الموضوع: ترجيع مؤلم
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
10

المشاهدات
1330
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
03-30-2021, 05:06 PM
المشاركة 1
03-30-2021, 05:06 PM
المشاركة 1
افتراضي ترجيع مؤلم
ترجيع مؤلم.


حمل على ظهره جرمه الثقيل يطوف به المدائن، حيث ذهب يحاول التمادي في النسيان، ومتى طالت الشكوك شخصه، وبات الفضول مختوما على العيون التي تنهش تفاصيله، بدل المكان وسعى إلى الخلاص. بلغ سن الحكمة وأصبح الماضي في أعماقه مجرد طريق عبره ليلا، لا يريد أن يعود إلى تفاصيله المنسية التي أخفت بشاعتها السنين كما تخفي التجاعيد نضارة وجهه. التقى به عند المنعطف، رجل توسم فيه رشدا، وتعلقت روحه برشاقة *صحبته، رأى في عرضه مسكنا لجسده الذي أتعبه المسير، وبلسما شافيا لقحط امتد فاستطال كثيرا. كان الرجل يبحث عن بستاني يتعهد حديقة بيته، فوجد في هذا المتجول خير من يتولى أمرها، ويحيي ربيع عمرها الذي خانه هؤلاء الذين كلفوا بها قبله، لم يخيب الرجل ظنه وأبان عن علو كعب في مهمته، بل أضفى على المكان لمسة شاعرية خاصة، مزج فيها بين الذوق الباريزي واللندني، دون أن يفقدا صورتيهما ودون أن يغرق في التفاصيل *ليحافظ على علاقته المتجذرة بالمكان وما تباركه التربة من أصناف الزهور ومن جميل الأشجار. في قلب البستان غرست يداه مستطيلا زهريا بريا يحسبه الناظر زربية مفروشة طرزتها أنامل مضمخة بالفن العتيق. يتبادل أطراف الحديث مع مستضيفه، فيتحدثان عن الفنون ومناقبها، عن الحكم ومنازلها، عن *النبات والحيوان، عن العجائب والغرائب، يبحران في سعادة عميقة، فتزدهر في قلبيهما أنوار الفضيلة، يتنفسان أريج الحديقة فتسري في عروقهما الطمأنينة، وتغمرهما نشوة الامتلاء. ذات مساء والشمس ماضية لمعانقة الأفق، قال الرجل لضيفه: عذرا ما سألتك عن موطنك، وما تشرفت بمعرفة قصتك" نظر إلى صاحبه من وراء جفون تكاد تطبق على بصره، فلا يرى غير ظلمة معتقة، ملأ رئتيه هواء لعله يعيد لعينيه حياتهما، استفاق هامسا في أعماقه: هكذا الإنسان! استأنف بصوت مسموع: يا صاحبي، الحديث يطول في الموضوع ولأنني متعب اللحظة، فإن الغد يتسع للإجابة.*

أرخى الليل بظلاله على الحديقة حين فتح باب الكوخ الجانبي الذي يأويه، نظر إلى النجوم العائمة في السماء، لأول مرة انتبه لهذا الكم الهائل من المصابيح التي تزين وجه السماء دون أن تستطيع إضاءة وجه الأرض وزرع البسمة في ظلمتها، وجد نفسه يبتعد عن المكان، يهرب من ماضيه الذي تراءى له حيا منذ *طرق سؤال الرجل أذنيه، قال: لعلني لم أبتعد بما يكفي.*