عرض مشاركة واحدة
قديم 07-03-2011, 11:07 PM
المشاركة 5
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
في قراءتي لهذا القصة القصيرة أجد بوحا واعيا وعلى الأغلب غير واعي مصدره غالبا العقل الباطني للكاتب.

في الواقع وبشكل عام أرى بأن الكثير من الكتابات هي بوح غير واعي مصدره العقل الباطني اللاواعي ولذلك يصعب على الكتاب أحيانا فهم ما الذي تملكهم أثناء الكتابة، وكأن للكتابة وحي أو شيطان وهي ليست كذلك وإنما يتولى العقل الباطن زمام الأمور خلال عملية الكتابة كما يتولاها أثناء النوم فيرينا من الأحلام والكوابيس الكثير.

هذه القصة العميقة مثال جيد لما يمكن أن يبوح به العقل الباطن. فرحلة بطل القصة هي رحلة نفسية وليست واقعيه بطبيعة الحال ولكن ما رمزية ما هو مطروح هنا؟

يبدو ان المغارة السماوية ما هي الا رمز لحالة نفسيه من الكرب والكآبة المرضية التي تصيب بطل أو بطلة القصة persona وما يترافق معها في حال سقوط بطل القصة في تلك الحالة المريضة.

وألا لماذا يشعر بطل القصة برغبة في الصراخ؟ وذلك كما ورد في بداية القصة، أليس هذا ما نشعر به في حالة الاكتئاب.
ثم ألا تبحث هذه الشخصية (عن العزاء الذي لم يعد في ظاهر الأرض من يقدمه ) وهو تعبير صارخ عن الشعور بالوحدة والاغتراب وفقدان الاتصال والدعم النفسي الذي عادة يحصل عليه الإنسان من محيطه الإنساني ، وهو جزء من الانحدار في متاهات مرض الكآبة.
بطل القصة يعبر عن حاجته لما يعيد له صوابه الذي بدأ يفقده كنتيجة لتلك الحالة المرضية فهو يصرخ طالبا المساعدة وحتى يتمكن من العودة ليعيش ضمن المعايير المقبولة والمتفق عليها اجتماعيا ونفسيا.
وهناك في العتمة والوحشة وفي ظرف الكآبة والاغتراب يبحث البطل ، بطل القصة ، عن الذات ( من أنا ؟ لست ادري؟ وماذا سأكون ؟ لا أعي على وجه التحديد ؟ أين تستقر قدماي الآن؟ ربما تسبحان في الهواء ..الخ. وكانت الكلمات فعلا لا تشابه الكلمات ) .
هنا مؤشرات مما أصاب البطل كنتيجة للحالة المرضية التي وقع فيها. وهو ما يحدث للشخص حينما يقع في غياهب الكآبة . . وهكذا وجد بطل القصة نفسه في المغارة التي هي حالة مرضية وفي المغارة يسمع البطل همهمات وقهقهات مخيفه لكائنات غير بشرية .. مؤشرات أخرى للحالة المرضية.

( رغم هذا خطوت إليها بكامل إرادتي) ...هنا يوضح بطل القصة بأن الانعزال الذي يفرضه مرض الكآبة كان قرارا إراديا واعيا أو هو يعتقد ذلك ، على الرغم من المخاوف التي يمكن للشخص أن ينحدر إليها ولكن البطل يشير إلى انه ظل متسلحا ( بضوء شحيح ) ولكن ذلك النور ( بدأ يذوي قليلا قليلا لأنه ما بقي فيه نقطة زيت أو ربما لانعدام الأوكسجين لا فرق ) وهذا تعبير غير واعي عن حالة الضيق التي فرضت نفسها على بطل القصة فكاد يختنق.
بطل القصة يحس بوجوده رغم ما أصابه من كآبة وضيق كادت تخنقه فلم ينحدر إلى الظلمة المطلقة.
ثم ما حدث في داخل المغارة هو رسم وتصوير لما يشعر به الإنسان الذي يقع في مثل هذه الحالة المرضية ( فهذه أشباح على شكل وجوه طائرة لم ادر كيف رايتها ؟ ) والحقيقة أن الإنسان عندما ينحدر إلى متون مرض الكآبة يرى أشياء أكثر من الأشباح وربما الجن الخ. فهذه الوجوه مرعبة. والحقيقة أن العقل البشري حينما يخرج عن السيطرة يكون مرعبا . فلم يكن هناك وجوه أصلا ولكن العقل الباطن يكشف عن مخاوف بطل القصة وحالة الرعب التي سقط فيها ( فظلمة تلك المغارة ) طبعا هي ظلمة المرض وليس هناك ظلمة اشد من ظلمة النفس حينما تصاب بالاضطراب.
ولكن بطل القصة وعلى الرغم من حالة الرعب التي تملكته ظل يبحث في داخله عن النور الذي يقوده للخروج من عتمة المغارة وظلام النفس البشرية. وهكذا بدأ يبحث عن نهاية النفق، وبدأ يبحث عن منفذ واستخدم لذلك التفكير المنطقي العلمي فاستنتج أن العقل يقول أن لا بد من نهاية أو مخرج لكل نفق مهما اشتدت ظلمته ولكن الشك ظل مسيطرا في تلك المرحلة من المرض ( فلعل تلك الظلمة تكون ظلمة مسيطر فلا مخرج ولا منفذ منها ).
المياه رمز الحياة ، فقد سمع بطل القصة صوت المياه فاستيقن بأن ما يجعل الماء ينبجس من قلب الصخر لقادر على أن يرد له عقله ، ويخرجه من ظلمة المغارة. واتخذ بطل القصة قرارا أن لا يستسلم وفضل أن يموت وهو يحاول أن يخرج من الكآبة على أن يظل في تلك المغارة. ( ارتقيت قدمي وامتشقت شجاعتي وعاودت المسير ) هي رمزية تشير بأن العقل بدأ يعود إلى الاتزان ولكن أثناء رحلة العودة إلى الشفاء ظل البطل ( يتحسس موضع كل خطوة ) وهي حالة من انعدام الثقة تصيب المريض بعد أن يصاب بما أصيب به البطل وذلك كي لا يجد نفسه في هاوية سحيقة فهو غير مطمئن حتى ذلك الوقت بقدرته للعودة من جديد. وهكذا بدأت العتمة بخف شيا فشيا ( درجات الأسود في الهواء بدأت تخف ) - ما أجمل هذا التعبير وربما لم يكتبه احد من قبل- وهو رمز على أن البطل بدأ يعود إلى الاتزان مرة أخرى وبدأ يشعر بأنه على وشك الخروج من المغارة أي من مرض الكآبة . رغم ذلك وفي لحظات مثل تلك تظل النفس وجله فعلى الرغم أن صدى الصوت أزال الوحشة لكن ظل هناك رعب إلى أن وصل البطل إلى قناعة بأنه لا بد أن يكون to be or not to be فاختار أن يكون. واختار البطل شخصا خرافيا ليتونس به ( هاملت ) ويشاركه وحشة الاغتراب وهو دليل ومؤشر آخر على رحلة العودة والخروج من الأزمة حيث تاخذ الشخصية الإنسانية بالعودة والخروج من الانطوائية والانعزال وذلك من خلال نظام الدعم الاجتماعي فليس هناك أقسى من الوحدة على النفس.
وما أن خرج البطل من عتمة الخوف لم يعد يعنيه اين هو او حتى الخروج من المغارة وفي ذلك إشارة واضحة إلى زوال الكآبة وأثارها وعليه وهناك وبعد أن تحقق الشفاء بدأ يشعر بالجوع الذي هو مؤشر على الشفاء ففقدان الشهية عند الإنسان هو انعكاس لحالة مرضية وهناك استيقظت غريزة الحياة وظهر شعاع الأمل ثم اخذ البطل يشفى شيئا فشيا وذلك بدليل الاقتراب من نهاية النفق أو المغارة إلى أن رأى اللون الأبيض، وهو رمز الشفاء التام،( فخرج البطل على النور والهواء ) وعاد إلى الحياة بعد أن كاد يفقد عقله مما أصابه من كآبة والتي اكتشف انه قضى بها أياما تقاس بأعوام بالمقاس الزمني لمن يمر بتلك الحالة.
وبعد أن عادت المياه إلى مجاريها يكتشف البطل بأن رحلة المرض تلك نالت من روحه وحطمت جزا من أحلامه وكذلك نالت من جسده فصابه الهزال والنحول. وهناك عاد البطل إلى متابعة المسيرة لكن في الوجهة الأخرى فطوى بذلك صفحة من صفحات حياته الكئيبة وبنية أن لا يعود إليها مرة أخرى.
- انه العقل البشري المهول
- هذا الكون الشاسع المخيف الذي قد يتجلى على أشكال مخيفه لا يمكن لأحدنا أن يتخيلها إلا إذا ما عبر الطريق إلى تلك المغارة الموحشة.

قصة عميقه ومعبرة إلى ابعد الحدود ورائعة لانها تكشف أغوار النفس البشرية وأسرارها في ظل ما قد يصيبها من شائبة.

ولا شك أن للكاتبة قدرة هائلة على التعبير أن كانت كتبت القصة عن وعي أي سجلت فلم سينمائي عما يحل بمن يمر بتلك التجربة، وهي شجاعة أن لم تكن تقصد ولم تكن تعي حيث تركت العنان لعقلها الباطن أن يرسم لنا حالة من حالة الكرب التي يمكن أن تصيب النفس البشرية والية الخروج منها. فذلك الضوء في آخر النفق هو الذي قادها إلى الرجوع وهي رسالة جميلة جدا فعلينا مهما ضاقت بنا الدنيا أن نحتفظ بالأمل في أعماقنا ليهدينا إلى طريق العودة فالأمل هو دائما خلاصنا.

عميقة بكل المقاييس وهي من أعمق ما قرأت ومهمة في موضوعها كونها تعالج البعد الانساني للنفس البشرية.