عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-2010, 02:36 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
* الجزء الثاني والأخير*




" . . لدي وثائق تدينهم وتثبت جرائمهم . . وتثبت ملكيتنا الضائعة . . هم يريدون هذه الوثائق . . وأنا قد أخفيتها جيداً . . لو قبضوا علي لأنهوا حياتي فوراً . . ليضمنوا سكوتي . . "


انتهى الشاب من حديثه . . وساد الوجوه وجوم التوجس . . إذن فالقضية خطيرة . . والمسؤولية تقع على الجميع . . الحذر واجب الآن بشكل أكبر وبشكل كامل . .


مرت أيام عدة . . جاء رجلان إلى الحي . . السواد رداؤهما . . يسألان السكان عن شاب هارب معهم صورته . . وصارا يجولان في الحي كل يوم . . ويسألان نفس الأسئلة . .


أيام شديدة الوطأة مرت على الجميع . . فانكشاف الأمر يعني فقدان حياة . . ويعني للوالد سجناً دائماً وتعذيباً . .


وتمر الساعات بطيئة . . ثمانية أشهر كاملة . . والشاب قابع في سقيفته . . لايدري به أحد . . أحداث مرت . . مناسبات وأعياد . . وكلها مرت بسلام . .


وفي كل حين . . ورغم موقفه المأساوي المؤلم . . فإن صورة هناء . . الفتاة الجميلة الواثقة . . ما فتأت تظهر أمامه . . كلما تنفس . . وكلما تحرك . .


كيف لفتاة في هذا العمر . . أن تتصرف كالرجال . . كيف لها أن تتحمل الخطر . . لم يجدها مضطربة لحظة واحدة . . نظرتها تحمل شجاعة تنفع الرجال وتدفعهم إلى تأدية الواجب . . لله درك أيتها الجميلة . . كم أنني استقويت بك على الألم . .


تأقلم الجميع . . استوعبوا الوضع الجديد . . وأحسوا بمدى الجدية فيما يفعلونه .


كانت الأعصاب مشدودة . . ولكن الايمان كان كبيراً . .



" أين جلال . . ! ! " وهدر صوت الوالد قبل الظهر . . في غير ميعاده . . " أين جلال . . ! ! " . .


" سقط الطاغية . . وتحررنا إلى الأبد . . "


نزل جلال من السقيفة مسرعاً . . يكذب أذنيه . . لم تتمكن حواسه أن تستوعب مايسمع . . فالخبر كأنه حلم جميل . . أحس نفسه بعالم آخر لم يعتد عليه منذ سنين طويلة . . - - . .


" ماذا قلت ياعمي . . أرجوك . . كررها مرة ثانية . ."


" لقد سقط الطاغية . . قبضوا عليه وأعدموه فوراً . . وقبضوا على أعوانه . . لقد تحررنا . . لن تحتاج إلى التخفي . . وسوف تستعيد حقك المهدور. ."


تقاطرت دموع الفرح من العيون . . وجـــم جلال غير مصدق . .


والتفـت العائلــــــة حـولــــــه تهنــؤه . .


وحدها هناء . . التي تعلقت بشاب أنقذته . . تلاعبت بها عواطفها . . ولم تعرف ما تفعل . . هل تفرح ؟ . . هل تحزن ؟ . . دارت عواطفها بصعوبة . . فما عملته كان واجباً أملاه عليها ضميرها . . ولكنها في نفس الوقت . . ليست قادرة على مغالبة شعورهـــــا . .


غادر جلال البيت لأول مرة بعد ثمانية أشهر كاملـــــة . . غادر إلى بلده القريـب . . وبسهولة استرد أملاكه واسترد ثروته . . وكان يتصل دوماً بوالد هناء يطمئن عنه وعن أفراد العائلة فرداً فرداً . .


مرت الأيـــام سريعة على جلال . . مليئة بالأحداث. . وعاد إلى وضعــه الطبيعي . . ثري من الطبقة العليا . . يسكن منزلاً هو أقرب إلى قصر . . مسموع الكلمة


ذا نفـــــوذ . .


أما هناء . . فكانت الأيام تمضي بها بطيئة ثقيلة . . لا تدري ماذا تفعل فيها . . الشابة الجميلة اعتادت على وجود جلال قربها . . وأحبته . . ولم تستطع اعلان حبها إلا من خلال نظرات قصيرة بين حين وآخر . . فالوضع لم يكن مناسباً . .


ورغماً عنها . . وفي كل ليل . .. كانت قطرات من دموع المحبة . تبلل خديها . .


اكتمل تجديد بيت جلال . . واتصل بالوالد يدعوه أن يقضوا عنده فترة العطــلة . .


تجهزت العائلة للرحلة . . وقد أصبح جلال بالنسبة إليهم . . وكأنه حقيقة فرد من العائلــــــــة . .


وصلـت الســـيارة إلى منزل جلال . . وبدا لهم من بعيد تجمع غفيـــر عند البوابة . . لم يعرفوا في البداية سببه . . وحين اقتربوا . . وجدوا جلال محاطاً بأهله وعشيرته وقد جهز ذبائح كثيرة على شرف قدوم الأحبـــــــــــــاب . .


ضربت الدفوف . . وعلقت الزينة . . وكان الترحيب هائلاً . .


وفي مساء اليوم نفسه . . يقترب جلال من الوالـد متردداً خائفــــاً . .


" مابالك ياجلال . . لم أعتد منك هذا التردد . . ! ! ماذا تريــد . . ! !"


"عمي الغالي . . أريد أن أعقد قراني على هناء اليوم . . بل الآن . . أرجوك ياعمي . . اقبل طلبي . .ولا تكسر خاطري! ! "


فوجىء الوالد بالطلب . . ومع ذلك وحباً بهذا الشاب النبيل . . فقد قام إلى ابنته في غرفتها . . وجمع العائلة حوله . .


" سيتم اليوم ان شاء الله عقد قران هنـــاء على جلال . . ! ! مارأيكــم ! ! "


سكت الجميع . . استحت هناء . . وغزا الاحمرار وجنتيها . . وحتى الوالدة لم تقل شيئاً . .


" تجهزوا . . سنطلب المأذون . . "


وانقضت الأتراح . . وبدأت الأفراح . . هدية من السماء لقلبين أبيضين . . عاشا علـــى المبـــــدأ والحـــــق . .



ألا كم أن رحمة الله واسعة . .


كيف يجيء النصـــيب . . !!


وكيف تلتقي الأرواح . . !!


نقنع بما قسم الله لنــا . .


لا اعتراض على حكمــــــه . .


هـــــــــو المدبـــر . .


هـــــــــو الرحيـــم . .


وهو علام الغيوب . .







** أحمد فؤاد صوفي**