عرض مشاركة واحدة
قديم 06-11-2016, 02:00 AM
المشاركة 30
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بيت الحاجّ يكاد يكون نسخة مماثلة لبيت الحاجّة ، الفرق أن هذا مكتظ بالناس ، الحاج وأخوه و زوجتاهما و وبنتا أخيه ، ولده و زوجته وطفلتهما ، حفيده الذي يكبرني بسنوات قليلة . يا إلهي لماذا أعامل كأمير صغير في كل بيت آتيه ، لكونهم حدّادين يذهب الرّجال إلى عملهم ، كلّ يوم عدا الإثنين ، فهم يتوجّهون إلى السّوق و هناك يبيعون بضاعتهم التي اشتغلوا عليها طوال الأسبوع ، معاول ، فؤوس ، مناجل ، صفائح البهائم ، و غيرها مما يصوّب من الحديد. الإبن يملك دكانا يقضي فيه فترة ما بعد العصر حين يتحرر من الحدادة ، أما حفيد الحاج ، فعندما يتخلص من عمله الشّاق ، و يغتسل ، يصوب شعره ، و يحمل مسجّلته ليغازل الفتيات في الحقول والوادي . أنا بين تالوين والدوار الجديد الذي أسكنه أسير مشيا على الأقدام ، مسافة 45 دقيقة تتكرر في يومي أربع مرّات ، هذه عقوبة حقيقية ، لكن أتحمل مادام بيت الحاجّ يوفّر لي كلّ أسباب الرّاحة ، أسرة شهمة كريمة، هي ميسورة حقّا ، ولدان من أبناء الحاجّ في أوربا ، والرابع يمتلك شركة للعجلات في البيضاء ، الحدادة مجرّد هواية ، مجرد حفاظ على الجذور ، على التاريخ ، على الذّات ، أيضا هذه الأسرة لها حقول و أراض يتكفل بها الخمّاسة . المسجد من المغرب إلى العشاء طقس يومي لا يناقش ، نصلّي المغرب و نلزم المسجد ، نقرأ القرآن حتى العشاء . عند العودة ندخل إلى غرفة طويلة ، هنا يتناولون العشاء ، وهنا أيضا أنام ، وهنا أحفظ ، التلفاز يدير لي ظهره في الطرف الأيسر من الغرفة ، و هم مستلقون على الزّرابي في الطرف الأيمن ، أحفظ دروسي بانتظام ، بين الفينة والفينة أسترق السمع إلى ما تحمله الشّاشة من جديد أنباء ، حرب الخليج ، طقس يومي أيضا ، طائرات عراقية تقصف ، صواريخ تصيب ناقلات النفط ... ، العراق و إيران حاضران معي كل يوم ، فلسطين ليست أيضا ببعيدة ، أبو عمار يطوف المدائن، الكفاح ، الثورة ، وطني أيضا في حرب في تلك الفترة ، لكنها ليست كحروب الشرق ، حرب خرساء ، رغم أنها هوجاء ، تسقط فيها الطائرات ، وتخترق فيها الحصون ، لكننا لا نعيشها كل يوم في التلفاز ، أخبارها تأتي متواترة من الجبهة منذ سنوات ، لا تتحدث عنها الإذاعات إلاّ نادرا ، راديو الجزائر نتابع عبره بعضا من فصولها ، رغم أنها مزيّفة ، لكنّها تشعرنا أنّنا في حالة حرب ، لا أثر للحرب في حياتنا ، رغم أنّنا لا نبتعد عن الجبهة بأكثر من 300 كيلوميتر. سرب طائرات الميراج أحيانا نراه يقصد الشرق أو يعود من هناك نحو الغرب ، أرطال من الدبابات أحيانا تمر عبر تالوين باتجاه الشرق محملة على شاحنات عملاقة ، هذا كل ما نراه . أما الحياة فهي تسير بإيقاعها البسيط الرتيب ككل الأيام ، لا تحسّ فيها دخان البارود و لا قرع رعوده .
نجاة عتابو تغني : " سمحي لي الوليدة " نجاة عتابو تغني :" هانا جيت ، هانا جيت واخّا جيت جينيمار " نجاة عتابو تغني: " شوفي غيرو أو شتك ديما تبعاه " هذا ما كانت تصدح به مسجّلة حفيد الحاج ، أشرطة مختلفة تحمل صيحات نجاة عتابو ، تسرّب إيقاعها المتعسّف إلى دواخلي ، سرت رعشتها المتمرّدة في عروقي ، أصبحت أحبّ نجاة عتابو .
كان الحاجّ وأخوه مثالا للأخوة ، هما في عمر جدّي ، أمضيت في بيتهما حولوين كاملين ، الأولى إعدادي و كذا الثانية ، من سوء حظّي كنت أدرس في فصل ينقصه أستاذ اللغة الفرنسية ، عام آخر إذن سينضاف إلى المستوى الرابع الذّي زعزع استقرار مسيرتي التعليمية ، لم أندمج بسهولة في الإعدادي فنتائجي كانت متوسطة ، واللغة الفرنسية أزعجت مسيرتي التعليمية ، إذا كانت العربية يعزّزها الإعلام ، و كذا كون كل المواد ندرسها بالعربية ، فالفرنسية بقيت وحيدة بعد تعريب العلوم ، آخر القلاع التي كانت توازي الاستقرار اللغوي للتلاميذ ، الفرنسية في بلادي لغة إدارة ولغة اقتصاد ، والعربية لغة إعلام و دين وفن ، كان خطأ فادحا أن تعرّب العلوم ، نحن الجيل الأول في التعريب ، يسبقنا فوج واحد ، حتى المستويات الأخرى في الإعدادي لا يزالون يقرأون العلوم بالفرنسية ، يعاني أساتذتنا من هذه المشكلة طول الوقت ، فهم ألفوا تدريسها بالفرنسية ، فمجمل دروسهم تكون بين اللّغتين فيضيع التركيز ، النكتة الكبيرة أن التعريب ما استطاع أن يكمل طريقه في الجامعة فإلى اليوم تدرّس كلّ العلوم في الجامعات باللغة الفرنسية ، وضع غريب جدّا ، كان ضحاياه كثيرين ، اكتشفت في الإعدادي أن ميولاتي علمية أكثر منها أدبية ، رغم أن خالي الذي يشتغل في مكتبة البلدة قدم لي بعض القصص ، قصة الاسكندر ، قصة ماجدولين ، مجلة العربي ، المغامرون الخمسة ، قرأت قصصك خالي لكن أعتذر ميولاتي ليست أدبية بالمرة .
أحب القصص ، و منذ الثالثة ابتدائي أستمتع بتمثيلية الأزلية في المذياع ، وكذا بتمثيلية الأسبوع التي تقدم كلّ أحد ليلا ، ماجدولين ، شيء آخر ، ليست قصة و حسب ، بل مسار حياة يعاند البطل استيفن ، قصة تنقل الحب مصلوبا على صخرة الواقع والمجتمع ، قصة نفس بريئة ، حلم جميل شيّده استيفن رفقة ماجدولين تحت ظلال الزيزفون ، ما لبث أن خنقته حقيقة المجتمع ، ليتحوّل إلى كابوس مرعب . إلى اللحظة التي قرأت فيها ماجدولين لا أحس أنّني أحبّ ، تعجبني الفتيات الجميلات ولا تملّ عيني من الاستمتاع بجمالهن .