يهيج جسيمات الأمور صغارها.
وأما علي فأشار باللين وإفراط الرفق. وإذا جرد الوالي لمن غمط أمره، وسيفه حقه، اللين بحتاً، والخير محضاً، لم يخلطهما بشدة تعطف القلوب على لينه ولا بشر يحيشهم إلى خيره؛ فقد ملكهم الخلع لعذرهم، ووسع لهم الفرجة لثني أعناقهم. فإن أجابوا دعوته، وقبلوا لينه من غير ما خوف اضطرهم، ولا شدة حال أخرجتهم، لم يزل ذلك يهيج عزة في نفوسهم، ونزوة في رؤوسهم، يستعدون بها البلاء إلى أنفسهم، ويصرفون بها رأي المهدي فيهم. وإن لم يقبلوا دعوته، ويسرعوا لإجابته باللين المحض، والخير الصراح، فذلك ما عليه الظن بهم، والرأي فيهم، وما قد يشبه أن يكون من مثلهم؛ لأن الله تعالى خلق الجنة وجعل فيها من النعيم المقيم، والملك الكبير، ما لا يخطر على قلب بشر، ولا تدركه الفكر ولا تعلمه النفوس، ثم دعا الناس إليها، ورغبهم فيها. فلولا أنه خلق ناراً لهم رحمة يسوقهم بها إلى الجنة، لما أجابوا ولا قبلوا.
وأما موسى فأشار بأن يعصبوا بشدة لا لين فيها، وأن يرموا بشر لا خير معه. وإذا أضمر الوالي لما فارق طاعته، وخالف جماعته، الخوف مفرداً، والشر مجرداً؛ ليس معهما طمع يكسرهم، ولا لين يثنيهم، امتدت الأمور بهم، وانقطعت الحال منهم إلى أحد أمرين: إما أن تدخلهم الحمية من الشدة، والأنفة من الذلة، والامتعاض من القهر، فيدعوهم ذلك إلى التمادي في الخلاف، الاستبسال في القتال، والاستسلام للموت؛ وإما أن ينقادوا بالكره، ويذعنوا بالقهر، على بغضة لازمة، وعداوة باقية، تورث النفاق، وتعقب الشقاق، فإذا أمكنتهم فرصة، أو ثابت لهم قدرة، أو قويت لهم حال، عاد أمرهم إلى أصعب وأغلظ وأشد مما كان.
وقال: في قول الفضل أيها المهدي، أكفى دليل، وأوضح برهان، وأبين خبر بان؛ قد اجتمع رأيه، وحزم نظره على الإرشاد ببعثة الجيوش إليهم، وتوجيه البعوث نحوهم، مع إعطائهم ما سألوا من الحق، وإجابتهم إلى ما سألوا من العدل.
قال المهدي: ذلك رأى.