عرض مشاركة واحدة
قديم 09-04-2014, 03:35 PM
المشاركة 1192
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع......

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 58- صنعاء مدينة مفتوحة محمد عبد الولي اليمن

-لعل القاسم المشترك لكل ه اعمال عب الولي دون استثناء معاناة الشعب اليمني حيث يرسم من خلالها صورة بالغة القتامة ، إلا أنها شديدة الواقعية عن مجتمعه.

- محور قصصه هي الغربة عن الوطن والاغتراب داخله.

- في (صنعاء مدينة مفتوحة) نتعرف على نعمان، محمد مقبل، الصنعاني، هند، فتاة الجبل، فاطمة، وهي شخصيات رسمها بعناية ومهارة شديدتين وكأنها تتحرك أمامك، بل إنك تشعر أنك تعرفها وربما صادفتها من قبل، تشترك كل هذه الشخصيات معاً في بناء هذا النسيج الذي يخلق الرواية.

- فنعمان مثلاً وهو الشخصية المحورية في العمل لا تستطيع الحكم عليها من الوهلة الأولى، فالانطباع الأول غير كاف، وبالتالي فإن الحكم على الشخصية لا يأتي من خلال هذا الانطباع وإنما من خلال سلوك الشخصية وكلامها وثقافتها وآراء الآخرين فيها فماذا نجد في نعمان؟

- نعمان شاب في الخامسة والعشرين من العمر – كما يصفه الكاتب وهو قريب من عمره – لا ندري من خلال الرواية ماذا يعمل في عدن ولا في قريته إلا مزارعاً أحياناً مع ذويه، فهو ابن عائلة فلاحية، جرب الحياة في المدينة (عدن) وعاد إلى الريف ثم عاد إلى عدن، نجده يشعر باغتراب عن أهل قريته، وهو غير راض لا عن أخيه سيف الذي سلبه فاطمة ولا عن أهل بلده.

- هذا الاغتراب الذي يعيشه نعمان يفسر تنافر الحالة النفسية للفرد مع العرف الاجتماعي الذي أصبح جزءاً خالصاً للمفهوم الجديد للإنسان الذي تحدد على يد “روسو” و”غوتة” كما يرى د. أحمد الهواري في كتابه “البطل المعاصر في الرواية العربية”.

- ونعمان هذا يبدو غامضاً، في ماضيه سر، يعيش بمعزل عن المجتمع ، وعندما وجده الناس هكذا حاولوا استدراجه إلى حياتهم بأن جلبوا القات ليمضوا الوقت معه إلا أنه بدل أن يشاركهم تركهم وصعد إلى الجبل. نراه يتحدث بين وقت وآخر عن أن هؤلاء الناس بلا زعيم بلا تنظيم لكن أفقه الأيديولوجي لم يتحدد بالضبط.

- إن شخصية نعمان شخصية نامية تلتصق بالأحداث تؤثر وتتأثر بها، وإذا كان نعمان بطلاً للرواية، فذلك لأنه يحمل على كتفيه فكر الرواية، فالبطل لا يظهر إلا متى اهتزت القيم والبطل هنا ليس المنتصر، فالمهم ليس تحقيق ما يهدف إليه وإنما المهم شرف المحاولة.

- وإذا كانت المسرحية في جوهرها حوار، فإن الرواية في جوهرها السرد الذي يشكل مع الوصف والحوار واللغة النسيج الروائي. وقد يختلط علينا الوصف مع الرواية، ولكن يمكن القول إن السرد حركة، أما الوصف فهو سكون، والسرد حيلة يلجا إليها الروائي لإيهام القارئ كي يجعله يقع تحت تأثير ما يريد قوله. ففي رواية (صنعاء مدينة مفتوحة) بدأ محمد عبد الولي روايته (تساءلت كثيراً قبل أن أكتب إليك) وتنتهي الرواية ولا ندري لمن بعث رسائله هذه، إذن هي حيلة لجأ إليها ليقص علينا روايته وليجعلنا نصغي إلى سرده.

- إن الروائي الذي يحمل أفكاراً يحاول إيصالها إلى القارئ إلا أنه لا يقولها بشكل خطاب، أو تعاليم، بل يختار لها هندسة معينة محببة ولا بد له أن يوازن بين البناء الفكري والفني والشكلي، يحدثنا نعمان في بداية الرواية عن حياته في الريف يستخدم بعض أساليب السرد، فاستخدام أسلوب الرسائل التي تشبه اليوميات وهي تقنية سردية نشأت في وقت مبكر مع نشأة الرواية.

- فاليوميات أو الرسائل تعبر عن طبقة متعلمة تمتلك وقت فراغ تمارس فيه هوايتها وهي الكتابة عن أحداث مرت، وهكذا بدأ محمد عبد الولي روايته بكتابة رسالة غير أننا نجدها ليست رسالة تقليدية، بل هي متحررة من قيود الرسائل التقليدية وتتحرر أكثر فأكثر لتتحول إلى رواية.

- كما استخدم أيضاً التذكر والذي يتم عادة من خلال المفجر ويقصد به الموقف الذي يفجر ذكرى تعيد الشخصية إلى أجواء تلك الحادثة، ففي مشهد جنازة بنت الجبل السمراء يتذكر لقاءاته المتعددة بها والأوقات الجميلة التي قضياها معاً،

- كذلك استخدم محمد عبد الولي الحلم وهو وسيلة يلجأ إليها الروائي هروباً من السلطة أو الأعراف الاجتماعية حيث يلتمس عذره في أنه في حلم وليس في واقع تختلط أحياناً مع أحلام اليقظة، ولعل الرؤيا التي مر بها نعمان في آخر العمل ورؤيته لهند وزينب وفتاة الجبل السمراء كانت نوعاً من هذا الحلم.

- وإذا كان الحوار مهما في المسرحية، فهو لا يقل أهمية في الرواية حيث يقوم بدور المفسر والممهد لأحداث وقعت أو ستقع فضلاً عن أن القارئ يكتشف من خلاله ثقافته الشخصية وعمقها أو سطحيتها فبين نعمان وفتاة الجبل السمراء يدور الحوار التالي:
نعمان: لا بد إذن أن حياتك صعبة نوعاً ما؟
الفتاة: إن حياتي ليست صعبة فأنا أعمل في الأرض والبيت وأجد لقمة العيش دائماً، كذلك أجد ملابس من أخي أو من والدي، أما زوجي فأنا لم أعد أهتم به لأنه لا يهتم بي (ص 23) هذا الحوار يرسم لنا أبعاد الشخصية المحدثة، ظروف* حياتها، معيشتها، سلوكها مع زوجها، وهذه هي وظيفة الحوار في الرواية.

- أما الوصف فإن الروائي يعمد إليه ليشرك القارئ إشراكاً غير قسري بالعمل والوصف، كما قلنا غير السرد، ففي هذا المقطع على لسان نعمان صورة وصفية “وانطلقت بي السيارة تاركة خلفها محمد مقبل يرفع يده مودعاً ورأيت الوادي أمامي من جديد بأشجار النخيل وأراض زراعية مكسرة وجثث حيوانات على ضفتي الوادي” (ص 36).
- أما المكان فإن لا بد أن يلقي بظلاله على الشخصية والحدث معاً، فقد تجول عبد الولي في ربوع اليمن وتحدث عن الريف والمدينة، الريف والعلاقات بين أهله والمدينة وحياتها وساحلها الذهبي وليالي الصيف الجميلة وغيرها، وانتقل إلى زبيد وعلمائها الذين تبخروا، وعن صفائها ومآسيها غير أنه لا يرى في بلده إلا “زريبة للحمير” (ص 37).
-إنه يتألم لحال وطنه فيصفه بهذا الوصف ويتمنى أن يرتقي مثل باقي البلدان التي زارها وعاش فيها،

-كما صور المقهى بأسلوب جميل ورسم صوراً رائعة لروادها وكذلك الميدان والسوق.

-لقد أغنى الرواية بأسلوبه الجميل بصور كانت قاتمة إلا أنها رسمت بفنية عالية.

-أما الزمن عند عبد الولي فإنه باستخدامه أسلوب الرسائل جعل الأحداث تروى في الزمن الماضي، إلا أن ذلك لا يمنع من تداخل الأزمنة مع بعضها البعض، فالرسائل تذكر الصنعاني وتذكر البحار وهي قص من الزمن الماضي إلا أنه يتداخل مع الزمن الحاضر، فتذكر البحار حين يقول “كانت زبيد منارة للعلم منذ عرف اليمنيون العلم (ص 56)، ثم يقول “داخل الأسوار ينام الناس ويأكلون ويذهبون للصلاة ليؤدونها دون حماس، ثم يعودون ليناموا” (ص 57).

-والمرأة عند محمد عبد الولي كانت على الدوام الملجأ والواحة التي يحط الرجال عندها وينشدون الراحة، هذه الراحة التي تثمر بعد الوصال، فينتشي الرجل ويكبر زهوه بنفسه، وهو ما يتساوى فيه الفقير والغني على حد قول أحد أبطال العمل، فنساء الرواية وإن كن مختلفات في التفاصيل غير أنهن كن الملاذ دائماً، فهند زوجة نعمان لم يعرها اهتمامه غير أنه كان يشعر بالاطمئنان معها، وحزن أشد الحزن لفقدها، فتاة الجبل السمراء امرأة محرومة من زوجها لأربع سنوات وجدت سعادتها مع نعمان ووجد نعمان سروره معها، زينب امرأة صغيرة تبذل المستحيل لإرضاء نزوات نعمان يصفها فيقول “جسد تتمدد فوقه كل طبقات بلادنا وها أنا ذا آخذ دوري” (ص 77)، فهل زينب هي الوطن أم هند التي يقول عنها “كانت تعمل في صمت وتنام في صمت وتبتسم في صمت كانت مثل أرضنا شابة وخطها الشيب سريعاً” (ص 74).

-لقد كان في نعمان الكثير من محمد عبد الولي الذي أفاده تنقله بين العديد من الدول زائراً ومقيماً مما منحه هذا التنقل حرية أكبر في التعبير بعد أن استوعب من تلك المجتمعات ما يفيده في عمله الروائي، إلا أنه ظل مخلصاً لبيئته ومجتمعه وعبر عنهما اصدق تعبير وما زالت كتاباته إلى الآن تثير حفيظة الآخرين.

-إن أدب محمد عبد الولي يستفز في القارئ مكامن سباته مثل إلقاء حجر في بركة ماء ساكن لتفضح عما في داخله،
- مات عبد الولي وظل أدبه يذكرنا بقيمة الإبداع التي تخلد صانعيها.