عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2012, 10:25 PM
المشاركة 324
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
زيد مطيع دماج وازدواجية الرمز

جونتر أورت


زيد مطيع دماج من أشهر الكتاب اليمنيين وإن لم تشتهر القصة اليمنية المعاصرة كثيرًا على العموم. من أهم أعماله رواية الرهينة التي ترجمت إلى لغتين، والتي تعالج في أحداثها زمن الإمامة اليمنية قبل ثورة 1962، كما أن تركيز الكاتب على فترة ما قبل الثورة اليمنية واضح في كثير من قصصه، حيث أنه يُعتبر "كاتبًا يمنيًا أصيلاً" بسبب اهتمامه الكبير بظلم الإمامة اليمنية وأيضًا لتصويره الأماكن اليمنية القديمة والتقليدية مثل "السمسرة" و"المقهاية" والأسواق الشعبية في العديد من قصصه.
اليمن عند زيد مطيع دماج إذن "كوليس أدبي" متكرر يتحرك أمامه أبطاله القصصيون. وإذا دخلنا في التفاصيل فنرى أن قصص دماج التالية تندرج تحت هذا الصنف، وهي متناثرة في مجموعات طاهش الحوبان، والعقرب، والجسر: "العسكري ذبح الدجاجة"، "بياع من برط"، "ثورة بغلة"، "المجنون"، "الفتى مبخوت"، "بائعة الذرة"، "امرأة"، و"البدة". ولا نتطرق هنا إلى رواية الرهينة، بل سنركز على قصص دماج القصيرة. وفي هذه القصص تظهر موضوعات ظلم الإمامة والإشكاليات الاجتماعية (قصص ناقدة) وقصص رمزية تدور في صنعاء القديمة.
مثال على محتوى بعض هذه القصص:
العسكري ذبح الدجاجة: كان الإمام يرسل جنوده بين الحين والآخر إلى الفلاحين لتحصيل المال، خاصة في المناطق الجنوبية (الشافعية)، وعُرف العساكر بقساوتهم وغطرستهم، وفي هذه القصة يأتي عسكري إلى فلاح فقير ويبتزه ويأكل ويشرب عنده رغم أنفه، كل ذلك بسبب تهمة ملفقة وتافهة هي أن دجاجته نقرت ابن جاره. تكتفي هذه القصة المبكرة بتصوير ظلم السلطات، ولا يحصل تغيير للوضع في القصة، أي لا يحاول أحد الأبطال أن يثور على الوضع القائم.
في إحدى القصص الأخرى يظهر الأمام نفسه، وهو يخادع جزارًا في صنعاء، فيدعي أن ثوره إنسان ممسوخ، ويأخذه منه بهذه الحجة. بل يخادع الشعب كله بزعمه أن "البدة" (الساحرة) مسخت هذا الإنسان، وأنه يجب محاربتها، وهكذا يشغل الناس عن مشاكلهم الحقيقية.
أما قصة بياع من برط فهي تدور حول ابن شيخ قبيلة يحاول أن يتحرر من تقاليد القبائل الضيقة وأن يصبح تاجرًا في المدينة. لكنه لا ينجح في تحرره ذلك، إذ أنه يقع ضحية لثأر إحدى القبائل الأخرى التي قُتل أحد أفرادها، دون أن يكون للبطل علم أو يد بذلك. قانون القبيلة إذن ظل هو الغالب وحال دون التغيير، وإن كان تغييرًا بسيطًا وشخصيًّا لا غير.
وربما كانت قصص صنعاء القديمة (لا سيما "بائعة الذرة" و"امرأة") هي الأكثر غموضًا في عمل دماج، حيث لا نجد هنا حدثًا أو خبرًا واضحًا، إنما يحلق الراوي الذي يتحدث بصيغة الـ(أنا) بأفكاره وعواطفه بعيدًا عن الأماكن التي يصفها. موضوع كل من القصتين هو امرأة يراقبها الراوي من بعيد، يحبها أو يتعلق بها بصورة ما. لكن القصتين غير واقعيتين، والمرأة في "امرأة" تشبه طيفًا أكثر من أن تشبه امرأة حقيقية. والأرجح أن بائعة الذرة ترمز إلى اليمن، فتتحول أخلاقها تدريجيًّا، وتجمع أدوات حديثة حولها، الأمر الذي يسمح بتفسير دورها كرمز لليمن. ولكن لا ينطبق ذلك على "امرأة"، حيث للبطلة هناك جاذبية جنسية تجاه الراوي، وهي نشيطة جنسياً حسب ملاحظاته. ولا تشكل المرأة هنا برأينا إلا خيالات الكاتب، ويصعب العثور على مغزى كبير للأحداث التي تتشعب أحينًا وتهمد أحيانًا أخرى.