عرض مشاركة واحدة
قديم 10-21-2010, 06:02 PM
المشاركة 8
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
- القرن التاسع عشر-الربع الثاني (الحركة الرومانسيّة):
تشير الظواهر الأدبيّة في أواخر القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر إلى نشوء مذهبين متعارضين وهما الرومانسيّة والواقعيّة، وهذان المذهبان هما اللذان سيسيطران في الفترات اللاحقة على اختلاف فترة السيطرة وشكلها، وهما على اختلافهما يلتقيان في خروجهما على التزمّت الكلاسيكي، والتوجّه إلى مضمون الأدب وشكله معًا، تمرّدًا على التقليد الذي جمّد الأشكال بزعم محاكاة الروائع.

ويتميّز القرن التاسع عشر بتعدّد الاتجاهات الفكرية وتطورها، وفيه:
· ظهر الانقسام بين الاتجاهات الفكرية إلى يمين ويسار، تمثّل اليمين في الكنيسة والنزعات القوميّة المتطرّفة كالنازية والفاشيّة التي كانت تعتقد بالتفوق العرقي، والدكتاتوريّة، ومناهضة الاتجاه الإنساني؛ كما يمثّل اليمين عدد من المفكرين والفنانين الأرستقراطيين الذين فزعوا من الديموقراطية وتسلط الأكثريّة (الغوغائيّة). وتمثّل اليسار في الحركات الاشتراكيّة المختلفة التي تهدف إلى تمكين الديموقراطيّة، وأبرزها الشيوعيّة أشدّ الحركات اليساريّة قوّة وثوريّة.

· أخذت التيارات الفلسفية تتشعّب وتتعدّد ممّا يصعب معه إحصاؤها وتقنينها، ومن أسباب هذا التعدد: السرعة المتزايدة في وسائل الإنتاج الذي أدى إلى تغيير في التركيب الاجتماعي، انقسام الطبقة الوسطى إلى فئات متعددة وتضارب تلك الفئات، وزيادة الوعي بين العمّال والصناعيين، بروز القوميات التي أدّت إلى الانشقاق والتضارب، زوال هيمنة الفلسفة التقليدية المحصورة بالكنيسة أو الجامعات، فأصبحت الفلسفة مهمة فردية.

· انتشار اللبراليّة نتيجة للتشعب والتعدّد، وهي تقوم على مبدأ الحرية الفردية في التجارة والصناعة وبالقومية المعتدلة والديموقراطيّة والتردد على الكنسية، وقد أسهمت بهذا المفهوم الواسع إلى احتواء الاختلافات مما نتج عنه ازدهارًا كبيرًا في الانتاج الصناعي والزراعي، ونشاطًا قويًّا في الفكر والأدب.

· قيام الاتجاه الروحي معارضة للنزعة المادية التي سيطرت على جوانب الحياة المختلفة، وهو ينظر على أنّ الإنسان قوّة فعالة مؤثّرة لا مجرّد آلة لا حول لها ولا قوّة، وأنّ إدراك الحياة مطلب فوق مقدور العقل، والحدس هو الأداة الوحيدة الصالحة للنفاذ إلى باطن الوجود .

· استمرّت الفلسفة الوضعية في هذا العصر تصارع الفلسفات الأخرى، غير أنّها ما لبثت أن اتفقت معها على أن يكون الهدف الجامع هو البحث عن الحقيقة القائمة، دون الحاجة إلى فهم الجوهر المفترض.

· قيام الماركسيّة، وهي ذات أهميّة تفوق سائر الفلسفات المنتشرة هذا العصر، ذلك أنّها لم تكن مجرّد فلسفة فكريّة معزولة، بل كانت ثورة فكريّة واجتماعيّة هدمت كثيرًا من المعتقدات الراسخة، وغيرت مجرى حياة كثير من الناس، إضافة إلى أنّها انتشرت في العالم كله سواء الرأسمالي أو العالم الثالث، إضافة إلى كونها ذات رأي متماسك بخصوص مبادئها فيما يتعلق بالأدب والفنّ، فأسهمت في نشوء مذهب (الواقعيّة الاشتراكيّة).

· نشوء الفلسفة الوجوديّة التي -على اختلاف مدراسها- تصبّ اهتمامها على حقل الحياة الفرديّة ذاته، فالوجود الحقيقي هو العالم الباطني الخاص بكل إنسان.

وهذه الظروف المتداخلة والمتعاقبة سريعًا، لم يكن الأدب بمعزل عنها، وشهد بها في الربع الثاني من القرن التاسع عشر نشوء الحركة الرومانسيّة، وأبرز مقوّماتها:
· رفض القوانين والقواعد.
· الاهتمام بالشاذ وغير المألوف.
· مهاجمة الموضوعيّة لصالح الذاتيّة الانفعاليّة.
· العزوف عن اللغة المنمّقة لصالح لغة سهلة متحررة.
· الهزء من التهذيب الاجتماعي، والإقدام على معالجة موضوعات محرّمة، كالجنس مثلاً.

ومن أشهر شعرائها في هذا العصر: غوتة في ألمانيا، ولامرتين في فرنسا، ووردزورث في انكلترا، وإدغار ألان بو في أمريكا، وبوشكين في روسيا... وغيرهم.

وأبرز آثار الحركة الرومانسيّة:
· نهضة الشعر الغنائي بعدما خفّ صوته في عهد الكلاسيكيّة الجديدة، وكان ذلك وراء تفجير النزعة الذاتية الفردية.

· فهم الإنكليز الرومانسيّة على أنّها انعكاس لكلّ ما هو فطري وغير متكلّف في الإنسان والطبيعة، وتحرّر لا يحدّه حدّ في الخيال والتصوير، ومع ذلك فإنّ العامل الاجتماعي كان بارزًا فيها، فاستطاعت أن تلفت إلى معاناة الإنسان في ظلّ المجتمع الصناعي الجديد.

· امتازت الرومانسيّة الفرنسيّة بالسوداويّة والهروب والتعلّق الشديد بالطبيعة، بينما نزعت الرومانسيّة البريطانيّة إلى التفاؤل والمقاومة.

· لم تقتصر الحركة الرومانسيّة على الشعر بل نشطت معها الرواية العاطفية والتاريخيّة، منها روايات: جورج صاند، وولتر سكوت، وهيغو.

وهذا الاستعراض الموجز يكشف أنّ من أكبر الأخطاء التي يقع فيها دارسوا الأدب اعتبار الحركة الرومانسيّة مدرسة متكاملة يتعاون أدباؤها ضمن مفهوم محدّد للأدب، وإنّما هي اتّجاه ساد الأقطار الأوربيّة بتفاوت، ويجمعه موقف الرفض والاحتجاج أكثر ممّا يجمعه التمثّل بخصائص مشتركة.
>>> يتبع..