عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
829
 
مختار الكمالي
من قبيلة آل شِعـر

مختار الكمالي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
42

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Jul 2009

الاقامة
سوريا - البوكمال ; مقيم في دمشق موقتاً.

رقم العضوية
7332
03-13-2022, 03:55 PM
المشاركة 1
03-13-2022, 03:55 PM
المشاركة 1
افتراضي متى تنتهي غربتي يا رياح؟
متى تنتهي غربتي يا رياح؟
مختار سيد صالح
٢٠٢٠ - كوالالمبور

لن نعودَ لأوطانِنا يا ابنَ أمّي!
قالَ لي، ثُمَّ أطلقَ تَنْهيدَةً حانِيَةْ
إنَّها حكمةُ اللهِ أنْ تغدوَ الغربةُ الآنيةْ
لبراعِمِ أكبادِنا
يولدونَ فُرادى بعيدينَ عنْ أصلِهِمْ
يكبرونَ فُرادى فقيرين مِنْ أهلهِمْ
و يرونَ العوالِمَ مِنْ حولِهمْ
رائعاتٍ، و لكنْ بلا وطنٍ يكبرونْ
و لفرطِ براءتِهِمْ عندَما يلعبونْ
رُبَّما يضحكونْ
لا تَلُمْهُمْ و لا تنهَهُمْ يا صديقي
فهُمْ بعد لا يفهمونْ!
*
آهِ يا ليلُ..
يا ليلُ بعدَ الفراتِ و بعدَ الحكاياتِ
ما أطولَكْ!
كنتَ من قبلُ رحلةَ أحلامِنا
و طرائفَ أيَّامِنَا
نتحلَّقُ كنَّا على ضفَّتيكَ فتمنَحُنا عَسَلَكْ
فيمَ قد طُلتَ يا ليلُ؟ ..
يا ليلُ بعدَ الفراتِ و بعدَ الحكاياتِ
مَنْ قَتَلكْ؟!
*
لنْ نعودَ لأوطاننا يا ابنَ أمِّي،
فلا ترمِ قلبي بسهمِ العَنا
مستفيضاً بتذكيرهِ، و استمعْ لاعترافي:
منذُ عقدٍ و أكبرُ هَمِّي هنا
بعدَ ألّا أعودَ طريداً، و ألّا أَفِرْ
أنْ أؤمّنَ خبزَ كفافي،
و فاتورةَ الكهرباءِ،
و رسمَ جوازِ السّفرْ!
لا تلمني إذنْ يا صديقي،
أنا هاربٌ منْ سَقَرْ!
*
لنْ نعودَ لأوطانِنا يا ابنَ أمِّي،
إذنْ كيفَ تبقى لأيَّامِنا بهجةٌ؟
كيفَ تبقى لأعيادِنا نكهةٌ؟
كيفَ يبقى لأسمائِنا مِنْ سَبَبْ؟
كيف ننظرُ في أوجهِ العابرينَ -و هم يبسمونَ- فلا نكتئبْ؟
في العواصمِ، خلفَ المحيطاتِ نحنُ، و لكنْ عَدَمْ!
يا صديقيَ ثمَّةَ أمرٌ أهمْ
هوَ رمزٌ لديَّ لكلِّ العذابِ و كلِّ الألمْ:
كيفَ أشرحُ لابنتيَ البِكْرِ معنى "فراتْ"
فراتِ اسمِها أي نعمْ؟!
كيفَ تفهَمُهُ و هْيَ دونَ البناتْ
لمْ ترَ النَّهرَ، لمْ تعرفِ النَّخلَ،
ما ركضتْ خلفَ ضفدعةٍ في الحقولِ،
و لمْ تلحق القبّراتْ؟
ما أقولُ لها حينَ تسألني: يا أبي
- أين عمّي و جدّي؟
- لِمَ لا خالَ عندي؟
- أأنا يا أبي مِنْ دمشقَ كما دوَّنوا في جوازِ السَّفرْ
أَمْ ولدتُ بـكيلانا جايا كما مرَّةً قلتَ لي دونَ قصدِ
عندما مِنْ هُناكَ مَرَرنا؟!
كيفَ أحكي لها ما جرى
لترى
سبباً مقنِعاً أنَّنا وحدَنا نتكلَّمُ بالعربيَّةِ
بينا صديقاتُها يتكلّمنَ هندي،
و بهاسا ملايو، و رُبَّتما مندرينْ؟
آهِ يا طفلتي.. آهِ لو تعلمينْ
كيفَ كانَ أبوكِ غداةَ أتيتِ لهُ فرحاً بعدَ خوفِ
و رذاذاً على وجههِ بعدَ قيظٍ وصَيفِ
و فراتاً بِغُربتهِ يا فراتْ
يا حبيبتَهُ، يا أرقَّ البناتْ!
*
إيهِ يا صاحبي،
سأقولُ لكَ الآنَ بعدَ تَأمُّلِ وجهِ ابنتي
بعدَ أنْ كبرتْ في أمانْ
لا يهمُّ المكانْ
يا ابنَ أمّي نعم لا يهمّ المكانْ
لنْ نعودَ لأوطاننا.. حسناً فليكنْ!
فتجلّدْ إذنْ و تأقلمْ
و امنح القلبَ منفرداً
ما تيسّرَ مِنْ دَمَعَاتِ الحَنينِ إذا دَهَمَكْ
ثمّ عُد بعدَها فارساً لحياةِ
الوحيدِ البعيدِ، الغريبِ الكئيبِ،
الحزينِ، سجينِ الحنينِ،
الذي هَدَمَكْ!
لستَ تملكُ هذي الرّفاهيّةَ التافهةْ
لتحنَّ إلى وطنٍ سرقوهُ - إلى منزلٍ هدموهُ
إلى صاحبٍ قتلوهُ - إلى مُبعَدٍ أبعدوهُ
إلى ولدٍ يتّموهُ - إلى والدٍ أتعبوهُ
إلى و إلى و إلى و إلى و إلى..
فتماسكْ و كُنْ رجلا!
أنْ يكونَ لنا أفؤدٌ والِهةْ
لنْ يغيِّرَ من أمرِنا أيَّ شيءٍ،
و ليسَ يغيِّرُ مِنْ أنَّنا
لنْ نعودَ لأوطاننا يا ابنَ أمّي!
*
لن نعودَ و لا بأسَ يا صاحبي أنّنا لنْ نعودَا
فانغرسْ ههُنا مثلَ نخلةِ صقرِ قريشَ خلودا
و اكسبِ الآنَ جنسيَّةً ثانيةْ
و جوازاً جديداً يعيدُ لنا آدميَّتنا
إنَّها حكمةُ اللهِ أنْ تغدوَ الغربةُ الآنيةْ
لبراعمِ أكبادِنا، حسناً فليكنْ!
أيُّها اللَّيلُ طُلْ،
يَتُها الغربةُ ائتلقي
بادلينا الشَّبابَ و أعمارَنا
بترقِّي المناصبِ حبراً على وَرَقِ،
و المعيشةِ في ناطحاتِ السّحابْ!
أبدلينا بهِ عَمَلاً و نقوداً،
لكي نشتري أملاً و سَرابْ،
و حليباً لأطفالنا،
و نراهُمْ هنا، معنا آمنينْ
بلا رَهَقٍ، و بلا قَلَقٍ، و بدونِ عيونِ ذِئابْ
تتربَّصُهُمْ، و تحيطُ بهمْ خائفينْ
ثمَّ تبعدهم عن ذويهمْ و أوطانِهِمْ مُكرَهينْ
ليقولَ الزَّمانُ لهمْ: لنْ تعودوا لأوطانِكُمْ
أبداً
أبداً
أبدا!
إيهِ يا صاحبي فليكنْ،
كرّرِ الآنَ ما تشتهي أن تقولَ كما شئتَ يا صاحبي،
هوَ ليلُ الغريبِ بلا فرحٍ، و بلا سَمَرٍ،
و بدونِ طلوعِ صَباحْ
فقل الآنَ ما تشتهي،
و أنا سأظلُّ أصيحُ:
متى تنتهي غربتي
يا رياحْ؟


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة