عرض مشاركة واحدة
قديم 08-27-2010, 09:33 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
- الفصل الثالث-


"و لكن كيف ؟ ". . قالها لنفسه ثم اعتدل في جلسته. . و شعر بالنشاط يدب في أوصاله . . وبدأ بوضع خطته الخاصة . . التي تمكنه من قتل أكبر عدد ممكن من الصهاينة. . واستخدم عقله البكر في تحليل الموقف . . هو يحتاج إلى مباغتة الأعداء في مكمنهم . .في مكان تواجدهم . . و يحتاج أن يحمل معه كمية كبيرة من المتفجرات خفيفة الوزن . . و توكل على الله . . و بدأ ترتيباته لوحده . . حتى والديه . . لم يتمكنا من معرفة ما يجري . . لاحظا فقط أن ابنهما قد أصبح هادئاً و منظماً جداً . . و أحسا بأنه يخطط لشيء كبير لم يتلمسا كنهه . .


خلال أيام قليلة . . كان ثائر قد تعرف بشكل تفصيلي على المناطق التي تحيط ببلدته . .ووجد أن معسكر اليهود في طرف البلدة ، يحميه سور شائك كثيف . . وتحميه الدبابات . . وأبراج الحراسة . . و لكن . . وفي جزء واحد صغير منه . . كانت نباتات كثيفة تشكل حاجزاً طبيعياً يمنع الاقتراب أو المرور إلى المعسكر . . وعرف ثائر أن الجنود و الضباط يحتفلون ســـوياً كل يوم ســـــبت . . . إذن . . هذا هو الهدف . . و ستكون الخطة كما يلي :
سيزحف بين النباتات الكثيفة . . و يشكل لنفسه ممراً آمناً . . يصل به إلى السور الشائك . . و هناك عليه أن يحفر خندقاً . . يمر من تحت السور . . كي يتمكن من الدخول . . أما المتفجرات و المسدس الشخصي . . الذي لا شك سيحتاج إليه. . فسوف يستعيرهما من المخزن السري للجماعة . . و الخطة سوف تحتاج إلى خمسة أيام لإتمامها . . ومع ما في الخطة من مخاطرة كبيرة . . فقد وجد أنها تحقق المطلوب بشكل تام . .

في أحد أيام الآحاد . . و في الليل البهيم . . تسلل إلى المخزن السري للجماعة . . وأخذ ما يلزمه من متفجرات مع مسدس واحد و رباط واحد للرأس . . رباط الشهادة . . و اتجه صوب

الحاجز النباتي . . و زحف خلاله إلى أقصى مدى ممكن . . مستعملاً مقصاً عتيقاً وجده في البيت . . وعندما لاح شعاع الفجر قام بإخفاء كيس المتفجرات . . وأغلق مدخل النفق بأكمة نباتية من الأشواك . . وعاد أدراجه إلى المسجد . . فصلى الصبح واستمع إلى وصايا الإمام. . وتمنى لو يخبرالامام أن رسالته قد وصلت . . وأن حياته وحياة كل فلسطيني. . هي فداء لهذه الأرض . . وأسرع ثائر بعد ذلك إلى البيت. . ونام بعمق كبير لم يعرفه منذ وفاة أخيه . . سبع ساعات متواصلة. . استغرب أهله منه ذلك . . و أحسوا بذات الوقت بما ينوي أن يفعل. .


- الفصل الرابع-


كانت والدته تحبه حباً كبيراً. . ولكنهاأبداً لن تمنعه من الدفاع عن الأرض والعرض. . لقد ثكلت قبل زمن بوالدها . . ثم بأخيها . . ثم ثكلت بابنها . . ولكنها صمدت . . ووضعت في سلم أولوياتها. . أن القدس و الأرض تأتي أولاً وهي مؤمنة أن أولادها سيكونون اليوم أو غداً من الشهداء . . ولو هيأ الله لهم الشهادة . . فلن ترضى أبداً ان تكون عقبة في طريقهم . .


(( اللهم ارزقني شهادة من عندك. . وارزقها أبنائـي. . اللهم ســـهل طريقهـــا إليهم. . واجعلــها هدفــهم. . وخذهــم إليك. . إنـك ربي ســـميع الدعاء. .. إنـك على كل شـــيء قدير. .)) .


هكذا كان دعاؤها. . هربت من قلبها. . وضغطت على روحها. . وسيطرت على شعورها. . .

للـه كم أحبت ولديها . . للـه كيف كان شعورها لما تسلمت جثة ابنها. . ولكن اللــه الذي توكلت عليه وحده . . منحها القوة و الثبات . . ومنع عنها الخذلان . .

ومن يتوكل على اللــه فهو حسبه. . .

وبعد صلاة الظهر. . ذهب ثائر إلى جار لهم. . واستعار منه آلة التصوير التي تعطي صوراً فورية . . ثم ذهب لصديق عمره محمد . . وطلب منه الحضور للبيت معه لأمر هام . . وفي غرفته . . علق ثائرعلم فلسطين . . على الجدار العريض . . وكتاب اللـــه عن يمينه . . وصورة بندقية عن يساره . . ثم نثر بعض أصابع الديناميت حوله. . وأمسك المسدس بيده. . وأمسك بيده الأخرى رسالة كتبها بنفسه. . ولم ينس أن يضع شريط الشهادة حول جبينه. . .
و تم التقاط ثلاث صور. . الأولى لأهله . . والثانية لأمير الجماعة . . والثالثة لصديقه وكاتم سره. . وظهرت الصور الثلاث . . فيها الإقدام و الأمل . . فيها الشـــهـادة والإيمـــان . . يلفهـــا الصدق . . وتجللها الرهبــة. . ويملؤها :
أن اللــــه لا يغير ما بقومحتى يغيروا ما بأنفسهم. . .
الشجاعة و التصميم . . الانتقام . . التضحية والفداء . . حب الأرض . . معنى الحياة . . كل تلك المعاني قد اجتمعت في نظرة هذا الطفل . . وأطلت من بين ثنايا تلك الصور. . .

للــــه ما أجملك من طفل. . فتح جرحنا العربي . . وأخرج منه الأمل . . نثره عطراً وزهراً فواحاً. . انتثرعلى كل جيل مضى . . وكل جيل آت . . لقد سطرت ببطولتك العفوية مجداً ليس خليقاً إلا بالأمم . . .

أخذ محمد الصور الثلاث ولفها بعلم فلسطين . . وطواه بحجم المصحـف . . ووضع الكل في كـيس بســـــيط أخذه معه . . أخفى ســـره . . ومضى يبدأ بمــا انتهى إليــه ثائــر. . تتبع الجماعــــة . . عسى أن يقبلوه فــي صفوفهم . . ويكون امتداداً لصديقـه . . حباً بفلســطين . . وعشـقـا ًللأرض . . .


**** يتبع