عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
20

المشاهدات
15882
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.39

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
04-01-2013, 11:23 AM
المشاركة 1
04-01-2013, 11:23 AM
المشاركة 1
افتراضي هل يسكن الوحي بين جدران السجن؟
هل يسكن الوحي بين جدران السجن؟

وذا السجن جامعة الجامعات... وذا القيد استاذها المعتبر

إذا كانت القدوة الحسنة من أفضل الجامعات، فأن السجن هو حتما جامعة الجامعات، وليس الكون، وأن القيد هو أستاذ هذه الجامعة المعتبر، وليس الدهر كما سبق أن قال الشاعر فيما مضى.
حيث يندهش الباحث من ضخامة عدد الأعمال الإبداعية العبقرية التي ولدتها عقول أناس ذاقوا مرارة السجون، واكتووا بنيران العزلة، والحرمان، وسلب الحرية التي تفرضها بيئة السجون.
ولا نكاد نجد إنسان يدخل السجن إلا ونجد بأن قريحته قد تفجرت عن أعمال إبداعية مدهشة وذات اثر عظيم أثناء السجن أو بعد الانعتاق من ظلمته.
والمعروف أن عشرات السجناء الذين لم تكن لهم قبل دخولهم السجن أية صلة بالكتابة تحولوا إلى كتاب بعد مرورهم بالتجربة، وعبروا عنها شعرا أو قصة أو رواية أو خاطرة.
ومنهم من دخل السجن أُميا لا يقرا ولا يكتب وخرج منه مفكرا مبدعا أو أديبا.
حتى ليكاد الباحث يظن بأن اثر السجن في صنع العبقرية لا يقل في أهميته عن اثر اليتم والذي يقع بلا منازع على رأس سلم المسببات في ولادة العبقرية كما سبق شرحه.
ولو تعمقنا في البحث والتنقيب لوجدنا أن كثيرا من أعظم الأعمال الإبداعية ولدت من عقل يتيم أو من عقل سجين حصرا، ولكن إذا ما اجتمع اليتم والسجن والتأهيل والقدوة الحسنة لدى شخص، فتكون النتيجة امتلاك ذلك الشخص القدرة على توليد نصوص عبقرية، مهولة، وخالدة، وذات اثر سحري، وكأنها ألهمت لصاحبها إلهاما ووحيا.
ولا شك أن ذلك تحديدا ما دفع الفيلسوف المبدع جان جينه إلى القول بأن "الوحي يسكن بين جدران السجن" ، وأيده في ذلك الكثير من الأدباء المبدعين الذين تخرجوا من جامعة السجن، وان كانوا قد عبروا عن ذلك المعنى بصور مختلفة.
فأذا كان الشاعر الألماني ( ريلكه ) يرى بأن الأفكار تهبط على الفنانين كما تهبط الأمطار من السحب، فأن الشيخ القرضاوي يقول في قصيدته النونية الشهيرة التي أبدعها أثناء سجنه بأن ملاكا أوحى له بقصيدته تلك:


واليوم عاودني الملاكُ فهزني.....طربًا إلى الإنشادِ والتلحينِ
أُلهمتُها عصماءَ تنبُع مِن دَمِي......ويَمُدُّها قلبي وماءُ عيوني

والصحيح أن الإنسان ليعجز عن رصد، وعد الروائع التي أبدعتها عقول أناس كُثر غيبتهم السجون واحترقوا بنيران عزلتها قديما وحديثا وأنتجوا أعمال إبداعية كثيرة ورائعة في السجون.

فتاريخ الأدب العالمي حافل بالعديد من الأعمال الأدبية التي أبدعتها عقول سجناء، ابتداء من العصور القديمة وحتى الزمن الراهن سواء في الشرق أو في الغرب.
لكننا سنذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر للتدليل على الدور الذي تلعبه جامعة السجن في خلق العبقرية:
فالمعروف أن أبي فراس الحمداني كان من بين أقدم الناس الذين عُرف عنهم بأنهم سجنوا وأبدعوا قصائد رائعة أثناء السجن، وهي تلك التي تعرف بالروميات، ومنها قصيدته الشهيرة المغناة "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر".
كذلك فعل المعتمد بن عباد ملك اشبيلية، حيث صور عذابه وألمه وتجربته في السجن بلغة شاعرية مؤثرة وصور فنية غنية ودلالات عميقة وأسلوب شفاف كما قيل عنه.
وفي القرن السادس عشر أبدع الروائي الاسباني ميغيل دي سيرفانتس، روايته الشهيرة "دون كيشوت" والتي تحتل المرتبة الأولى في سلم أفضل 100 رواية عالمية، وأصبحت تشكل مرجعية لكل من أراد الخوض في مجال كتابة الرواية .
ولاحقا أبدع جون بونيان رواية "تقدم رحلة الخلاص ، أو "رحلة الحج Pilgrimage Progress " كما يترجمها البعض، والانجليزي دانييل ديفو ابدع رواية "روبنسون كروزو" ، وتتصدر الروايتان قائمة روائع الأدب العالمي إلى جانب رواية سيرفانتس. كما ألف الروائي الروسي ديستوفيسكي روايته الشهيرة " منزل الأموات". وألف الروائي الفرنسي هنري شاربير روايته "الفراشة" وهي الرواية التي أشعلت النار في العالم عند صدورها كما يقول النقاد، وحققت نجاحا واسعا فور صدورها. كذلك ألف الروائي الصيني زانغ كزليانغ روايته الشهيرة " نصف الرجل امرأة". كما ألف الروائي النيجيري كين سارو ويوا روايته "الفتى سوزا".
كذلك بدأ الفيلسوف والشاعر الفرنسي فولتير كتابة ملحمته الشعرية بين جدران السجن. أما الزعيم الهندي نيهرو فقد أبدع خلال سنوات سجنه الطويلة كتابه " لمحات من تاريخ العالم". كما كتب هتلر كتابه " كفاحي" وهو في السجن. كما الف الشاعر الانجليزي رالي كتاب عن تاريخ العالم. وألف الفيلسوف برتراند راسل كتابه " مبادئ في الرياضيات".
كما أبدع عباس محمود العقاد كتابه " السدود والقيود" أثناء سجنه في ثلاثينيات القرن الماضي. وأبدع عبد الرحمن منيف الروائي النجدي روايته الشهيرة " شرق المتوسط" وروايته الأخرى " الآن هنا – أو شرق المتوسط مرة أخرى".
وكتب الروائي المصري صنع الله إبراهيم روايته الشهيرة " تلك الرائحة" وهو يعتبر بأن السنوات التي قضاها خلف القضبان هي التي عملت منه روائيا متميزا. كما يرى البعض بأن كتاب عائشة عودة " أحلام بالحرية" نص أدبي عن عالم السجون لا يقل قيمة عن نص شرق المتوسط. كذلك ألف الروائي الأردني أيمن العتوم روايته " يا صاحبي السجن"، وهي رواية تمتاز بالشعرية وتحلق في عالم النفس البشرية، ويرى احدهم أن الوصف فيها مفاجئ حد الفجيعة وجميلا حد الدهشة.

ومن السجناء الذين أبدعوا أعمالا خالدة أيضا، فريدة النقاش وألفت " السجن ، الوطن"، والطاهر بن جلود وألف " تلك العتمة الباهرة"، وفاضل الغزاوي وألف القلعة الخامسة"، وشريف حتاتة وألف "العين الزجاجية"، ومليكة اوفثير والفت رواية "السجينة"، وسمر المقرن والفت رواية " نساء المنكر"، وامجد حسونه وألف " خارج الزمن".

وقد انعكس اثر السجن على أعمال الكثير من الشعراء المعروفين أمثال أبو الطيب المتنبي الذي يقول :


أنا الذي نظر الاعمى إلى أدبي ....وأسمعت كلمات من به صمم.

ويرى طه حسين أن تجربة السجن كان لها أثرا مهولا على المتنبي وعلى تطوير ملكاته الإبداعية.

وكان للسجن أثرا واضحا على شاعر تركيا العظيم ناظم حكمت، وشاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا، والشاعر المصري احمد فواد نجم، ومحمد الماغوط، والشاعر الكبير محمود درويش والذي يقول في قصيدته التي أبدعها وهو في السجن وهي بعنوان" آخر الليل" :
وطني يعلمني حديد سلاسلي
عنف النور ورقة المتفائل
ما كنت اعرف أن تحت جلودنا
ميلاد عاصفة وعرس جداول
سدوا علي النور في زنزانة
فتوهجت في القلب شمس جداول.

ولا يفوتنا أن نذكر اثر السجن على بعض رجال الدين والأئمة ومنهم الإمام احمد بن حنبل الذي كتب الشعر في السجن أيضا، والشيخ بن تيمية والذي اعتبر أن سجنه خلوة، والشيخ سيد قطب الذي ألف في سجنه عدة مؤلفات منها في "ظلال القرآن" وكتاب "معالم في الطريق"، والشيخ عايض القرني والذي ألف في سجنه كتاب لا تحزن والذي أصبح واسع الانتشار، كما ألف كتاب آخر يعالج في جانب منه اثر محنة السجن على السجين، وهو بعنوان " أعظم سجين في التاريخ" وهذا الكتاب يروي قصة سجن سيدنا يوسف عليه السلام، والذي ربما يكون أقدم سجين عرفه التاريخ.

و في الواقع، ما هذه الأعمال التي ذكرت هنا إلا نماذج قليلة ومحدودة من إبداعات ولدت في السجون أو أن أصحابها ذاقوا مرارة السجون واثر السجن على ملكاتهم الإبداعية. وقد اختيرت هنا بصورة عشوائية، وتم ذكرها للتدليل فقط على مدى اتساع دائرة المبدعين الذين صنعتهم جامعة السجن. فهم وجدوا أينما وجدت السجون وفي كل الأزمان، والقرون، والأماكن، وجاءوا من كل الجنسيات وتحدثوا كل اللغات.

كما أنهم أبدعوا في كل المجالات خاصة المجالات الأدبية والفكرية والقيادية وجلهم أنتج أعمالا خالدة ثرية، عميقة، بليغة، ومؤثرة، أو خرج من السجن ليصبح قائدا وحاكما كرزميا.

يتبع،،،