عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
11

المشاهدات
9278
 
ساره الودعاني
كاتبة وأديبة سعودية

اوسمتي


ساره الودعاني is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,905

+التقييم
0.33

تاريخ التسجيل
Sep 2008

الاقامة

رقم العضوية
5654
04-09-2011, 12:46 PM
المشاركة 1
04-09-2011, 12:46 PM
المشاركة 1
افتراضي || عبدالرحمن منيف ومدن الملح ||







نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


عبد الرحمن منيف (1933 - 24 يناير 2004) أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين حيث استطاع في رواياته أن يعكس الواقع الاجتماعي و السياسي العربي , و النقلات الثقافية العنيفة التي شهدتها الممجتمعات العربية خاصة في دول الخليج العربية أو ما يدعى بالدول النفطية . ربما ساعده في هذا أنه أساسا خبير بترول عمل في العديد من شركات النفط مما يجعله مدركا لاقتصاديات النفط , لكن الجانب الأهم كان معايشته و إحساسه العميق بحجم التغيرات لاتي أحدثتها الثورة النفطية في صميم و بنية المجتمعات الخليجية العربية .

يعتبر منيف من اشد المفكرين المناوئين لأنظمة كثير من الدول العربية. من اشهر رواياته "مدن الملح" التي تحكي قصة إكتشاف النفط في السعودية وهي مؤلفة عن 5 أجزاء، ورواية شرق المتوسط التي تحكي قصة المخابرات العربية وتعذيب السجون.


ولد عبدالرحمن منيف في عمان - الأردن عام 1933 عن اب سعودي وام عراقية. درس في الأردن إلى ان حصل على الشهادة الثانوية ثم انتقل إلى بغداد والتحق بكلية الحقوق عام 1952 ثم انخرط في النشاط السياسي هناك أنظم إلى حزب البعث إلى ان طرد من العراق مع عدد كبير من الطلاب العرب بعد التوقيع على حلف بغداد عام 1955 لينتقل بعدها إلى القاهرة لإكمال دراسته هناك. في عام 1958 انتقل إلى بلغراد لإكمال دراسته فحصل على الدكتوراه في إقتصاديات النفط لينتقل بعدها إلى دمشق عام 1962 ليعمل هناك في شركة نفطية ثم انتقل إلى بيروت عام 1973 ليعمل هناك في مجلة البلاغ ثم عاد إلى العراق مرة اخرى عام 1975 ليعمل في مجلة النفط والتنمية. غادر العراق عام 1981 متجها إلى فرنسا حيث كرس حياته هناك لكتابة الروايات ليعود بعدها إلى دمشق عام 1986 حيث عاش فيها حتى توفي عام 2004. و بقي إلى آخر إيامه معارضا للإمبريالية العالمية , كما اعترض دوما على الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 رغم انه كان معارضا عنيفا لنظام صدام حسين .

عماله

ربما يكون عمله الأبرز هو رواية (مدن الملح) في خمسة أجزاء : يصف الجزء الأول التغيرات العميقة في بنية المجتمع البدوي الصحراوي بعد ظهور النفط , في الأجزاء الثاني يبدأ بوصف رجال الأعمال الذين وفدوا على المنطقة الخليجية و دخولهم في تحالفات مع حكام المنطقة , الأجزاء الثلاثة الخيرة تصف التحولات و التفاعلات السياسية في شبه واضح مع تاريخ حكام آل سعود , هذه الرواية صنفته سريعا كمعارض لنظام الحكم السعودي و منعت رواياته من دخول المملكة العربية السعودية و كثير من الدول الخليجية .


الرواية الأخرى التي أحدثت ضجة في العالم العربي كانت (شرق المتوسط) , التي تعتبر أول رواية عربية تصف بجرأة موضوع التعذيب في السجون خاصة التعذيب التي تمارسه الأنظمة الشمولية العربية التي تقع شرق المتوسط في إشارة واضحة للنظام السوري و العراقي .


لاحقا ألف منيف جزءا آخر من شرق المتوسط أسماه : (الآن ..هنا) أعاد به الحديث عن التعذيب في السجون لكنه صورها هنا في بيئة أقرب لبيئة مدن الملح الخليجية .


ارتبط منيف بصداقة عميقة مع روائي عربي آخر هو جبرا إبراهيم جبرا , توجت هذه الصداقة مؤخرا برواية ثنائية , قد تكون من الأعمال الأدبية النادرة التي تكتب من قبل شخصين ربما على مستوى العالم , و النتيجة كانت (عالم بلا خرائط) , التشابك و التناسق الفني لهذه الرواية كان على درجة عالية يستحيل معها التصديق بأن هذا العمل مؤلف من قبل شخصين اثنين .


من أواخر أعماله : (أرض السواد) التي أراد ان يتحدث فيها عن تاريخ و مجتمعات العراق .


"مثل كثير من الفقراء الحالمين كنت أرسم على وجه السماء خيولا راكضة باستمرار، كنت أفعل هذا عندما تكون السماء شديدة الزرقة وليس فيها غيمة واحدة، وكانت هذه الخيول شديدة الجموح وشديدة القوة، وكانت تسافر دائما، وكنت أمتطيها باستمرار وأسافر، لكني في هذا السفر لم أكن أبحث عن شيء، أو أعرف شيئا، حتى جاء يوم مللت فيه أن أسافر ببلاهة هكذا، فبدأت أبحث عن أهداف لهذا السفر، لكن بحثي كله ضاع، وانتهى بلا جدوى، فقررت أن أتعلم القراءة، وكانت تلك هي البداية لرحلة عذابي الحقيقية على الأرض".


هذه الكلمات تكشف عن إحساس الأديب السعودي عبد الرحمن منيف بقرب الرحيل، وبها أيضا يمسك بأيدينا لندخل إلى حياته التي تمثل عملا أدبيا خالصا والتي تعد منظومة متواصلة من السفر والترحال والغرابة، حيث يعد الرحيل هو أهم ما يميز حياة هذا الأديب العربي الكبير، صاحب أكبر سداسية روائية عربية ظهرت حتى الآن، وتمت ترجمتها للغات العالم المختلفة، وانتشرت إبداعاته وتوزعت في بلدان الأرض؛ وهي سداسية "مدن الملح" بالإضافة إلى إنتاجه الروائي:



1) الأشجار واغتيال مرزوق (بيروت) 1973.

2) قصة حب مجوسية (بيروت) 1973.

3) شرق المتوسط (بيروت) 1975.

4) حين تركنا الجسر (بيروت) 1976.

5) النهايات (بيروت) 1977.

6) سباق المسافات الطويلة (بيروت) 1979.

7) عالم بلا خرائط بالاشتراك مع جبرا إبراهيم جبرا(بيروت) 1982.

8) الآن هنا أو: شرق المتوسط مرة أخرى (بيروت) 1999.

9) عروة الزمان الباهي.

10) لوعة الغياب.

11) أرض السواد ( 3 أجزاء).

12) بين الثقافة والسياسة.

13) رحلة الضوء.

14) ذاكرة المستقبل.

النشأة والتكوين


مع بدايات القرن العشرين أحكم الاستعمار الأوربي قبضته على بلدان العالم العربي، وعمل جل طاقته على تفتيت هذه البلدان، ووضع العراقيل والحدود التي تضمن له عزلهم والعمل على تشتيت قوتهم، ورغم ذلك كله كان هنالك من يضربون بتلك الحدود عرض الحائط، ومن بينهم رجل "نجدي" يسعى مع الساعين ضاربا في الأرض خلف الماء والكلأ، وتوقف بعض الأحيان في محطات معينة، فتوقف في العراق وفلسطين ومصر، وأثناء عودته إلى الجزيرة العربية توقف في عمان، وهناك تزوج بامرأة عراقية أنجبت له ولدا أسماه عبد الرحمن عام 1933، وعاد الأب إلى الجزيرة العربية لكنه مات في الطريق.


وهكذا نشأ عبد الرحمن منيف في عمان في مرحلة من أكثر المراحل أهمية في تاريخها وتاريخ القضية العربية، حيث بدأت قضية فلسطين تأخذ أبعادا جديدة، وتطورت، وازداد خطر الصهاينة وشرهم الذي كلل بهزيمة الجيوش العربية عام 1948.



الترحال


تلقى منيف تعليمه الابتدائي بعمان، حيث قضى أولى سنوات حياته التي تركت آثارا واضحة المعالم في بناء شخصيته، ويعترف "منيف" بذلك صراحة عندما كتب بعد ذلك عن تجربته بعمان وضمن ذلك في كتاب "سيرة مدينة.. عمان في الأربعينيات" يرصد فيه تاريخ هذه المدينة العريقة والتطورات التي طرأت عليها وأهم الأحداث التي وقعت بها، وأرخ لتحول عمان من بلدة بسيطة وادعة إلى مدينة اتسعت جبالها وسهولها وتلالها لأكثر مما اتسع مسرحها الروماني القديم.


غادر الفتى "عبد الرحمن" عمان واستقر ببغداد مواصلا تعليمه، والتحق بكلية الحقوق عام 1952، بينما حركات التحرر العربي على أشدها، والدول الأوربية تسعى بدأب لإجهاض هذه الحركات العربية، وانخرط منيف في المظاهرات الطلابية المعارضة لـ"حلف بغداد" باعتباره مؤامرة تستهدف النيل من الوطنيين العرب، وكانت النتيجة طرد عبد الرحمن منيف من العراق عام 1955، فيمم وجهه شطر مصر، حيث ملاذ الكثير من الوطنيين العرب، فاستكمل دراسته في جامعة القاهرة، وواصل العمل السياسي بل والاشتغال بقضايا وطنه العربي الكبير، كيف لا وهو العروبي بامتياز؟! ويشهد على ذلك تشعب انتمائه؛ فهو ابن لرجل سعودي وأم عراقية، وقد نشأ وتفتح وعيه في الأردن والعراق.


عاد منيف للترحال ثانية وسافر إلى يوجوسلافيا عام 1958م، وحصل على درجة الدكتوراة في جامعة بلجراد عن "اقتصاديات النفط"، ورجع عام 1961م ليعمل في الشركة السورية للنفط، وانضم لحزب البعث أحد معاقل القومية العربية، ثم سافر إلى لبنان عام 1972م للعمل في مجلة البلاغ. ثم عاد للعراق مرة أخرى ليترأس تحرير مجلة "النفط"، واستمر هاجس الثورة والتمرد داخله وكان سببا لما تعرض له من المحن والشدائد.



إسقاط الجنسية


شهد المشروع القومي العربي الذي يؤمن به منيف حربا شديدة من جهات مختلفة، ومن أكثر البؤر التي انطلقت منها هذه الحرب المملكة العربية السعودية. وكان من نصيب عبد الرحمن منيف إسقاط جنسيته السعودية، وسحب جواز سفره، ليجد نفسه وسط دوامة من الإبعاد والنفي. وعاد إلى الترحال والتنقل، فنجده يتنقل من بلدة إلى بلدة، ومن قطر إلى آخر، إما مبعدا أو منفيا، لكنه ظل متمسكا بما يؤمن به من أفكار وما يعتمل داخله من آمال وأحلام. ووسط التنقل والرحيل ووسط المشاق التي يخوض غمارها فاجأ الجميع بإصدار روايته الأولى "الأشجار واغتيال مرزوق" عام 1973، وكان هذا الحدث إيذانا بميلاد روائي كبير كان له أثره الواضح على طريق الرواية العربية الحديثة.

[تحرير]

منيف.. روائيا ومؤرخا


وجد قراء الرواية العربية أنفسهم أمام نهر روائي بدأ في الجريان، وتزامن هذا مع خطورة وأهمية الوضع العربي وقتئذ في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، وما طرأ على الساحة الاجتماعية العربية نتيجة انكسار يونيو 1967 وما تركه من جروح وندوب في الشخصية العربية.


رصد عبد الرحمن منيف في روايته الأولى مأساة الإنسان العربي في وجهيها: المثقف منصور عبد السلام، أستاذ الجامعة الذي عاد من الخارج وشارك في جيش بلاده وذاق مرارة الهزيمة، ولم يسلم من القمع ففصل من عمله، والوجه الآخر الذي يعكس عامة المجتمع متمثلا في البطل الشعبي "إلياس نخلة" وعلاقته بأرضه ومقامرته عليها وما تعرض له من قهر وقمع، وربما لأن "منيف" قد عانى كثيرا في سبيل بحثه عن حريته وحقه في أن يحيا حياة آمنة مستقرة.. ربما من أجل ذلك كله نجد أن القمع والاضطهاد يشكلان حيزا كبيرا في أعماله، لا سيما الثلاثة الأولى منها: "الأشجار واغتيال مرزوق"، "شرق المتوسط، "قصة حب مجوسية" فنجده في "شرق المتوسط" -التي يحمل عنوانها إشارة واضحة جلية لمنطقتنا العربية ولكل الشرق عموما- يعكس ما يتعرض له أصحاب الرأي وما تعرض له منيف نفسه، وربما كانت كلمات الدكتور "علي الراعي" توضح هذا فيما قاله عن هذه الرواية: "ألخص وجهة نظري عن الرواية في عبارة قصيرة فأقول: إنها تصور لنا موقف صاحب الرأي بإزاء أدوات التعذيب.. إلى متى يستطيع صاحب الرأي أن يصمد في وجه أناس أصبحوا من فرط ممارسة القسوة والعنف أدوات لا بشرا؟!".


وفي رواية "قصة حب مجوسية" يتناول منيف علاقة الشرق بالغرب من خلال بطل القصة الذي ينجرف إلى حب سيدة غريبة، ويرى فيها أشياء يبحث عنها دوما، لكنه يُبقي هذا الحب في حدود العاطفة الطاهرة العفيفة، ولا يتدنى به إلى درك التلوث والتبذل، لكنه يصطدم دائما بما تربى عليه الشرق واستقر في وعيه حول المرأة وعلاقته بها، وهكذا ينذر عبد الرحمن منيف نفسه للبحث في أغوار الذات العربية/الشرقية المعذبة، ويحلل تقلباتها، ويرصد ما يعتمل بداخلها، وما تتعرض له من قمع وقهر.


ويتابع النهر جريانه فيصدر "منيف" روايته "سباق المسافات الطويلة"، يرصد من خلالها تجربة دولة إيران، ومحاولة الدكتور "مصدق" الاستقلال بإنتاج بلاده من النفط، وما تعرض له من قمع ومؤامرات الأوربيين وعملائهم، ثم يصدر منيف بالمشاركة مع الأديب الفلسطيني الكبير "جبرا إبراهيم جبرا" رواية "عالم بلا خرائط" التي يواصل من خلالها تعرية أنظمة وشعوب كاملة، ترضخ للقهر وتستسلم للمهانة والظلم، وتتوالى أعمال منيف فيصدر رواية "المسافات".


ومع بداية عقد "الثمانينيات" بدأ في إصدار سداسيته الروائية الشهيرة "مدن الملح"، راصدا من خلالها التغيرات التي طرأت على المجتمع الصحراوي العربي عقب تحوله من مجتمع بدائي يحيا وفق مقدرات حياتية ثابتة وقاسية، ثم اكتشاف النفط وتحوله إلى مجتمع نفطي غني، وما ترتب عليه من نتائج اتضحت في السلوك والعادات المميزة لهذا المجتمع.


وعبد الرحمن منيف يطرح بهذه السداسية تساؤلا غاية في الأهمية حول الأدب ودوره في رصد ما يطرأ على المجتمع من تغيرات، وحول إشكالية تداخل دور الروائي مع المؤرخ عند عبد الرحمن منيف؛ فالقارئ لـ"مدن الملح" سيجدها ترصد بحب وعمق ولوعة الانتقال من البداوة إلى النفط، سيجد أن منيف لم يقصد مكانا محددا أو شخصا بعينه بقدر ما هدف إلى تصوير حقبة بكل ما انتابها من ألوان التغيير والتحول، ولعلنا لن نبالغ إذا قلنا إن عبد الرحمن منيف من خلال سداسية "مدن الملح" يكتب تاريخا آخر مغايرا للتاريخ الذي يكتبه السادة والحكام، سنكتشف مدى اهتمامه بالإنسان البسيط الذي يتحمل وحده نتائج ما يتخذه سادته من قرارات.

[تحرير]

حرية بلا حدود


لم يستطع "منيف" التحلل من هاجس البحث عن الحرية، فسافر إلى فرنسا عام 1981، ثم عاد إلى دمشق مرة أخرى عام 1986م، حيث أصدر في مطلع التسعينيات روايته "الآن هنا.. أو شرق المتوسط مرة أخرى،" وكأنما لم يتغير شيء منذ كتب روايته الأولى حتى إصداره "أرض السواد" في مطلع التسعينيات ليكمل بها سداسيته الروائية، وكان رغم تجاوزه السبعين يخرج في المسيرات منددا بالمستعمر وطالبا اللعنة للخونة والعملاء.


ولأهمية عبد الرحمن منيف ومكانة إبداعه تم منحه جائزة مؤتمر الرواية العربية الأول الذي عقد في القاهرة عام 1998، وستظل تجربته محط أنظار الجميع ومصدر احترام وتقدير ممن يتفق معه أو يختلف، وستظل هذه الرحلة الإنسانية والروائية خالدة، تلك التي بدأت في عمان ثم بغداد فالقاهرة فيوجوسلافيا فبيروت فباريس، ثم أخيرا دمشق حيث اختارها منيف مقرا له، لتشهد آخر لحظات حياته، وربما كانت كلماته الأخيرة على لسان بطل روايته "الآن هنا.. شرق المتوسط مرة أخرى": "الجلاد لم يولد من الجدار. ولم يهبط من الفضاء. نحن الذين خلقناه، كما خلق الإنسان القديم آلهته، ثم بدأنا نخاف منه إلى أن وصلنا إلى الامتثال والطاعة والرضا، وأخيرا إلى التسليم".



مؤلفاته


* الأشجار واغتيال مرزوق,

* قصة حب مجوسية
* شرق المتوسط
* حين تركنا الجسر
* النهايات
* سباق المسافات الطويلة
* عالم بلا خرائط
* بالاشتراك مع جبرا ابراهيم جبرا
* مدن الملح 5 أجزاء
* الآن هنا (شرق المتوسط مرة اخرى)
* أرض السواد (3 أجزاء)


















حقوق الإنسان في روايات عبد الرحمن منيف



وليد خالد أحمد حسن

تهدف هذه الدراسة التي نحن بصدد مراجعتها الى تسليط الضوء على حقوق الانسان في الوطن العربي ورصد دور الانظمة العربية في تطبيقها من عدمه، وذلك من خلال روايات عبد الرحمن منيف التي تتبعت معاناة الانسان العربي في ظل انتهاك حقوقه واساليب القهر التي تمارس في حقه، وتقدم دلائل علمية تظهر اساليب الالتفاف عليها والاستفادة منها بغية تطويعها للمصالح الشخصية او لتغطية مشاريع كبرى وفق قوانين محلية متخلفة ومجحفة بكافة الحقوق الانسانية.





ولعل المنهج الموضوعاتي الذي انتهجته المؤلفة هو ما ناسب هذه الدراسة، اذ انه استفاد من مناهج ادبية عديدة، كالبنيوية ومنهج التحليل النفسي الذي هو مجموعة من التراكيب اللغوية والمشاعر والانفعالات يقوم على علاقة جدلية بحدس كل كاتب، يوقظنا على جمالية النصوص ويساعد في قراءتها قراءة متأنية. ويمكننا من مشاركة الكاتب ابداعه، ثم يترك لنا الاشياء تفصح عن نفسها بنفسها.



ما كتبه منيف قد يكون مرآة تعكس الحياة العربية بكل مقوماتها، ويعطينا صورة واضحة عنها، وذلك حين يتناول علاقات البشر فيما بينهم، ويتطرق الى اوضاعهم الاجتماعية والثقافية والسياسية.



في روايات منيف، انظمة دستورية، ومجتمع منهك.. فهل نجح في تناول هذه القضايا في ضوء شرعية حقوق الانسان الدولية ام اخفق؟ والى اي حد كان محايداً؟ وما هي المقومات التي انطلق منها؟ وهل حصل الانسان العربي على حقوقه ام انها انتهكت بشكل كامل؟



ان عمل المؤلفة في كتابها هذا، هو رصد الحقوق المنتهكة التي رمى اليها منيف، من خلال معرفة خلفيته السياسية والحقوقية التي انطلق منها لدراسة احوال المجتمع العربي وأوضاعه. فيطل منيف على المجتمع العربي حين كان مجتمعاً قبلياً تحكمه العادات والتقاليد، وقبيل التعرف على التطور التكنولوجي الذي بدأ يغزو العالم، وقد كانت السلطة في تلك الحقبة اولاً لشيخ القبيلة، وثانياً للسلطان او الحاكم. فهل عرف مواطنه حقوقه ومارسها؟ وكيف تعامل مع حكوماته التي ارادت الانتقال الى الدولة الحديثة؟ واية علاقات قامت بينهما؟



هرب منيف من الحياة العامة السياسية حين احس ان هناك خللاً في ممارسة العمل السياسي، ان على مستوى السلطة والمواطنين او على مستوى الأحزاب التي لم تستطع ان تؤدي دورها في تصحيح مسار الحركة السياسية وهو بالتالي لن يتمكن من ممارسة حقوقه الأخرى، لانها كل مترابط ومتداخل. فاختار الرواية ليدل من خلالها الى الحياة الاجتماعية العربية، ويشير الى الخلل الحاصل في ممارسات الافراد والسلطة، وربما لانها تساعده في طرح اشكاليته بطريقة اكثر طواعية وبالتالي تمكنه من اقتراح الحلول التي يراها مناسبة ليبعد الإنسان العربي من الحياة المرهقة التي يحياها... فبلادنا العربية " بلاد الافواه المكممة، والحريات المسلوبة، والحقوق المهضومة، والمبادئ المنتهكة..." فـمنيف يكتب للانسان ولحريته وحقوقه، ويحاول ان يؤلف رواية " تعني الناس وتقلقهم، تساعد في زيادة وعيهم، وفي تحريضهم على ان يعملوا شيئاً من اجل بناء عالم افضل.." فالمنطقة العربية في المرحلة الراهنة "اصبحت من اكثر المناطق في العالم خرقاً لحقوق الانسان واكثرها استبداداً وأشدها تعسفاً" ولا نستغرب منه هذا الموقف وهو الذي تعرض للقمع والاضطهاد، مما دفعه ان يطرح الهم السياسي في رواياته على انه هم كبير ومؤثر، فهو لم يقف عند حدود الممارسات السياسية إنما يتعداها إلى سلوك الناس وقيمهم في جوانب شتى من حياتهم.



لذا نرى معظم الشخصيات الرئيسة في رواياته ثائرة متمردة على الاوضاع الجديدة التي استجدت في المنطقة، وقد حاولت الانقلاب عليها ولكن السلطة كانت لها دائماً بالمرصاد وعملت على كمّ الافواه والتضييق عليها.



وقد ركز منيف على انتهاك الحقوق وفي المستويات كافة في ظل صراع بين ثقافتين، المظلوم والظالم، الثائر المتمرد، المتغطرس الغاشم... ووسائل هذا الصراع، العصيان والثورة والتحرك بأنظمة سياسية جديدة تعطي المواطن حقه في اختيار شكل النظام ورموزه، وتسمح له بتغييره حسب مقتضيات الحاجة، كما دعا الى العمل بالدسايتر الموجودة والى صياغة دساتير حيث يجب ان تكون في الاقطار العربية لتنظيم العملية السياسية، ما يؤدي الى اصلاح الخلل القائم في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.



وقد اظهرت رواياته، ان الاسلوب الذي يتبعه الحاكم، السلطوي هو نفسه في جميع الامكنة وكل الازمنة، لانه محكوم باسلوب تفكير تقليدي لعله استمد بعض ملامحه من الحياة العربية القديمة ولم يستطع على الرغم من انفتاحه على الغرب التخلص منه، وفهم ان السياسة تعني السيطرة المطلقة والطاعة الدائمة.



ان المنطقة العربية داخل روايات منيف قد تشكلت بحسب الرؤية التي ارادتها الدولة وكشفت بذلك عن وجه الحاكم وابرزت التباين في الاراء وازاحت الستار عن الوضع الاجتماعي البائس الذي يعيشه اهل المنطقة، وهكذا استطاعت ان تغلب مصالحها على حساب حاجات المواطن وحقوقه، ومنها الحقوق الفكرية، كونها تسمح للانسان ان يتعلم ويتطور وبالتالي يحدد المكانة التي يحتلها مجتمعه بين المجتمعات المتحضرة، فكيف كانت هذه الحقوق في روايات منيف؟ وكيف تعامل معها كل من المواطن والحاكم؟



يتمظهر الفكر لدى الفرد والجماعة في افعال تؤدي الى الاختراع والابداع والتنظير والتفكيك في جميع ميادين الحياة. وتبرز معه قدرة الانسان على التحدي والاستمرار في سبيل تلبية احتياجاته العلمية والسياسية والثقافية، حيث يؤسس لثقافة المجتمع وبلورة عقله ووجدانه.



يربط منيف في رواياته بين الحرية الفكرية والحرية السياسية، اذ يجب ان "تكون حقاً عاماً متساوياً بالنسبة الى الجميع" ليتسنى لهم متابعة حياتهم بحرية وليخلفوا بالتالي "جبهة ثقافية عريضة" يقوم عليها وجودهم الفكري الحر.

لقد دلت روايات منيف الى انتهاك فاضح لحرية الدين والتفكير على الرغم من ان الميثاق العربي لحقوق الانسان قد كفل للمواطن هذا الحق ولم يسمح له الحاكم بممارسة حقوقه الدينية بعيداً عن سلطته. واستغل العلماء لاستصدار فتاوى تعطيه الحق في استخدام الدين لمصلحة موقعه وسلطته ما ابعد الممارسات الدينية عن الاعتراف بالحقوق للمواطنين ومن ثم حصولهم عليها.



وقد وضعت السلطة يدها على الاحزاب وعملت على تأسيس العديد منها لتكون بذلك ممارسة ديمقراطية زائفة فأيقظت عند اصحاب النفوس الضعيفة حس المنفعة المادية او السياسية وحولت البعض الى ادوات طيعة في خدمتها.

لم توفر الفنون ونالت من الفنانين، وقايضتهم على حياتهم لتفرض عليهم الانصياع والموالاة، وأحكمت سيطرتها على المرافق العامة للبلاد، وحجبت الثقافة عن مواطنيها، وقدمت لهم الثقافة التي تعنيها، فانشأت الصحافة ومولتها لتكون الناطق الرسمي باسمها.



ويرى منيف انه ازاء هذا الوضع نحتاج الى خطة ثقافية ترشيدية توجه الإعلام المرئي والمسموع الى ممارسة الحقوق الفكرية بشكلها الصحيح وان نخصص على صفحات الإعلام المقروءة مساحات تشير الى حقوق الإنسان وتعمل على ترسيخها كحالة ثانية في المجتمع.



وتشير الوقائع في روايات منيف إلى ان الغرب يعمل على ابقاء المنطقة العربية في حالة غليان دائم والى حالة من عدم الاستقرار او الشعور بالامن لتبقى مرتهنة له، وكي لا نحقق لهأهدافه علينا، ان نبدأ من أنفسنا فنوقف خطر الإلغاء الدائم للإنسان والأنظمة وإلا نساهم في خلق نظام دولي جديد يخدم مخططاته ويعيد المنطقة الى استعمار جديد آخر والى هيمنة أخرى.



وتؤكد الأحداث ان ميثاق حقوق الإنسان وضعناه لنحافظ على حقنا في الحياة ولنشعر في ظله بالأمان من القهر والتعذيب وعلى حقنا بالمساواة، ليس الا كلاماً جميلاً منمقاً يدغدغ العقل ويراود النفس في حياة مثالية لكنه لا يحظى في ظل الأجواء السائدة بأية فرصة للتطبيق الفعلي.



ترك منيف اسئلة الحرية تطرح نفسها على الجيل الصاعد وقد حمله مسؤولية النهوض بالمجتمع ونفض الافكار البالية وحثه للبحث عن كيانه وبالتالي العمل على ايجاد كيان ثقافي خاص به.



ان الكتابة الثورية التي مارسها منيف في معظم اعماله هي كتابة فعل الواقع اكثر منها مسألة انفعال بالحوادث ومن ثم تصويرها تصويراً دقيقاً، فهو لا يلجأ الى التلاعب على مسألتي الزمان والمكان ليدلك على حسن استعماله للأنماط والأساليب الحديثة في الرواية، وقد دلت أعماله على انه محكوم بالتسلسل التاريخي المنطقي.



في سياق الموضوع ذاته، يرى منيف في رواياته ان الإنسان "مخلوق خطير الشأن في دورة الحياة" لما فيه من قدرة بعض الباحثين على الفعل ورد الفعل، ويشير آخر الى ان الحق في الحياة والوجود والبقاء هو من "اكثر الحقوق إلحاحاً طالما ان الإنسان يعيش ضمن الأحوال القانونية التي تتحدد في بلده" ومن اكثر القواعد اهمية هي الا يتعدى احد على الآخر أو مجموعة على أخرى وهذا يعني حمايته من عدوان الأفراد الآخرين عليه ومن سوء استعمال السلطة الذي قد يودي بحياته.

ان حق الحياة حق مقدس وأساسي ولكل فرد في هذا المجتمع حق العيش معززاً مكرماً سعيداً في حياته "وليس لأحد ان يمس حياته لا في جسمه ولا في روحه" فهل توصل المواطن في روايات منيف الى تحقيق العيش بكرامة وحرية؟ وهل ساهم الحاكم في المحافظة على حياة مواطنيه؟ وبالتالي هل فهم هذا الحق فهماً جيداً؟ وهل عمل بالنص القرآني وشرعة حقوق الانسان اللتين حرمتا قتل النفس البشرية اياً كانت الا بالحق؟

لقد كشفت روايات منيف وابطاله، العالم الذي يعيشون فيه، فنلمس معهم ان لا رأي الا للطبقة الحاكمة وكلماتها تدعمها في ذلك سيادتها وسيطرتها على حياة المواطن وحقه في ان يعيش حياته بعيداً عن القهر والتعذيب والحرب، واذا بها تمارس كل الاساليب التي تحرمه الحياة وتضيف اليها الخوف والرعب والاضطراب والقهر ما يدفعه نحو اليأس والاندحار ولا يستطيع بعد ذلك مواجهة اية صعوبات قد تصادفه.

وتبين لنا انه حين امتلك الشجاعة ليتصدى لها ويشير الى جشع الحكام وتقصيرهم في حق شعوبهم، كان السجن بانتظاره، وقد اصبح في ما بعد المكان الذي احكموا فيه سيطرتهم على شريحة واسعة من الناس جمعت الى المثقفين الاغنياء والفقراء واصحاب العاهات الجسدية والنفسية حيث مثلوا في هذه العزلة صوت الحق ونطق بعضهم بالحقيقة التي لا يجرؤ احد على البوح بها.

واشار منيف الى اساليب التعذيب التي استخدمت ومدى استفادة إدارة السجون من التقنيات العصرية فاستعملت الادوات الحديثة الى جانب القديمة لتنتزع الاعترافات من السجناء وتنال من سلامة جسدهم وفكرهم ونراه، كيف انغرس في الهم السياسي والاجتماعي، وحاول التفتيش على ارض الواقع عن أدوات الإدانة في داخله، ورسم لنا شخصيات واقعية حية تلهث في الأجواء العربية خلف الحياة الهادئة وتنفس من أجوائها المشحونة بالعنف المليئة بالضباب والفوضى والارتباك.

وردعت السلطات الانسان عن الحس الجماعي الوطني ودفنت فيه الحس الى التغيير ولم تضمن له الحياة، ونال المثقف ما ناله غيره من ابناء وطنه من المعاملة القاسية والقهر، وشعرنا ان المجتمع قد انقسم الى عالمين عالم القهر العاتي المتوحش وعالم المقهور من الوجع ويكتب انفعالاته قدر ما يستطيع.



وقدمت لنا رواياته ابطالاً يشعرون انهم ضائعون يبحثون دائماً عن شيء معين ولا يجدونه، نظراً الى عدم إحساسهم بالانتماء الى اية طبقة من طبقاته، وهنا تتجسد الأزمة في الجيل الصاعد حيث تبدو خيبته في تحقيق احلامه وهو يتفادى المواجهة ويجد في الاغتراب حلاً لكل المشاكل التي يعاني منها.



وتبدو لنا الازمة الاجتماعية الاكثر تفاقماً، وذلك حين تتداخل الاسباب السياسية والمعتقدات الدينية والمذهبية واختلاف التشكيلات الاجتماعية، وإبعاد سلطة المؤسسات الحقيقية لتدخل في سلطة الأشخاص والطوائف.

نلتقي في روايات منيف شخصيات كثيرة تصرح امامنا عن وضعها ومكانتها، نتعرف من خلال احاديثها الى ابعادها الخارجية والداخلية والاجتماعية فتضعنا حينها امام صور عن الحياة التي تحياها وهي تحمل مزيجاً من الفرح والخوف والحزن والاضطراب، وتدلنا في ذلك الى سمات المجتمع بعلاقاته المتبادلة مع الفرد، وتشير الى تناقضاته واتجاهاته الفاعلة.

يؤمن منيف، ان كل شخصية يمكنها ان تكون فاعلة ومؤثرة، وذلك تبعاً للموقف الذي يضعها فيه الروائي، وهي بالتالي تستطيع ان تسلم راية النضال الى شخصية اخرى قد تكون اكثر فاعلية، انه يريد للجميع ان يشارك في البناء كل بحسب قدراته.

لقد وظف منيف كل المقومات الروائية الفنية للتدليل على الأزمات التي يعاني منها المجتمع، ويشير من خلال رواياته إلى ان هذه الأزمات هي استمرار لما كان في الماضي، وإنها أزمة على مستوى التعامل المحلي وعدم انتاج فكر حديث يتمكن من التعاطي مع النهضة الجديدة في مختلف المستويات... وقد اكد ذلك من خلال طرح العلاقة مع الغرب حيث استطاع ان يؤسس لحضارة واهية ضعيفة لا تساعد من يتمسك بها بالقفز نحو المستقبل.

ان معظم الشخصيات بما فيهم الحاكم العربي، لا يزال ينظر الى الماضي ولم يستطع التخلص منه، ويحاولون دائماً ان يبنوا عليه حياتهم، وكأنه الدستور الذي لا يجب ان نحيد عنه، وهنا تتبدى ازمة التخلي عنه، كما اننا نلمح بعض الشخصيات التي قفزت الى المستقبل من دون ان تلتفت الى الماضي او الى الحاضر، وفي كلتا الحالتين لم يصل المواطن إلا إلى الفراغ الفكري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي. هل لهذه الاشكالية علاقة بالغرب؟ وهل يرفض الذين يتمسكون بالماضي الانفتاح على الغرب بالمطلق؟ ام انهم يرفضون الاساليب والعادات والقيم والتقاليد؟ ونحن نلمس فعلاً عدم التفاعل بين الشرق والغرب والعلاقة بينهما لم تؤد الى تفاعل مستمر. فالمجتمع العربي وقف مأخوذاً بكل ما هو وافد من الغرب، ولأنه لم يفهم ما يمكن ان يعطيه له الانفتاح عليه فهو لم يتقبله، وراح يحاربه بشتى الوسائل.

في المقابل لم يؤسس الغرب لعلاقة تفاعلية مع الشرق وقد وضعنا يدنا على أهدافه، وتبين انه جاء الى الشرق كفاتح وكمستعمر، وقد جند لذلك المبعوثين على المستوى السياسي والثقافي والعسكري والاقتصادي، وراح يعمل على تفريغ المنطقة من ثرواتها وتجريدها من قوتها ما ادى الى تفريغ العقل من محتواه، وعمل على إخضاعه في المستويات كافة ما ساهم في توسيع الهوة وسلخ اي تفوق عن الأمة العربية ولا نعرف لم ترضى بذلك؟!!

الكتاب:

حقوق الانسان في روايات عبد الرحمن منيف، تأليف- خديجة شهاب، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2009، 686 صفحة.



** منشور في صحيفة "المدى" في 15 يناير/ كانون الثاني 2011











خُــلــقــت حــواء مـــن ضـــلــع { آدم }

لــذلــك { هـــي } لا تـــشـــعــــر بـــالأمــــن حـــتـــى

يــــضـــع رأســهـــا عــــلـــى صــــدره !!!