الموضوع: المركا
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2017, 02:27 PM
المشاركة 23
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ..قراءة معمقة في قصة " المركاه " للقاص مبارك الحمود :

"أخيرا ظهر بصيص أمل حينما سرت إشاعة أن هناك خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف.. ذهب الشيخ مع حاشيته.. ووجدوا الخربوش المتهالك يجلس فيه طاعن بالسن.. ركض الشيخ إلى المركا وضمه, وتلوى عليه وتبطح وشمشمه.. أخبرهم المسن أن هذا المركا يعود إلى جده أبوطخة, وأنه لن يتنازل عنه, لكن الشيخ أصر على أخذه, وقال حينما يعود أبو طخة من قبره, أخبره عن أن المركا هرب.. رجع الشيخ لبيته حاملا مركاه بين جوانحه كطفل من أطفاله, وعيون العشيرة تنظر إليه بشغف, وهو يحاول أن يمنعهم من الاقتراب منه.. ربط المركا بقدمه جيدا بسلسلة حديدية, ونام.."

-اما من ناحية المحسنات البدعية وأدوات التأثير في هذه الفقرة، فنجد ان القاص أكثر في هذه الفقرة من استخدام حروف الهمس (السين ومشتقاته) وهو ما يترك اثرا عظيما على اذن المتلقي وكأنه يصرخ بالكلمات اذ همس بها.

وادراكا من القاص بأهمية التضاد في التأثير على عقل المتلقي نجده يسخر التضاد في مطلع هذه الفقرة، فهو يتحدث عن (ظهور بصيص امل) من ناحية، ومن ناحية أخرى يتحدث عن (خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف ).

كما يتحدث عن ذهاب الشيخ الى الخربوش وفي نفس الفقرة يتحدث عن عودة ابو طخه من القبر، ففي استخدام كلمتي (ذهب ويعود ) تسخير للتضاد.

كما اننا نجد تسخير للتضاد في كلمتي ( يجلس فيه طاعن في السن و ركض الشيخ). وفي كلمات ( ذهب الشيخ مع حاشيته و رجع الشيخ الى بيته) تسخير اخر للتضاد.

والفقرة تعج بالحركة طبعا، وقد سخر القاص هنا مجموعة من الكلمات التي توحي بالحركة والنشاط الباعثة للحياة في النص ومنها ( ظهر، سرت، ذهب، ركض، تلوى، تبطح، شمشمه، يعود، هرب، رجع، الاقتراب، ربط، قدمه ).

ونجد في الفقرة تسخير للحواس وهو ما يوقظ حواس المتلقي فيقع التأثير ومن ذلك استخدام كلمات مرتبطة بحاستي الشم والبصر ( وشمشمه وعيون العشيرة ، تنظر اليه).

ولكن ربما ان ما يميز هذه الفقرة هو الوصف الحميمي للمشهد الذي سخر له القاص كلمات جعلته بالغ التأثير، وقد بلغ ذلك التأثير أوجه كنتيجة لتسخير حروف الهمس هنا أيضا.

فالحديث عن خروبش يوجد فيه مركا قديم مثير للاهتمام وكذلك ذهاب الشيخ مع حاشيته الى ذلك الخربوش، ولكن الاثارة لا تقف عند هذا الحد لان القاص جعل الخربوش متهالك ويجلس فيه طاعن في السن. كما جعل القاص الشيخ يركض نحو المركاه مجرد ان شاهده ليضمه ويتلوى عليه ويتبطح ويشمشمه. أيضا لا تقف الاثارة عند هذا الحد انما يجعل القاص المركاه ورثة جد المسن أبو طخه الميت، فيصر الشيخ على اخذه قائلا له عندما رفض التنازل عنه انه سيعيده عندما يعود أبو طخه من قبره. ولا تنتهي الاثار عند هذا الحد انما نجد وصف الطريق التي تعامل فيها الشيخ مع المركاه تشتمل على حد اقصى من الاثارة والحميمية حينما قارن حمل الشيخ للمركاه بين جوانحه، وكأنه طفل من اطفاله، ليس ذلك فقط بل نجده يقول بان عيون العشيرة قد تعلقت بالمركاه القديم الوحيد المتبقي، وجعلهم القاص ينظرون اليه بشغف، بينما يحاول الشيح منعهم الاقتراب من المركاه، وينهي القاص المشهد بان جعل الشيخ يربط المركاه بقدمه بسلسلة حديدية، وينام على تلك الحالة.

وهذا حتما وصف تصويري متفوق وبالغ التأثير. ويجد المتلقي ان هذا المشهد لم يساهم في حل العقدة بل جعلها أكثر تعقيدا كنتيجة لإصرار الشيخ على مصادرة المركاه من ذلك المسن ثم شغف العشيرة بالنظر اليه ثم الطريقة التي حاول الشيخ فيها الاحتفاظ بالمركاه.

وتنتهي هذه الفقرة وقد ارتفعت حدة التشويق الى مستويات عليا ليندفع المتلقي لمتابعة القراءة عل التالي يلقي بصيص امل إضافي على الذي جرى.
يتبع ...