عرض مشاركة واحدة
قديم 10-24-2010, 06:52 PM
المشاركة 24
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
رابعًا: المنهج النفسي في النقد (فرويد والأدب):
ولد سيغموند فرويد سنة 1856م في النمسا، وعاش في فيّنا ودرس الطبّ فيها واهتمّ بالأمراض العصبيّة، وانتهى إلى أنّ وراء الأعراض الجسديّة أعراضًا نفسيّة، وبذلك تخطّى مجال الطبّ إلى علم النفس.

وقد انتشرت آراء فرويد في أوربا انتشار النار في الهشيم، واعتبر من أبرز المفكّرين المعاصرين الذي تركوا بصماتٍ واضحة في فكر هذا العصر وآدابه، ومن المهم أن يتنبه المرء في معرض الكلام عن فرويد أنّ آراءاه تعرّضت لتعديل كبير، وفهمت بأشكال مختلفة لدى تلاميذه المتعددين، ونقضتها مناهج كثيرة، وسفّهها مفكرون كبار، ورفضها الماركسيون وأدانوها، ومع ذلك أصبحت جزءًا لا يتجزّأ من فهمنا للإنسان والأدب والنقد في عصرنا.

ç سيكولوجيا فرويد:
يرتبط اسم فرويد بمفهوم التحليل النفسي، ويعتبر زعيم هذا الاتجاه بالرغم من أنّه لم يكن أوّل من نادى به، وسيكولوجيّة فرويد معقّدة ومتداخلة، ومن الصعب أن تفهم دون العودة إلى ملابسات تطوّرها، وأبرز نقاطها:

· يرتكز التحليل النفسي على فكرتي الكبت والطفولة الجنسيّة، وعند فرويد أنّ الكبت هو الأساس الذي تختفي وراءه الأمراض العصبيّة.

· كلّ سلوك إنسانيّ له دوافع، والتصرفات التي تبو أمامنا عرضيّة وغير إراديّة تختفي وراءها دوافع ورغبات غير منظورة.

· والرغبات المكبوتة قد ترتدّ إلى عرض جسدي فتسبب الشلل مثلاً دون أن يدري المريض، ومن هنا برزت أهميّة التحليل النفسي في الكشف عن الأمراض الجسديّة.

· وللأحلام كذلك معناها، وهي تعبير عن الرغبات المكبوتة، ومن خلالها يمكن الكشف عن أصول تلك الرغبات وتحليلها.

· وهكذا تكون أصول المرض العصبي كامنة في الماضي، وليس من الشروري أن تكون بنت ساعتها.

· هناك قطبان في الحياة العقليّة للانسان، الشعور واللاشعور، والأخير هو مجموعة المشاعر المكبوتة، وليس هناك استمرار بين الطرفين بل استقطاب، وقطبا الشعور واللاشعور متجاوبان مع مبدأ اللذة ومبدأ الحقيقة، فالإنسان يتبع مبدأ اللذة بالفطرة، ولكنّ البيئة الاجتماعيّة والطبيعية تدفعه إلى تأجيل تلك الرغبات (الكبت).

· الدافع الجنسي له الشأن الأوّل في الحياة النفسيّة، وصخب الحياة ينشأ من في معظمه من الشهوة والصراع ضدّ الشهوة.

· في الحياة النفسيّة ثلاثة مستويات متداخلة:
الأنا (ego)، والهوَ (id)، والأنا الأعلى (super-ego).
و(الأنا) تتوسّط بين (الهوَ) و(الأنا الأعلى) فهي جزء شعوري، وجزء غير شعوري، وهي تحاول أن تتكيّف مع رغبات العالم (الهو) ومبدأ الحقيقة (الأنا العليا).

ç فرويد والفنّ:
تعرّض فرويد بأشكال مختلفة لمسألة الإبداع الفنّي وحاول أن يفسّرها في ضوء نظرية التحليل النفسي، والمبادئ الأساسيّة التي تقوم عليها النظريّة الفرويديّة للفنّ:

· من خلال الفنّ وحده يستطيع الإنسان أن يحقق رغباته الشعوريّة، وينتج ما يبدو إشباعًا لهذه الرغبات، لأنّ الحياة العمليّة الحديثة مملوءة بالمعوقات والضغط.

· مظاهر أحلام اليقظة متوافرة في العمل الأدبي، ولكن الأحلام لا تستهوي الآخرين بينما الفنّ يفعل ذلك لـــ:

أ‌. في العمل الفنّي يقلّ تضخيم الأنا، بخلاف الحلم الذي يعبّر عن الأنا تعبيرًا واضحًا.

ب‌. الأحلام مسألة بين الفنّان ونفسه، أما العمل الفنّي فإنّه يقدّم نوعًا من الإغراء المزدوج للآخرين: الصورة الفنيّة التي تمنحنا اللذة الأولى من جهة، والاندفاع بها إلى لذة أعمق نشارك بها الفنّان في حلمه.

· ويترتّب على ماسبق أنّه ما دام الفنّ نوعًا من التعبير عن الرغبات المكبوتة، فإنّ الفنّان يقترب كثيرًا من المعصوب، وكما تفيدنا معرفة ماضي المعصوب وطفولته المكبوتة في تشخيص الأسباب النفسيّة لمرضه، فإنّ معرفة ماضي الفنّان ورغباته المكبوتة تفيد في تفسير فنّه.

ç إسهام فرويد في الأدب والنقد:
كان لفرويد وأتباعه إسهام ضخم في الأدب والنقد، سواء عن طريق الآراء نفسها التي نادى بها فرويد، أو الشكل المغلوط الذي اتّخذته خلال تداولها السريع الواسع، ونجمل تلك الإسهامات في:

· نشأت مدارس أدبيّة على أساس من قبول سيكولوجيا فرويد، فالسرياليّة مثلاً نشأت على أساس التملّص من الضغط العقلي والاجتماعي، وأفسحت المجال أمام اللاشعور.

· حاول النقّاد والمحدثين أن يحلّلوا المؤلفين والأدباء وأن يوضّحوا إنتاجهم في ضوء نظريات التحليل النفسي، وإن نجم عن ذلك مزالق أخطرها نسيان القيمة الأدبيّة والسعي وراء تشخيص المؤلف بدلا من تحليل العمل ذاته.

· بعد فرويد أخذ الكتّاب-لاسيما الروائيين والمسرحيين- يفهمون شخصيّاتهم ويبنونها على أساس معطيات مفهوم التحليل النفسي، كذلك أخذ النقّاد يحاولون فهم الشخصيات القصصية من خلال التحليل النفسي.

· أمدّ التحليل النفسي النقّاد بدقّة في معالجة عمليّة للخلق الفنّي، وتأثير الأعمال في القراء (سيكولوجيّة الجمهور).

إنّ التحليل النفسي سلاح من أسلحة النقد الحديث، ولكنّ ينبغي أن يستخدم بمنتهى الحذر حتى لا يعامل الإنسان باعتباره مخلوقًا قائمًا في الفراغ، لا مخلوقًا اجتماعيًّا تتمثّل فيه مواضعات المجتمع وتطلّعاته.

وأخيرًا لا بدّ من الإشارة إلى النقد النفسي لقي قبولاً واسعًا عند الأدباء والنقاد والعرب، وفي مقدّمتهم عباس محمود العقّاد، ود. عز الدين إسماعيل، ود. محمد النويهي... وغيرهم.