عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2012, 11:17 AM
المشاركة 799
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الجزء الثالث من الحوار
( 10) - كرست في كل أعمالك العديد من القيم الإنسانية النبيلة التي تتجلى في جوانب من حياة المجتمعات القروية ( التعاون ، البساطة ، الارتباط بالأرض ، الوقوف في وجه الظلم ) وكان من ضمنها وأهمها انتصارك للمرأة في كل هذه الأعمال، ولكن القرية الآن قد تحولت إلى شبه مدينة في مرتكزاتها الاقتصادية وفي أنماط حياتها الاجتماعية وقد قال والدك الشيخ صالح بن مشري في حوار نشر بجريدة البلاد " لم يعد في كل القرية ديك واحد " كدلالة على عمق التغير الذي طال حياة القرى.. لقد أسدلت الستائر الرمادية الآن على فعل ووجود المرأة الاقتصادي والاجتماعي في القرى كما أسدل على أختها في المدينة فمتى نجد امرأة القرية وزميلتها المدينية في إبداعاتك القادمة ؟

* - نعم هذا صحيح فالتحول الاقتصادي الطفراوي في كافة مناطق الوطن "السعودية " قد خلق أنماطاً مغايرة لطبيعتها الإنتاجية - السلوكية - التراثية - وكذلك في العلاقات والروابط وفي شكل الحياة وضد بنيتها المعيشية. لقد أصبحت "البلاد " وهي البقع الزراعية المحدودة والتي عرفت لدى الفلاح بأحلى الأسماء .. فتلك " عيون الحمام " والأخرى " خيره " والثالثة " سعادة " وغيرها مما أختير كأجمل الأسماء والكنيات باعتبارها وبصورة متوارثة منذ القدم مزارع يبذر فيها "الذرو" ويبقي لينمو ويشد ساقه ثم يثري تحت عين وقلب مالكها الفلاح .. إلى موسم الحصاد .. لقد أصبحت بعد انفراط الإيقاع الإنتاجي - الفلاحة اليوم - مكاناً مناسباً دون أدنى تردد إلى مكان ممهد لبناء بيت من الاسمنت ! .
سأذكرك .. هناك وعلى حافة المكان الذي يزرع " العثري " – وهو مصطلح عربي جيد لبقعة الأرض التي تعتمد في مائها على أمطار الموسم سواء كان قمحاً أو ذرة أو غيره .. هذه القطع المعروفة عند الفلاح بمحدودية محصولها .. تقع في العادة إلى جانب سفح صغير غير مزروع لعدم صلاحيته وربما كانت إلى جانب صفح كبير ( المساحة المنحدرة نسبياً يسمى بـ" الوسيفة " أو " السفح " بتحويل السين إلى صاد ) وقد تكون بلا حدود .. فتكون أكبر مساحة إلى وسط أو قمة الجبل .. باعتبار أن المنطقة جبلية وعلى جنباتها مدرجات متعاقبة للزراعة، فأصبحت اليوم في مكانتها المعنوية والواقعية الإيقاعية الكاسحة .. أغلى قيمة من الأراضي الزراعية " المسقوي " التي تساق بالماء من البئر بالسواني حيث كانت أكثر حصاداً وأينع رواءً!!.
القروي اليوم في هذه المرحلة الاقتصادية المعيشية .. لم يعد بقروي والحياة المصلحية العامة أصبحت فردية انتهازية .. لا مكان للأب أو الابن ولا للأخ والعم وبالتالي لا للجار والجماعة والقرية أو العشيرة والقبيلة، وعليه فإن الوسيلة الإنتاجية التي كانت تصيغ للقرويين نمطاً محترماً ونافعاً بحكم الضرورة المتبادلة وفي مناخ اجتماعي واحد .. قد تغيرت ألا تتغير معها المرأة ؟ .
بالطبع ودون إرادة أو تكلف أو عدم تكلف وهذا دليل على عدم صحة النظرة التي تفرق بين المرأة والرجل كإنسانين متكاملين .. لا يمكن أن يحيا أحدهما دون الحاجة إلى الآخر ( سنة الله في خلقه(.
الوثبات الرهيبة والذهول " الفانتازي " الذي صبغ أنماط الحياة وشخصياتها وانتمائها بألوان مغامرة لم يكن على الرجل دون المرأة ولا على الطفل دون العجوز ولا على القروي دون البدوي أو أهل الساحل أو الحارة في المدينة القديمة .. لقد أصبح وبصورة ترفع وسامات التقدم الإنساني وتعود إلى التخلف الاجتماعي مئات الخطوات بل آلافها إلى الخلف دون وعي بالحياة .. تحولت الإنسانية في المجتمع بشتى صنوف معيشتها إلى تخلف خطير وتاريخي بحيث أصبح الإنسان بلا فاعلية ولا مرجعية ولا مستقبلية .. فقط إنما هو استهلاكي زمني ومعيشي جاهز عديم النشاط يعد أيام عمره الباقية ويصارعه في المعايشة النفسية والجسدية و.. " الله يحسن الخاتمة "!.
الحياة لا تقف عند نمط معيشي معين .. لكن هل علم أهل القرى لماذا ؟ لماذا انتقلنا فجأة بقفزة غير استيعابية من " الثور ، والحمارة " إلى الطائرة والسيارة والأوتوماتيك ولم يتم إعدادنا اجتماعياً لهذا الاستيعاب بصورة مرحلية ؟ ! .
هذا ما يشغلني ويعذب قلمي .. ليس في القرية فقط .. و إنما في المدينة التي تكونت من حارات ونزل معروفة ومحددة .. إلى مدينة ثلاثة أرباع سكانها من القرى والهجر والبوادي ولا يجمعهم شيء .. الجامع فقط هو ما تملك .
لكن هل هذا المستضاف الاستهلاكي المدني – وليس الحضاري – استطاع أن يقتلع الآدميين من جذورهم ؟
لا .. إن في المدن الكثير ممن سكنوها بعاداتهم وشعبيات مجتمعاتهم وربما حتى شكليتهم أو شكلياتهم في الملابس واللهجات !.
أتسالني عن المرأة الأم والزوجة الأخت والحبيبة وكيف أن الستائر الرمادية أسدلت عليها وعلى أختها في المدينة ؟!.
إن الستائر الآن أصبحت بنية داكنة .. لم يظلمها المولى الكريم ولا الرسالة الإسلامية الحنفية وإنما ظلمناها نحن بمفاهيمنا الجديدة والمتخلفة .. بحيث نظرنا إلى الطير .. إنه يطير بجناح واحد في الفضاء .. لقد فرضت علينا المفاهيم دون حوار ونظرنا إلى المرأة نظرة أخرى .
لقد ولدت – قبل أن أكون كاتباً – مسلماً وتربيت في بيت ومجتمع قروي مسلم وأموت مسلماً انكح مسلماً وأذري مسلماً .. اعيش أحب السلام وأنبذ الاستسلام وقد أوصانا رسولنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم باحترام ومعايشة الأم والأخت وذات القربى والحميلة والجارة وكل المؤمنات .. بالخير والإيمان والرعاية والوصاية الحميدة وكامل التعامل الإنساني.
لقد سئلت عن العنصر الإنساني المغيب في واقعنا وكيف أن هذا يقف كحد واضح المعالم في عدم كتابة الرواية المحلية ؟ .. غير أن هذا السبب الحيوي الهام لم يكن مغيباً في رواياتي المكتوبة عن عالم القرية .. المرأة موجودة في حياة الفلاح جنباً إلى جنب في البيت والمزرعة .. ترى من كان يحصد و" يدرس " المحصول ويحضر الماء من البئر ويصنع الخبز ويشارك في " طينة " سقف البيت ويطبخ للمناسبات ويحلب البقرة ويجني الثمار و .. و .. إلخ .. أليست المرأة بل وتحمل وتنجب – بحكم طبيعتها – وتربي الطفل وتحمله في (" الميزب "/ المهد ) وتأخذه معها إلى المزرعة ثم تلقمه نهدها لينام حتى تتفرغ للعمل .
اعتقد أن غياب المرأة لا يؤثر على الكتابة الروائية تحديداً وإنما هو الغياب الإنساني في الحياة والنهوض بها .. ألم يقل رسول الأمة عليه الصلاة والسلام لابنته " فاطمة " وهو يخاطبها " نعم يا أم أبيك " .. أية إنسانية عظيمة هذه .. " خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء " يعني " عائشة " رضي الله عنها .. يجب ألا نخلط في حقائق الأشياء.. المرأة هي عين الإنسان الأولى ويده وكليته وأذنه وكل شيء في حياته وليس فقط معاونه الأساسي في الحياة ! .
كلنا لم نأت من الفراغ ولا من بطون الرجال .. لذلك أنا لم أخترع المرأة في الرواية التي أكتبها .. لقد كتبت من الواقع .
لا تظن يا مسائلي .. بأنني متعصب أو متغاف بجهالة .. للمرأة في كتاباتي حقيقة وجودها ومعايشتها وقبل كل هذا إنسانيتها لكنني أبتليت بالكتابة القصصية الروائية الكاشفة لحقيقة الواقع الإنساني كما هو .
إنني أكتب بدمي ومشاعري وكياني .. ولم أقل كل ما في الحياة القروية والمدينية بإنصاف، المستقبل آت والناس معلقة في رقبة قلبي ولن أكتب إلا بمفهومي ونظرتي وقناعتي ولست كل الكتاب ولا كل الأقلام .. لكنني شاهد بقدر الأمانة الإنسانية في هذا الشأن وغيره .

(11) - نعرف أن طبيعة التكوين الثقافي لأي مجتمع مرتبطة بطبيعة النشاط الاقتصادي والذي يزاوله أفراده ولذا فإن للبيئة القروية ثقافتها المرتبطة بنشاطها الحياتي، وكما نعلم فإن تلك الثقافة تكرست لمئات السنين، وحين دخلت المدينة في عجلة التطور المادي والتقني كان لا بد أن يطال التطور / التغير حياة البشر في المدينة والقرية ويؤثر على منظومة الأفكار والقيم لينتقل المجتمع من تشكيلة اجتماعية / اقتصادية إلى أخرى أو هكذا لا بد أن تمضي الأمور .
سؤالنا هو : لماذا يبدي الكثيرون من أبطال أعمالك موقفاً مضاداً للأخذ بأسباب التطور ( الموقف من " ماطور " الماء الذي قتل صاحبه، صالحة ترفض هدم منزلها رغم التعويض من أجل إيصال الاسفلت للقرية، السخرية من " سلام " راكب السيارة " الونيت " على الجالسين أمام منازلهم بزمار السيارة ) .. إلخ.
هل كل ما قامت عليه القرية من عادات وقيم يمثل الخير كله بحيث تقف المدينة "كمرموز " شقي ضده ؟
وهل يفسر هذا إغفالك أو عم اشتغالك إلى الآن عل عالم المدينة في سردياتك ؟

* - نعم التكوين الثقافي الاجتماعي المرتبط بوسيلة الانتاج ( نستثني الحرفة) لأنها لا تشكل صيغة اجتماعية ذات ملامح ملتحمة بأداة الإنتاج في القرى .. كأن نرى " الجزار " الصانع " وغيرهم وهم في العادة يكونون تحت إدارة أب العائلة ولا يملكون في العادة أراض زراعية بحيث يستطيعون العيش منها، لذلك فهم مرتبطون بثقافة القرية من نافذة الالتئام الاجتماعي، أقول هذا باعتبار أن أهل القرى مثلهم مثل كل المجتمعات الإنسانية في المعمورة .. ليسوا ملائكة ولا يجوز الأخذ بخيرهم دون أخطائهم .. لكنهم في مفهومي من أفضل القلائد الاجتماعية التي تحافظ على منظومة كبيرة وحضارية في قوانينها وعاداتها وتماسكها .. مما نحتاج إليه في عدد من فروع العدل والتعامل فعندما نرى كيفية توزيع مياه العيون ومسايل المياه في مواسمها أو مقاطعة من شذ عن الاحتكام للجماعة – وهذا صعب جداً – أو طريقة توزيع لحم الماشية – سواء كانت للبيع أو لما يسمونه بـ" الصدقة " حيث ينال الكل حسب البيوت والعائلات قطعة من كل عنصر ولحمة من الذبيحة بما فيها أطراف البهيمة وكرشها .. وعندما يكون هناك حاجة لمساعدة الجماعة في أي شأن لـ" طينة البيت " أو وقوع أمر مشين على أحد منهم أو وقوع أحد المواشي في البئر أو تجميع مقدار من كل فرد في وقت الحصاد وبذله للفقير وعادة ما يكون لمن لا أرض زراعية كافية لمعيشته .. أو لا يملكها البتة كالحرفي وعندما بدأت معطيات الحضارة الآلية كالسيارة وموتور الماء وغيره .. لم يكونوا ضدها فهم بيد واحدة يشقون طريقاً للسيارة لكي ترد القرية ( الوسمية ) ويتناقلون مضخة الماء ايجاراً أو مساهمة " صالحة " .
المسالة لا تعني أنهم ضد المعطيات الجديدة .. إنما هم فقط يجهلون التعامل معها وفي الغالب عدم قدرة على امتلاكها فأنت ترى في رواية " الوسمية " كيف أن "أحمد بن صالح " كان يهون عليه أي أمر صعب .. سوى أن يمر طريق السيارة الذي يمهده كل الجماعة للوصول إلى عمق القرية من أرضه الزراعية .. لكنه في آخر الأمر وافق بعد أن رأى أن الخير للجميع وأن رأيه شاذ ولو أن موافقته على المرور من أرضه الزراعية سيعتمد عليها موافقة آخرين قادمين في امتداد الخط .
إنهم صعبون في التنازل عما ثقفوه في بيئتهم خاصة ما يتعلق بمواطن معيشتهم .. مضخة الماء التي تنزع الماء من عمق البئر تعمل بـ" البانزين " وتنفث غيوماً في داخل البئر العميقة من الكربون وعادة ما تكون هذه " الماكينة " قريبة من موقع الماء .. حافته في القاع فكان النازل، بالسلالم الحبالية إليها لإسكاتها بعد عملها، كثيراً ما يتعرض لكمية الدخان وبالتالي الاختناق فالموت.. كانوا يخافونها .. و بالتالي توالد الكره لها .. القروي والإنسان الذي لم يتعرض لأي تلوث .. يصاب بالدوار والغثيان أثناء اضطراره للتعامل معه .. لعلك تتذكر كيف كنا نتأثر لمجرد ركوبنا السيارات وهي قليلة جداً في ورودها للقرية .
قبلاً وفي المعنى السابق لحرص الفلاح على بقرته ومزرعته .. فليس غريباً أن تكون " صالحة " في آخر الرواية " صالحة " .. شديدة التمسك والإصرار على عدم هدم بيتها " الحجر طيني " لقضية طريق " الإسفلت " برغم التعويض المالي الذي ستناله !.
موقف هذه المرأة – مع معرفة شخصها قبل نهاية الرواية - .. هو موقف إنساني تلقائي حميمي معيشي تاريخي أولاً ؟ وليس موقفا ضديا من حداثة التطورات وإلا لقالت يبقى ولدي بقربي ولا يذهب إلى المدرسة ليعمل ، وهي أشد حاجة له ) وهي لا تؤاخذ في هذه الحالة لأنها محصلة ظروف اجتماعية اقتصادية وثقافية معيشيه يومية ضمن حياة القرية .. وهي لا يمكن أن تنظر إلى التعويض المالي مقابل ثقافتها الاجتماعية القروية المعيشية والحميمية في البيت الذي آواها زوجها معها قبل وفاته ..( لايجب أن ننظر إلى البيت كمجموعة مترابطة من الحجر والطين .. بل كملجأ ومسكن إنساني له جدران وباب تستطيع أن تأمن إليه وتقفله على نفسها وفرخها . سيكولوجياً وتاريخياً وتربية متوارثة طويلة .. قامت على نظم العلاقة التلقائية بين الإنسان وأنسنة الأشياء التي يمنحها جمالية ألفته وحميميته ولا نستطيع أن نعتبر الحجر والطين وصخور الجبال واختلاف الشجر بأنواع شوكه و .. و .. إلخ لا نستطيع أن نعتبرها خارج ضلوعه وحناياها الدافئة .
أنا لا اعتقد أن المسألة " مادية " كما تفضلت في سؤالك – اقتصادية – بحتة بقدر ما هي ارتباط حميمي نفسي متراكم.. لعلك تعلم أنهم يعيبون جداً على من يفكر في بيع أراضيه الزراعية .. أعني شيئاً منها .
أذكر وأنا طفل – بحكم الواقع المعاش – أن المرحوم جدي عيرني بكلام جارح – لا أنساه – حين طلبت بإلحاح وبكاء حبتين من التمر – بالطبع ليس هناك شيٌ حلوٌ لإرضاء الأطفال سواه – قال رادعاً – لعدم وفرتها :
" أخاف بكرة .. إذا كبرت تبيع البلاد من أجل تمرة ". لاحظ أمر الطفل وقتها لم يستوعب القول .. لكنني أذكرها اليوم للمرة الأولى وبكامل الوعي .
الدم والرقبة تمنح مسافة شبر واحد بين جارين في الأرض الزراعية وهذه الاستعدادية متأهبة جماعياً ضد أي طارئ على القرية ككل .
عن جوابي الاستراتيجي الكتابي في مسالة وقوفي فيما سبق وكتبت عند منطقة الرفض للجديد عندهم أو كما يبدو في سؤالكم .. فإن قلمي وقف – تقريباً – في نقطة مهمة وخطيرة تجاه هذا العالم الذي احتاج لسفر طويل من السنين حتى أعطيه بعض حقه الكتابي مما أحمل وأفهم عنه .. تلك مرحلة أو نقطة " القبض على القرص " التمثال الإغريقي القديم فبعد أن التقطته في يدي ودخلت في مرحلة التهيئة لقذفه فعلي أن أرصد هذه المرحلة تحديداً وهي مرحلة الوقوع القروي في منطقة التحول – اللااستيعابي – الذي جعلهم يثبون دون تدرج مرحلي من الزراعة كنمط إنتاجي معرفي متراكم .. إلى منطقة المفاجآت الاقتصادية المغرية والتي لا خيار دونها ولا معنى فيها لأي أمر له ارتباط بالواقع المتوارث البتة، لأنها أتت فمحت خصوصية السحنة الاجتماعية دون استيعاب أو حتى ذكرى أو تقدير لما مضى .
ليس أمام ذلك الإنسان وربما ليس أمامي – ككاتب – استقراءً لوجه معلوم ويمكن السعي نحوه مستقبلاً بحيث نحس بالانتمائية الاجتماعية ..إنه منزلق خطير وذو هم كتابي استراتيجي كبير في هذا الشأن .

(12) - تقوم التقنية الكتابية لمعظم أعمالك السردية على دور الكاتب العليم بكل شيء فتحاول إخفاء شخصيتك ككاتب لتعطي الإنطباع بالحيادية لكننا كقراء نستطيع أن نبصر دهاءك الفني ونراك في هذه الشخصية أو تلك.. لماذا اخترت هذا الأسلوب ولم تجعل بطل النص راوياً إلا في بعض أجزاء الغيوم ومنابت الشجر " ؟
وفي " ريح الكادي " التي تعد من أعمالك المتميزة يبرز الصراع الدرامي في القرية بين ثلاثة أجيال تتعرض حياتهم لعملية التغيير.. ترى لماذا نراك تختفي خلف الشايب " عطية " وأي دلالة عميقة تود أن تطرحها بهدوء من خلال ذلك الموقف ؟

* - لا أعرف كيف يقرأ القارئ أعمالي لكنني أواجه بمثل هذا السؤال وغالباً ما يكون عن شخصية الكاتب وأين هو طفلاً وصبياً ورجلاً ؟!
إن مسألة البطل الفرد لا تحظى باهتمامي ولا عنايتي في كتاباتي عموماً، ثم إن الكاتب هنا هو جزء من كيانات متآلفة وتحمل صفات المجتمعات البشرية في خيرها وشرها والكاتب يتفاعل مع شخصية أولى وشخصية ثانية وهكذا .. غير أن شخصية الكاتب لا تدير النسيج السردي حسبماً تريد مما لا يتعامل مع الواقع أو يجعل الشخوص أبواقاً مدجنة تنفخ بما يملؤها به الكاتب ..لقد حاذرت دائماً على ألا تأتي هذه الشخصية – الكتابية – كأنا مثقفة تدير من أعلى الجبل الناس والبهائم والأشياء المؤنسنة حسب رغبتها أو ميولها الشخصية المزاجية.. لا شك أبداً ودن أدنى التبريرات أن الكاتب لا يكتب خارج وعيه وبالتالي فإنه قد يكون في مناطق الصيد و الإلتقاط، وليس بالضرورة أن يكون مجمعاً في شخص بعينه في النص .
أما عن " عطية " أو " عاطي " .. فقد كان يحتل الرمز القروي في كتاباتي القصصية الأولى وما لبث الكاتب أن أكتشف أن هذا الرمز يمكن أن يتوفر في أغلب الشخصيات المُعَانيَة الوفية الكاملة بكل صدقها العفوي مع عالمها ومعايشتها له ودون أن يكون ثمة ميزة محددة، وهذا هو الغالب وإلا فكيف تأتي برواية تحشد فيها كل أهل القرية .. أنت في حالة شبه انتقائية لعدد من الشخصيات المتوافقة مع درامية العمل ومتناغمة حسب الضرورة مع" بانوراما" ذلك العالم الذي تكتب عنه في إطار خصوصيته الاجتماعية و المكانية .