عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2018, 02:05 AM
المشاركة 14
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
* الشِّعر سلاح الشّاعر:


فقضية تأثير الشعر في النفوس ، وقوة هذا التأثير ، جعلت مهيار يتصوّر أنّ هذا الشعر أقوى سلاح يرفعه الشاعر في وجه من يعاديه ، أو يحاول تدنيس بلاطه العاجيّ ، وتأثيره الإيجابي سيكون بمستوى تأثيره السلبي حين يكون سلاح دفاع أو هجوم ، فهو لسان الشاعر وحاله ، يقول مهيار في ذلك:
إذا شئتَ أن تبلو امرأً أين فضلُهُ .... من النّقصِ فاسمع منه إطرايَ أو جَرحي
وكم ملكٍ لو قد سمحتُ أريتُه ...... بوجهِ قريضي طلعةَ النصر والفتحِ(3)
فالشّعر يفضح مواطن النّقص في الناس ، وليس أي شعر ، فمهيار يخصّ شعره وحده بذلك فخراً وزهواً ، حتى إنّه لا يمدح نصر ملك أو فتحاً حتى ليطلق لخاطره العنان. فثقته الكبيرة بقوافيه ، تجعله يهدّد منازعه بجبروتها وسطوتها ، فهي تضرب في الأرض طولها وعرضها ، وتحقّق مآربها بما تملكه من قوة وتأثير، ونرى ذلك في قوله:
فتأهَّبْ لوافداتِ القوافي ..... يعتملنَ الدُّجَى وما كُنَّ سَفْرا
ضارباتٍ في الأرض طولاً وعرضاً ..... وهي لم تلق جانباً مغبرّا(4)
فتعبيره بفعل " تأهّب" فيه من القوة ما يهيب النفس ، ويجعل الطرف الآخر يتوقّع القادم ، وهذا دليل فخر مهيار بنفسه وبشعره ، وكيف لا ، وشعره الميراث الذي يتباهى به أمام قومه ، فهو من نسج فكره ، وليس له من منازع في أصالته وحنكته ، يقول في ذلك:


لا زال مدحِيَ ميراثاً يقابلكم ..... عنّي إذا الشعرُ في آذانكم نُودِي
من نسج فكري تردّ العارَ دونكُمُ ..... ردّ السهام نبتْ عن نسج داودِ(5)





فالقوافي باتت سهام تردّ العار عن قوم مهيار بفضل دفاعها عنهم وشدتها في بلوغ مآربها في النيل من كلّ من يحاول النيل ممن يخصّ الشاعر.
وقلنا سابقاً إنّ القبائل كانت تحسب حساباً كبيراً لشاعر قبيلتها ، فهو حاميها لحظة الشدّة ، ورافع شأنها بصيته بين القبائل ، وممّا ورد في كتب الأخبار ، أنّ الشّاعر كان " يُقدّم على الخطيب ؛ لفرط حاجتهم إلى الشّعر الذي يقيّد عليهم مآثرهم ، ويُفخّم شأنهم ، ويهوِّل على عدوّهم ومَنْ غزاهم ، ويُهيَّب من فرسانهم ، ويخوّف من كثرة عددهم ، فيهابهم شاعر غيرهم ، ويراقب شاعرهم"(1)


وبسبب هذه المكانة الكبيرة للشعراء ، استطاع مهيار أن يمتلك الثقة المطلقة بذاته وبشعره من خلال تقديس قومه لأشعاره ، وفخرهم بانتمائه إليهم ، وذوده عنهم . فالشّاعر يكتسب ثقته من محبّة قبيلته ومَلكه ، وتفاخرهم بما يقوله من قصائد.
ومن يقرأ ديوان مهيار ، يستطيع أن يلاحظ بسهولة إعجابه الشديد بشعره ، وفخره به ، فهو يملك سمات الجمال التي تجعل يوسف (عليه السلام) يتخلّى عن حسنه وجماله أمام حسن هذه الأبيات وشدّة روعتها. وكأنهّا قارب يبحر وسط عباب المعاني ليصل إلى أبكار ها ويستوفيها من ممدوحيه ، يقول مهيار:
يؤخرني القريضُ لدى أناس .... ركبت إلى مدائحهم شراعهْ
قصائدُ لو سبقت بهنّ حتى .... أصيِّرهنّ في سفرٍ بضاعهْ
شريتُ جَمالَ يوسفَ وهو راضٍ .... بهنّ وعدتُ فاستثنيتُ صاعهْ (2)
فشعره ليس من النّوع العادي ، ومن غير الممكن أن يمرّ مرور الكرام في المهرجانات والمجالس ؛ فالشعراء كثيرون بلاشك ، والشعر منتشر ومسموع بشكل كبير ، إلاّ أنّ إعجازه خُلق لمهيار دوناً عن جميع الشعراء ، ونسمعه يقول في هذا الصدد:
ولعمري إنّ القريضَ إذا عُد ..... دَ كثيرٌ وما يَسيرُ يسيرُ
ليَ وحدي إعجازهُ والدعاوَى ..... طَبقُ الأرض فيه والتزويرُ(3)
ومسحة الفخر التي نراها تكلل معطم أشعار مهيار ، نراها استمداد لمسحة تمتّع بها أستاذه الشريف الرضيّ ، فقد كان رحمه الله مفاخراً بقوافيه ورشاقة معانيها ، فهو يرى أنّه الأصل في قول الشعر ، ومن سواه الفروع ، يقول الشريف :



وإنّ قوافي الشعرِ مالم أكن لها ..... مسفسفةٌ فيها عتيقٌ ومقرفُ
أنا الفارس الوثّاب في صهواتها ..... وكلّ مجيدٍ جاء بعدي مردفُ (4)




فالشّريف يستأثر بالأصالة الشعريّة لنفسه ، " فالّشعر الأصيل فطرة لا كسب ، والشّاعر يطبع ولا يصنع ولا يُقلّد ، لأنّ التقليد سلب للحريّة التي ينبغي أن يتحرك الشّاعر داخل إطارها ، ليعبّر بالشعر عن انعتاقه وتمّرده ". (1)

ونجد أنّ مهيار سار على نهج أستاذه في ذلك ، فنال قصب السبق بجودة القوافي ، ووضوحها وسط الظلام بسبب انتمائها لفكر ذي شرف ونسب رفيع:
يقول الديلمي :
لو أُقيمت معجزاتي فيكُمُ .... قِبلةً صلَّى لها الشعرُ وصاما
أو زقا الأمواتُ يستحيونها .... نشرت بالحسن رِمّاتٍ وهاما
فاسمعوها عُوَّداً وابقوا لها .... وَزَراً ما صرَفَ الصبحُ الظلاما(2)


وكأنّ الشعر بقوامه سيركع لقوافيه ، فمعجزاته حيّرت عمود الشّعر ، فاتخذها قِبلته ووجهته ، وهذا يعيدنا للفكرة التي تكرّرت عند أستاذه الشّريف ، وهي قضيّة أصوليته للشعر ، واعتبار من عداه فروع تمتدّ عنه ، لكنها لا ترقى إلى مكانته.



https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..