عرض مشاركة واحدة
قديم 03-18-2012, 12:20 AM
المشاركة 6
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ومن المضحكات المبكيات فى هذا العصر أن تيار المهادنة السلفي نسي طوام الحكام وتجاهلها تماما فى هذا الشأن وانشغل بتطبيق قاعدة الولاء والبراء على النصاري فى مصر والدول العربية , فأفرغ فيهم كافة أحكام الولاء والبراء رغم أنهم من أهل الذمة لدى المسلمين وليسوا من الكفار المحاربين وينطبق عليهم قوله تعالى :
[لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ] {الممتحنة:8}
وإذا تأمل القارئ وأحصي كمية الخطب والأصوات الزاعقة الخارجة من هؤلاء الدعاة ضد النصاري يتعجب أشد العجب من حملتهم الشعواء على معاملة المسلم لنصاري بلده
بينما هم غافلون أو متغافلون عن موالاة اليهود والنصاري من الغرب المحارب الذى أخرجنا من ديارنا ومساجدنا وهتك الأعراض واستباح الأرض والديار وعاونه على ذلك الحكام العرب حتى أن الولايات المتحدة وإسرائيل ما كانتا لتتمكنا من أرض المسلمين بهذا الشكل الساحق لولا معاونة الحكام العرب وموالاتهم التى لا تقبل جدلا !
فكم خطبة يا ترى أنشأها هؤلاء الدعاة ضد موالاة وتيسير احتلال دول الإسلام للغرب , وتصدير الطاقة واستثمار أموال الشعوب فى البنوك الغربية حتى مثل المال العربي نسبة 5 % من الإقتصاد الأمريكى وحده ناهيك عن أن الأسواق العربية احتكرت تقريبا الإنتاج الغربي فى كافة الصناعات ومثلت مصرفا مهولا للصناعة الغربية لولاه لانهارت الصناعة الغربية فى بعض المجالات !
فضلا على استباحة حكومات الغرب لثروات المنطقة العربية حتى ما تركوا للشعوب شيئا وكل هذا بأبخس الأثمان لا سيما فى موارد الطاقة من البترول والغاز ولولا البترول والغاز العربي لما قامت الصناعة الغربية من الأساس حيث يمثل النفط العربي اللبنة الرئيسية والإحتياطى الإستراتيجى للغرب من موارد الطاقة ,
وقد رأينا أثر منع الغاز المصري عن إسرائيل وكيف أن 40 % من الطاقة الكهربية لإسرائيل تعتمد إعتمادا كاملا على الغاز لمصري ولولاه لعاشت نصف إسرائيل فى ظلام دامس !
كل هذا وليت أن الحكومات العربية تبيع الطاقة بأسعارها الواجبة إلا أنهم يبيعونها بخسة برخص التراب استجابة للضغط الغربي وبلغ سعر الغاز المصري فى صفقة بيع الغاز المشبوهة ما يقل عن السعر الرسمى العالمى بخمسة أضعاف !
فأين الخطباء المهادنون من هذا ؟!
وأيهما أولى بالإنكار والثورة ..
تلك الموالاة الرهيبة التى جعلت الغرب يضرب المسلمين بثرواتهم واعتمادا على طاقتهم ؟!
أم تعامل المسلمين من الشعوب مع نصاري بلادهم فى أمور البيع والشراء ؟!
ألا يذكرنا هذا الخزى بالطرفة المريرة التى رواها بن قتيبة فى عيون الأخبار عن أحد الزناة أتى شيخا يشكو إليه أن وقع فى الزنى وحملت المرأة منه سفاحا !
فقال له الشيخ مستنكرا : ولماذا لم تعزل منها حتى لا تحمل فتبوء بإثم الزنى وإثم الصبي ؟!
فقال له الرجل المتنطع : يا شيخ والله لقد بلغنى أن العزل مكروه
فهب الشيخ صارخا : قبحك الله .. بلغك أن العزل مكروه ولم يبلغ أن الزنا من أكبر الكبائر !!

ولما وفق الله الشعب المصري والتونسي للخروج بكلمة الحق فى وجه الظلم والكفر , وكان يجب على هؤلاء الدعاة أن يكونوا ــ بدافع شرع الله ــ فى مقدمة الصفوف , رأيناهم يتخذون الجانب العكسي , ولعمرى أين حمرة الخجل وإذا كان الله طمس بصائركم كمعاونين للسلاطين على البغي فعلى الأقل اسكتوا عمن خرج فى جهاد الظلم ولا تكونوا عونا عليه !

وسؤال ثالث :
ما هو موقف الحكام الشرعى الذى يوصفه الشرع فى حالة إذا ديس شبر من أرض المسلمين ..
ألا يوجب الشرع وبالإجماع المطلق على وجوب الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة ؟!
فماذا نسمى ما يحدث فى أراضي المسلمين منذ ما يزيد عن ستين عاما ؟!
وماذا فعلت الجيوش والحكام تجاه أمر بلاد المسلمين المستباحة فى مشرق الأرض ومغربها ؟!
أليس هذا هو حال ترك الجهاد الذى حذر منه رسول الله عليه الصلاة والسلام أشد التحذير , واعتبر العلماء إجماعا أنه من فساد المخبر والطوية تخذيل الناس وتقعيدهم عن الجهاد وكراهية المجاهدين واعتبار الجهاد مهلكة للأنفس ولا لزوم له !
فهذه الصفات لا تنطبق إلا على منافق مرجف كاره للإسلام والمسلمين كما فى قوله تعالى :
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ] {آل عمران:156}
قال بن كثير :
ينهى الله عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار فى اعتقادهم الفاسد الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا فى الأسفار والحروب لو كانوا تركوا ذلك ما أصابهم ما أصابهم "[1]"
وقال تعالى :
[وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ] {التوبة:56}
فأخبر سبحانه وتعالى أنهم ــ وإن حلفوا ــ إنهم ليسوا من المؤمنين فما هم منهم ولكنهم يفزعون من العدو ..
ولاحظوا أن هذا الحديث والتنفير من الجهاد محرم فى جهاد الطلب فما بالنا بحال اليوم وهو جهاد الضرورة ضد إحتلال البلاد وتشريد العباد
وهذه الأقوال أليست هى نص ما قالته أنظمة مبارك والحكم العربي عن الجهاد فى فلسطين والعراق وأفغانستان واعتبار الجهاد فيهما مهلكة وضد قواعد السلام العالمى ! , بل وزادت الدرجة إلى اعتبار مجرد المظاهرات المؤيدة لقضايا بلادنا المحتلة ملهية عن ذكر الله ! وأن تلك الحروب على بلاد المسلمين إنما هى حروب مشروعة بالقانون الدولى لمحاربة الإرهاب

وليت الأمر اقتصر على هذا ..
إلا أن تيار المهادنة السلفي تخطى كل حدود الحياء حتى بعد الثورة ,
ليس فقط بتلونهم الغريب وتراجعهم عن أقوالهم السابقة واستثمارهم الرخيص لكل مكاسب الثورة السياسية التى قامت على دماء الشهداء , إلا أنهم لم يرحموا حتى هؤلاء الشهداء من ألسنتهم ورأيناهم يتولون وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة على طول الخط كما لو أن وزارة القمع هذى لم تكن هى الأداة الأغلظ للنظام التى استخدمها للترهيب والقتل وسفك الدماء قبل الثورة وبعدها ووجها نحو الإسلاميين واغتال الآلاف منهم فى السجون وخارجها , وكان الأمر المتوقع أن يكون أى تيار إسلامى فى مصر والدول العربية أشد عداء لوزارة القمع من غيره من التيارات السياسية على اعتبار ما قاسوه تحت نير ظلم وفجر قوات النظام
إلا أن تيار المهادنة اتخذ العكس تماما , ولم يكتفوا بمناصرتهم فى البرلمان وترويج الإشاعات على الثوار والمتظاهرين واعتبارهم من متعاطى المخدرات بل أجازوا لوزارة الداخلية استخدام القمع ضد المتظاهرين السلميين فى خلط شديد بين المتظاهرين وبين البلطجية الذين يمارسون البلطجة برعاية الداخلية أصلا
كما أنهم خانوا دماء إخوانهم من شهداء الثورة ــ كما نحسبهم ــ ووجدنا منهم دعاة يخرجون علينا فى محاولة مكشوفة وهزلية لإنقاذ الضباط المتهمين بقتل أربعة آلاف متظاهر وإصابة آلاف آخرين بأبشع أنواع الإصابات أثناء الثورة , وكان قتلهم للمتظاهرين السلميين قائما بكل العمد والرغبة فى القمع فى جريمة إفساد فى الأرض تستحق حد الحرابة ..
فماذا كان رأى تيار المهادنة ؟!!
خرجت فتاواهم تعتبر أن القصاص من هؤلاء الضباط القتلة هو عمل متعذر ! , وأنه يستحسن لضحايا الشهداء وأولياء الدم قبول الدية فى دماء أبنائهم !!
وبالطبع يزول العجب وتزول الدهشة إذا علمنا أن هذا التكييف الشرعي الغريب لعملية القتل المتعمدة إنما خرج من أفواه تيار المهادنة استجابة لضغوط الداخلية التى بذلت الجهود الحثيثة للضغط على أهالى الضحايا للتنازل عن حقوقهم وإنكار أقوالهم أمام النيابة العامة وقبول التعويضات التى تدفعها وزارة الداخلية لضباطها !
أى أنهم استمروا حتى بعد الثورة فى العبودية الغريبة لأجهزة الأمن والوقوف معهم فى نفس الصف ضد الشعب الذى وثق بهم وجعلهم أئمته ودعاته !


الهوامش :
[1]ــ تفسير بن كثير ــ الجزء الأول